الرأي

الرأي | الجزائر وأوان التغيير

بقلم: مصطفى منيغ

    كان القرار بقطع العلاقات الدبلوماسية نهائيا مع المملكة المغربية بمثابة تبرير الحكومة الجزائرية ما شابه الفرار من مشاكل اجتماعية واقتصادية وسياسية ملفاتها مكدّسة في وزن قنطار، لكن عكس ما ظن أصحابه هؤلاء قادة العسكر، حينما أُدْخِل سعيهم في غار، مجهول وجهة المسار ، من دخلَه احتواه الخطر، لغاية اليأس المؤدي للاندثار.

جاء القرار الجزائري ذاك مؤكدا للمغرب الانتصار، ملفوفا بمنطوق لا يدري معنى التريث لفائدة الانتظار، الضامن فرصة التعقل الأخيرة قبل تخريب الديار، ما دامت الجزائر الدولة على حافة الانهيار غير قادرة على إحضار الدقيق لجبهتها الداخلية مَنْ الكُلّ فيها مُدَمر، لا خير في دولة الخبز فيها غائب والزيت في تداوله بين المستهلكين مُشَفّر، والماء مصدر الحياة انتقل مجراه لأرض الثقاة الأخيار، في مغرب ظلت يده ممدودة للجار، هذا الأخير الجانح عن تلقي الإحسان بتصرفات الأطهار، بدافع الحقد المتطور لجرمِ الغدر، لكن سيء النية مهما اختفى خلف قناع كشفه القدر، ليصبح نموذج المكتوي أيام الحر بالنار، وشتاء بجفاف يواصل جوع الليل بالنهار.

الجزائر الرسمية تقطع تلك العلاقات امتثالا لأوامر حاكمتها الفعلية فرنسا، حامية جهاز الجزائر التنفيذي، وراعية ما تملك نخبته المعروفة بالأسماء والرتب العسكرية، وعلى رأسهم جنرالات الجيش الشعبي الوطني الجزائري، من ثروات مُهربة إليها، المقدرة بمليارات الدولارات المنهوبة كلها من خيرات الشعب الجزائري المغلوب على أمره بقوة السلاح.

ساعات بعد الإعلان عن ذاك القرار، اتصل “فخامة” الرئيس الجزائري برئيسه “من وراء الستار”، الرئيس الفرنسي، في مكالمة سرية سربها من له مصلحة في التعجيل بإسقاط ذاك النظام، المستمر في خنق الشعب الجزائري لغاية برمجتها دولة الاستعمار القديم لجل إفريقيا، عسَى يتسنى لها توسيع نفوذها من جديد على تونس والمغرب، ولحد أبعد، موريتانيا، ذاك المنتسب للمخابرات الجزائرية الذي انضم مؤخرا لسلسلة من زملائه قصد العمل على إنقاذ الجزائر من تدبير يتم بين فرنسا والبعض من جنرالات الجيش الشعبي الجزائري، تلك المكالمة المبطنة باستطلاع رأي الآمر الناهي، مع استنجاد ما قد يتبع الفاعل من ترتيبات، طبعا أحست فرنسا في شخص رئيسها، بخطر تعاملها مع مسؤولين مثل الذين زكتهم لشغل المناصب المتقدمة في هرم الحكم الجزائري الحالي، ومنهم “فخامة” الرئيس ووزير دفاعه، فعمدت إلى لغة غير مفهومة تغطي بها صمتها، حفاظا على ما يتبادر في الأفق من فشل الجزائر الرسمية في الموضوع ذاته، وأيضا الرجوع لتفقد الوضعية غير المرتقبة التي فرضها المغرب كدولة أصبحت منذ شهور قليلة تحمل سمات الدول العالمية الكبرى، القادرة على فرض قراراتها السيادية، انطلاقا من إمكاناتها الذاتية، فكرية كانت أو إبداعا لحلول إيجابية، كتلك التي جعلت من معظم دول إفريقيا تكرس الابتعاد عن النفوذ الفرنسي، وخاصة المتجمد نظامه مع مص عرق الآخرين لأجل غير مسمى.

لقد عمدت فرنسا (مستغلة شراكتها بما استثمرته في المغرب على شكل مشاريع صناعية قي الدرجة الأولى) إلى تطبيق سياسة صبر مشية السلحفاة مظهرا، المتحالفة مع ركوض النمر جوهرا، لتطويق الإرادة السياسية المغربية، لكن فرنسا مبالغة في قدراتها كدولة عظمى، نسيت أن للمملكة المغربية جهاز أمني مخابراتي، رئيسه يضع في كل يد من يديه ساعة يختلف توقيتها عن الساعة الأخرى، ليعلم بواسطة أعوانه وخبرائه ونبغائه، وعلماء تخصصات مهامه وما أكثرها، احترازية كانت أو ميدانية، المعززة بقوانين وطنية ودولية، ليعلم مَن المستيقظ لحال سبيله يسعى لرزقه المشروع، ومن ينام نوم الذئاب عبر العالم، والكل يصب في مصلحة المغرب دولة وشعبا، فلا فرنسا استطاعت الربح أكثر مما تربحه في مشاريعها الصناعية، ولا نجحت في استقطاب ما يجعل المغرب جزائر أخرى، فكان عليها أن تلعب في ميادين وفرتها من قبل للطوارئ، وكلها أصبحت منذ عهد مكشوفة بالكامل، الابتسامة الدبلوماسية لا تعني أكثر من قناع للتهدئة المؤقتة، أما ابتسامة الند للند فهي أصدق تعبيرا إن وصلت الأمور لحد مواجهة مهما كان صنفها، قرار المقاطعة الذي بادرت به الجزائر ضد المغرب سيكلفها الكثير، ومنه ابتعاد فرنسا عنها مستقبلا، دون تحديد الموعد لذلك، بسبب استنفاذ ما كان على جزائر تلك الجماعة العاملة ضد وطنها، القيام به خضوعا وخنوعا لفرنسا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى