الرأي

الرأي | نظرية العدو المفترض

بقلم: عماد بنحيون

مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية

    ليست هذه هي المرة الأولى التي يلجأ فيها النظام الجزائري لاستعمال نظرية “المؤامرة” لتهييج مشاعر المواطنين، بتوجيه الاتهامات إلى عدوه الافتراضي التقليدي: المغرب، كلما تبعثرت أوراقه وافتضح أمره أمام الشعب، وثبت تورطه في مصيبة من المصائب، وأصابه الضعف والوهن وهدد بالانهيار واستعصت عليه الحلول التقليدية لإسكات هدير الشعب وكبح جماح الاحتجاجات الجماهيرية وقد تعددت بؤرها في ربوع البلاد.

فبعدما اندلعت الحرائق بكل من روسيا وتونس والمغرب والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا واليونان وفرنسا، أوعزتها أنظمتها إلى ارتفاع درجة الحرارة المفرطة، تفتقت عبقرية نظام حكم المرادية، فأعلنت الرئاسة الجزائرية في بيان لها، أن بلادها قررت “إعادة النظر” في علاقاتها مع الرباط، بسبب ما أسمته “الأفعال العدائية المتكررة من طرف المغرب”.

وقد اتخذ هذا القرار خلال اجتماع استثنائي للمجلس الأعلى للأمن برئاسة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خصص لتقييم الوضع العام عقب الحرائق الضخمة التي أودت بحياة 90 شخصا على الأقل في شمال البلاد، حيث اعترف “حاكم” المرادية ببرودة أعصاب وكأن الأمر لا يهمه، بعدم قدرة دولته في الحصول على طائرة “كنادير” (البارعة في إطفاء الحرائق) بعدما بحث عنها في كل من سويسرا وفرنسا وفي أوروبا كاملة دون جدوى، متحاشيا الحديث عن رفضه لعرض جارته الغربية المملكة المغربية، وهي الدولة الوحيدة على مستوى القارة الإفريقية التي تتوفر على هذا النوع من الطائرات، لمساعدة بلاده في إخماد الحرائق.

لكن المهتم بالتوجهات الاستراتيجية للدول لن يفاجئه رد فعل حكم العسكر بالجزائر المناوئ للوحدة الترابية للمغرب المستفز لمشاعره بفكره المتسامح، وتطوره المتسارع ورصانة دبلوماسيته وهدوء أعصابه، فحكم “الكابرانات”، المتحكمون بسراديب قصر المرادية كما عهد عنهم، والمتطرفون دوما في قراراتهم والمتشبثون بالانتفاع من إطالة أمد النزاع حول الأقاليم الجنوبية المغربية، لن يقبلوا بالانتصار الكبير للدبلوماسية المغربية وشرعية السيادة الكاملة للمغرب على صحرائه بعد الاعتراف الكبير للولايات المتحدة الأمريكية ودعم الدبلوماسية المغربية من طرف المنتظم الدولي بإحداث قنصليات وتمثيليات دبلوماسية بمدينتي العيون والداخلة، فتوجسهم من انقطاع نصيبهم من الإعانات الدولية ومبرراتهم لتخلف دولتهم وعدم قدرتهم على تلبية مطالب شعبهم، يبرر توقهم الشديد لكبح جماح الثورة الدبلوماسية الملكية، التي وفرت آليات ووسائل مبتكرة بالاستثمار الأمثل للموقع الجغرافي ولعلاقته وتواجده بدول العمل، بما فيها القوى الكبرى المؤثرة في النظام العالمي، لدعم مصالح بلده الحيوية، على رأسها قضية الوحدة الترابية، بالإضافة إلى التوجه نحو بناء وتطوير علاقات وشراكات استراتيجية جديدة على جميع المستويات ومع كل الدول، مع الحفاظ على دور المغرب الريادي في إفريقيا، خصوصا بعدما أدرك أن مجال التوسع الحيوي يكمن في التوجه دبلوماسيا واقتصاديا نحو إفريقيا جنوب الصحراء، في ظل الجمود أو “التجميد” الذي عرفه التعاون المغاربي، وكذا التوجه الجديد لهذه الآلية السيادية من خلال الاشتغال على تكريس وضمان حق مغاربة العالم بكل أطيافهم ودياناتهم في خدمة دولتهم الأم، فخلطت أوراق المرتزقة المتحكمين في زمام الأمور بالجارة الشرقية، فنسوا قواعد الرد المناسب أو الفعل الدبلوماسي الرصين.

مهما يكن، سيسجل التاريخ أن المملكة المغربية ظلت وفية للسلام والحب، بفضل  الرؤية المولوية البصيرة، التي كان لها بالغ السبق في وضع تحليل براغماتي صريح وصائب، لواقع العلاقات والأزمات المشتركة بين المملكة الشريفة وجمهورية الجزائر، فكان للنظرة الاستباقية للملك محمد السادس، الفيصل والبرهان والدليل القاطع أمام العالم وشعوب المنطقة، على صدق النوايا ونبل الأخلاق التي احتفظ بها المغرب كأسس متينة لعلاقته بالجزائر وبين الشعبين الشقيقين، ومدى التضحيات الجسام والمبادرات العظام التي قدمتها وبذلتها  المملكة الشريفة في سبيل النأي بالنفس عن الانجرار وراء المكائد والمؤامرات التي ما فتئ أعداء السلام وعرابو الحروب والفتن والدمار ينسجون خيوطها السوداء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى