الرأي

الرأي | إسبانيا بين “غالي” و”بنبطوش”

بقلم: عبد الله بوصوف

    لا يمكن تجاهل الإحراج الذي تعيشه الحكومة الإسبانية والناتج عن تورطها أو توريطها بالسماح للسفاح “غالي/بنبطوش” بالمرور الحدودي بهوية مزورة والاستشفاء في إحدى مستشفياتها، فقد وصلت تفاصيل الفضيحة إلى البرلمان الأوروبي وأصبح حديث الإعلام العالمي وشبكات التواصل الاجتماعي، وهو الإحراج الذي بدى من خلال تصريحات ملتوية للخارجية الإسبانية، التي رمت بكرة النار في ملعب القضاء.

كما لا يمكن تجاهل السقوط المدوي لحزب “بوديموس” في انتخابات 4 ماي بجهة مدريد، وإعلان زعيمه بابلو إغليسياس (حليف سانشيز في الحكومة) عن الانسحاب من المشهد السياسي بصفة عامة، لكن التاريخ لن يسجل عليه فقط هذا السقوط، بل أيضا الفضائح المالية وتمويلات إيران (حوالي 700 ألف أورو سنويا) وفنزويلا، مقابل تبني أطروحة جنرالات الجزائر وإعلانه نُصرة عقيدة الانفصال سواء في كطالونيا أو مع البوليساريو.

إلا أن تصريح الخارجية الإسبانية بالقول أنه “إذا أراد القضاء مثول غالي، فسيمثل غالي أمام القضاء، وليس للحكومة الإسبانية أن تتدخل في استقلالية عمل القضاء..”، جعلنا نستحضر سابقة قضائية شهيرة شبيهة بملفات المجرم غالي، ويتعلق الأمر بقضية الديكتاتور الشيلي أوغوستو بينوشي، بحيث قام القاضي الإسباني الذائع الصيت، بالتازار غارثون، بتوجيه تهم التعذيب وتأكيد مسؤوليته عن جرائم القتل والاختطاف والاختفاء القسري بين سنوات 1988 و1990.

لقد وجه القاضي الإسباني هذه التهم أثناء تواجد الجنرال بينوشي بالعاصمة البريطانية لندن للعلاج في أكتوبر 1998، وتقدم للقضاء البريطاني بطلب تسليمه إلى العدالة الإسبانية لمحاكمته على خلفية جرائم تعذيب كان ضحيتها مواطنون إسبان فقدوا في الشيلي إبان حكم الجنرال الدكتاتور.

وشهدت فترة إقامته الإجبارية بأمر قضائي بلندن، والتي امتدت لحوالي سنة ونصف، سجالات قانونية وقضائية ارتكزت حول ما يعرف بـ”مبدأ عالمية الاختصاص القضائي”، وأقرت السلطات البريطانية في مارس / أبريل 1999، بشرعية اتهامات القضاء الإسباني ضد بينوشي، لكن الأخير سيعود إلى بلده الشيلي في مارس 2000 “لأسباب إنسانية”، وناجيا بذلك من مطرقة القاضي الإسباني بالتازار غارثون.

 من جهة أخرى، فإن قضية إبراهيم غالي في إسبانيا تجعلنا نستحضر واقعة قضائية أخرى، بطلها القاضي الإسباني إسماعيل مورينو، سنة 2014، والذي أمر باعتقال كل من الرئيس الصيني السابق جيانغ زي مين، والوزير السابق الصيني لي بينغ، مع ثلاثة موظفين سامين، على خلفية اتهامهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي والإبادة الجماعية بإقليم التيبت في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات، بعد أن رفع دعوى ضدهم سنة 2006 من طرف جمعية غير حكومية ومواطن إسباني تنحدر أصوله من منطقة التيبت.

وخلف إصدار مذكرة توقيف المسؤولين الصينيين ردة فعل قوية من بكين، التي صرحت بلغة فيها الكثير من التهديد، بأن السلطات الإسبانية عليها ألا تقوم بأعمال يمكن أن تسيئ إلى الصين والعلاقات الصينية الإسبانية، وهو ما يفيد تهديد حجم الاستثمارات الصينية والمعاملات المالية الكبيرة والمبادلات التجارية القوية بينهما.

وأمام هذا الوضع، اضطرت سلطات مدريد إلى السعي من أجل تقليم وتعديل “مبدأ عالمية الاختصاص القضائي” للقضاء الإسباني، من خلال الإسراع بتصديق البرلمان الإسباني على بنود الإصلاح القضائي، وبتغيير مضمون الفصل 23 من القانون التنظيمي رقم 6 لسنة 1985 والمتعلق بالسلطة القضائية، وهو بالمناسبة نفس الفصل أي 23 الذي استند عليه القاضي غارثون في دعواه ضد الدكتاتور بينوشي سنة 1998.

هذا التعديل الذي صوت لصالحه في البرلمان الإسباني أيضا الحزب الاشتراكي المعارض، مكن الحكومة الإسبانية من الحد من الاختصاص القضائي للمحاكم الإسبانية وإيقاف مفعول مذكرة القاضي إسماعيل مورينو، وبالتالي، إسقاط متابعة القادة الصينيين بتهم جرائم ضد الإنسانية.

وهكذا فتحت مساحة جديدة للسجال القانوني والقضائي والفقه القانوني والدستوري بخصوص الفصل 23 وما عرفه من تأويلات وتعديلات، سواء في سنة 2009 أو سنة 2014 تحت الضغط الصيني، وعلاقة ذلك بالاتفاقيات الموقعة من طرف الدولة الإسبانية واختصاصات المحكمة الجنائية الدولية.

وما نلاحظه هنا، من جهة أولى، هو تشابه صك الاتهام بين الدكتاتور الشيلي بينوشي والسفاح غالي، فكلاهما متهم بجرائم ضد الإنسانية والتعذيب والاختطاف، وكلاهما تواجد خارج النطاق الترابي لحمايته أثناء توجيه الاتهام، وكلاهما يحتمي بـ”الظروف الإنسانية”، كما نلاحظ من جهة ثانية، تشابه عناصر صك الاتهام والتواجد فوق التراب الإسباني مع غياب عنصر “الظروف الإنسانية” في ملف القادة الصينيين مع ملف الجلاد غالي.

والواضح من تصريح وزارة الخارجية الإسبانية، أنها تجعل مصير زعيم المرتزقة بين يدي القضاء الإسباني، لكن قولها إنه “عندما تزول هذه الأسباب الإنسانية سيغادر بالطبع غالي إسبانيا”، يرمي بالقضية في دائرة الشك، وأن من سيُقرر مصير الانفصالي “الهارب”، ليس بالأساس هو القضاء الإسباني، ولكن عوامل أخرى!؟

تعليق واحد

  1. سلام عليكم
    هذا العدد ليوم الخميس 14 ماي 2021 غير متوفر بالاكشاك باكادير
    هل سيتم تدارك الامر وشكرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى