الرأي

الرأي | أمراض تنخر جسم الجهة الشرقية

حتى لا يبقى الشعب في دار غفلون

بقلم: الحسين الدراجي

    معظم الناس يقفون أمام المرآة ليستمتعوا بما حبتهم به الطبيعة من جمال أو عيوب طبيعية، كالأنف الكبير والفم العريض أو “الخال” إذا كان في غير محله، وقد سبق لي في الحلقة السابقة أن تطرقت لجميع الصفات الجميلة التي تتميز بها بلادنا، من ثروات طبيعية وشواطئ وجبال وغابات وصحاري، وقد يقول قائل أن كاتب هذا الركن أصيب بالغرور، والحالة أنني أعشق المنطقة الشرقية، رغم أن صيفها يتميز بشمس تحرق وشتاؤها برده قارس لا يحتمل، إنه قانون الانتماء والحس الوطني الذي يستحيل صده.

ولنبدأ بظاهرة التسول، حيث ترى مئات الأطفال في سن الدراسة يعترضون السيارات للحصول على صدقة، وفي بعض الأحيان يتجرؤون على صاحب السيارة الذي لا يعطيهم شيئا وينهالون عليه بالسب والشتم بكلمات جارحة ونابية، ومن هنا يتعين على شرطة المرور وعلى عناصر من البوليس ترتدي لباسا مدنيا إلقاء القبض على هؤلاء المتسولين أو على الأقل الحد من نشاطهم.

 وفي نفس المجال، نجد عند أبواب جميع المساجد سيدات يضعن في حجورهن رضعا يستجدين بهم عطف المارة، أما الطامة الكبرى، فتتجلى حسب الإحصائيات الأخيرة، في وجود ما يناهز الـ 6000 مشرد يجوبون شوارع وأزقة الدار البيضاء وحدها، فهم إما هاربون من عائلاتهم أو استهوتهم حياة التشرد المبنية على تناول جميع أنواع المخدرات، ففي الصيف فراشهم الأرصفة وفي الشتاء يبحثون عن البنايات المهجورة يلجؤون إليها ويشعلون الحطب أو الكارطون ليتدفؤوا به.

أما المقابر، فتشهد متسولين لا يظهرون إلا عند دفن الأموات، إذ بمجرد ما ينتهي الدفن، حتى نجدهم ينقضون على أهل الدفين ليجبروهم على شراء لتر من الماء يصبونه فوق قبر الميت، فإن لم يرضخوا لهم تعرضوا لوابل من الشتم وللمضايقات، وهنا يجب على المجلس البلدي أو الجماعي أن يقوم بتنظيم مراسيم الدفن ويكلف أحد أعوانه بإحصاء هؤلاء الدخلاء ومنعهم من ابتزاز عائلات الموتى، ولو يلجأ إلى جمع النقود التي يتبرع بها أهل الميت والإشراف على توزيعها على هؤلاء المتسولين الملهوفين، وقد يتساءل البعض إذا كنا لم نستطع تنظيم حياتنا في الدنيا، فكيف السبيل إلى ضبطها في المقابر، وبهذه المناسبة، أسأل المجلس العلمي الأعلى هل زخرفة المقابر حلال أم حرام؟

وهذا مشكل خطير كما أكد لنا ذلك أحد الصحفيين المختصين حيث قال: “هؤلاء الشباب لا يجدون أمامهم إلا خيارين: إما المراهقة وما يتبعها من أنواع المخدرات، وإما التنظيمات السرية التي تجد فيهم ضالتها وتدفعهم نحو الإرهاب”.. أليست لدينا مؤسسات إصلاحية تتكفل بإيواء وتربية وإصلاح هؤلاء الأطفال المشردين الذين يعيشون حياة التسكع في الشوارع؟ فالحلول التي يمكن إيجادها لهؤلاء المنحرفين، يجب أن تكون شاملة ومستمرة، فإذا كان أقرانهم الكبار يعانون من البطالة منذ سنوات، فما هي حظوظ الشغل التي يبحث عنها هؤلاء الجانحون؟

ومن جهة أخرى، تعاني البلاد من أزمة الحصول على طباخة أو مربية، وفي هذا المجال، لقد سبق للمرحوم الحسن الثاني أن أحدث مدرسة داخل تواركة متخصصة في تكوين وإعداد تلامذة يتقنون الطبخ بجميع أنواعه، ولكنهم كانوا عند تخرجهم، يوزعون على الوزراء والنبلاء وبعض المديرين المحظوظين، وأخطر مما ذكرنا من عيوب يعاني منها مجتمعنا الذي تزداد فيه الفوارق الاجتماعية، هناك نساء يخترن أقدم مهنة في العالم، وهي البغي والدعارة، وهنا يكمن الخطر الكبير على الشباب إناثا وذكورا، وحتى على هؤلاء النساء، لأنهن لا يخضعن لفحص طبي يجعلهن في مأمن من الأمراض الجنسية المعدية كما كان وقت الاستعمار، حيث كن يخضعن كل سبت من الأسبوع إلى فحوص طبية دقيقة قصد تجنب الأمراض المعدية.

وقد علمنا حسب الدكتورة حكيمة حميش، أن داء خبيثا كالسيدا، أصبح من الممكن العلاج منه إذا تم التشخيص في بداية المرض، وأن الدولة هي التي تتكفل بتوفير الأدوية اللازمة، مع العلم أن الجمعية التي تترأسها حميش المتطوعة، لم تفتأ تبحث عن المصابين بهذا الداء، لأنهم يخجلون من الاعتراف بإصابتهم، ومن جملة الإجراءات التي اتخذتها هذه الجمعية، ضمان السرية التامة للمريض، حيث لا يطلع على مرضه أحد إلا الطبيب المعالج، وتعتبر هذه الأمراض كالسوسة التي تدخل جدع الشجرة فتخربها إلى أن تقضي عليها تماما، وإذا كانت كل هذه المساعدات، بالإضافة إلى المنح التي تهبها بعض الدول الأوروبية لمساعدة المغرب على بذل المزيد من الجهود للقضاء تماما على هذا الداء الفتاك، فما هو العذر الذي يلجأ إليه هؤلاء المصابين ليتصلوا بالمراكز العديدة الموجودة في جميع مدن المغرب للخضوع للعلاج وهم يعلمون أنهم يشكلون خطرا على المجتمع إذا كانوا متزوجين ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى