الرأي | المخاطر الاقتصادية لـ”كورونا” على ميزانية الدولة والإدارات العمومية
12 نوفمبر، 2020
0 2 دقائق
بقلم: يونس مليح
يعتبر الفيروس التاجي، المعروف اختصارا بـ”كوفيد 19″، جائحة عالمية كما أعلنت عن ذلك منظمة الصحة العالمية في بداية ظهور الفيروس، ولاشك أن الأثار الاقتصادية والاجتماعية التي خلفها منذ بداية ظهوره ولغاية اليوم، تنذر بالمزيد من التدهور بالنسبة لشتى القطاعات والأصعدة، الأمر الذي أكده الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الذكرى 21 لعيد العرش، حيث أكد على أن هذه الجائحة خلفت أثارا سلبية على المواطن بالدرجة الأولى وعلى الاقتصاد بالدرجة الثانية، الأمر الذي يحتاج إلى تظافر جهود الجميع من أجل تجاوز هذه المحنة التي يعرفها العالم.
فمنذ ظهور أول حالة إصابة بفيروس “كورونا” ببلادنا يوم 2 مارس 2020، وإعلان حالة الطوارئ الصحية بالبلاد يوم 20 مارس من نفس السنة، حاول رئيس الدولة بتنسيق مع الفاعل الحكومي، وضع مجموعة من التدابير الاستباقية كمحاولة لتجاوز الأثار الاجتماعية والاقتصادية التي سيخلفها هذا الوباء، الأمر الذي سرع بإحداث صندوق تدبير جائحة “كورونا” الذي رصد له آنذاك 10 ملايير درهم، وحددت مداخيله في يونيو المنصرم بنحو 33 مليار درهم، إلى جانب ذلك، تم إحداث لجنة اليقظة الاقتصادية، التي كانت مهمتها مواكبة الأثار الاقتصادية التي سيخلفها هذا الفيروس التاجي.
بالإضافة إلى ذلك، فقد حدد الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة 100 ملايير درهم كمساعدات للدول التي تضررت بفعل الجائحة والتي وصل عدد ضحاياها ما يفوق مليون وفاة، إلى جانب ذلك، وفي باب إعادة ترميم ما خلفته هذه الجائحة وستخلفه من دمار اقتصادي واجتماعي، وانطلاقا من الفصل 77 من الدستور الذي يعتبر الحكومة والبرلمان المسؤولان عن تحقيق التوازنات المالية بالبلاد، وانطلاقا مما نص عليه القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13، وخصوصا المادة 10 منه، أنه في حالة عدم تحقيق الأولويات التي نص عليها القانون المالي السنوي، فإنه يمكن اللجوء إلى قانون مالي تعديلي من أجل تحقيق التوازنات المالية للدولة، وهو الأمر الذي تحقق عن طريق القانون المالي التعديلي رقم 20.35 الذي جاء أربعة أهداف رئيسية منها:
أولا: إعادة إنعاش الاقتصاد الوطني، والمساهمة في تحقيق فرص الشغل، وأيضا مساعدة ومساندة المقاولات المتضررة بفعل الجائحة على الرجوع إلى الدورة الاقتصادية.
والجدير بالذكر، أن الموارد الضريبية التي تعد جزء لا يتجزأ من الميزانية العامة للدولة، وإحدى الركائز الرئيسية التي تدر السيولة المالية لخزينة الدولة عرفت انخفاضا بنسبة 18.59 %، بالإضافة إلى العجز الميزانياتي الذي وصل في شهر غشت المنصرم إلى 46.5 مليار درهم، كل هذه الأمور بطبيعة الحال أثرت وستؤثر على ميزانية تسيير الإدارات العمومية التي تعتبر ميزانية الدولة عصب حياتها وشريانها الرئيسي، والسبيل لضمان سيرورتها، الأمر الذي ينبغي معه التسريع بإنعاش الاقتصاد الوطني في أقرب وقت ممكن، حتى تستعيد ميزانية الدولة نشاطها وعافيتها.
ثانيا: اتخاذ تدابير من أجل إصلاح ميزانية التسيير وإعادة إنعاش الاقتصاد الوطني، فالكل يعلم بأن ميزانية التسيير مرتبطة ارتباطا عضويا بالميزانية العامة للدولة، وكل خلل وعدم اشتغال سيؤثر لا محالة على الإدارات العمومية، وسيشكل عقبة أمامها، لأن ميزانية التسيير بأي مؤسسة عمومية هي نقطة أساسية تستطيع من خلالها توظيف كوادر جديدة قادرة على الرقي بالمؤسسة، تكوينات، شراء لوازم لوجيستيكية أساسية لسير المؤسسة… وأيضا هي نواة رئيسية من أجل ضمان سيرورة الإدارات العمومية ببلادنا.
لكن، الأمر الذي ينبغي الإشارة إليه في هذا الإطار، هو كون هذه الميزانية يجب أن تخضع لمبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يسيء لمحاسبة ميزانية التسيير، فالميزانية المثلى والناجعة هي ميزانية تتيح للإدارات العمومية السير الأمثل لمصالحها والتدبير الناجع لدواليبها.
وفي هذا الإطار، وجب التذكير بمشروع القانون رقم 19.46 المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، الذي تم التنصيص عليه من أجل تقوية النصوص القانونية المؤطرة لهذه الهيئة، ولتجويد النص السابق المؤطر للهيئة رقم 113.12، والذي سيتيح لها لعب دورها في مراقبة وجودة وشفافية ميزانية الإدارات العمومية، خصوصا ما تعلق منها بميزانية التسيير، وخضوعها لمبادئ الحكامة الجيدة التي خصها المشرع الدستوري بباب كامل، هو الباب الثاني عشر من دستور 2011.