الرأي | قبائل الحياينة.. من معاقل الجهاد إلى صفحات المجد الوطني

على مر التاريخ المغربي، برزت قبائل الحياينة كإحدى القبائل العربية المجاهدة التي سجلت حضورها البطولي في الذود عن الدين والوطن والعرش العلوي المجيد.. حكاياتهم ليست فقط تاريخا، بل إرثا متجذرا في وجدان الأمة المغربية، تحمل في طياتها مواقف شجاعة تليق بأن تحكى للأجيال.

جذور القبيلة: من تلمسان إلى أعالي فاس
يعود أصل قبائل الحياينة إلى تلمسان، حيث عانت من الدمار على يد الدولة العثمانية، وجدت القبيلة ملاذا ودعما لدى الدولة السعدية، التي جلبتهم إلى أعالي فاس في القرن السادس عشر. هنا أظهروا وفاء وشجاعة منقطعة النظير، أبرزها مشاركتهم في معركة وادي اللبن سنة 1558 إلى جانب السعديين، حيث واجهوا العثمانيين انتقاما لما عانوه، واعترافا بجميل السعديين الذين وهبوهم أراضي في أعالي فاس كمكافأة على خدماتهم.
مواقف بطولية خالدة
• معركة وادي اللبن (1558): كانت هذه المعركة علامة فارقة في تاريخ قبائل الحياينة، حيث ساهموا في تحقيق النصر إلى جانب الدولة السعدية.. هذا الموقف أكد شجاعتهم وإخلاصهم، وأثبتوا أنهم لا ينسون الجميل.
• دفاعا عن فاس (1912): عندما اجتاحت القوات الفرنسية المغرب، وقفت قبائل الحياينة سدا منيعا، حيث طوقوا مدينة فاس بقيادة الشريف الحجامي من باب الفتوح إلى الگيسا، وفي مشهد مؤثر، خاطبهم الوزير المقري من صومعة تطل على فرسانهم قائلا: “قال ليكم سيدنا: الحياينة العفة من رجال تكون، من يغلب يعف، اطلبوا تستعطاو”.
رغم الاتهامات الباطلة التي وجهت لهم، والتي زعمت أنهم يريدون الإطاحة بالسلطان مولاي عبد الحفيظ، إلا أن التاريخ أنصفهم وأثبت ولاءهم الراسخ للملوك الشرفاء.
• تصديهم للهبري: عندما حاول الهبري المدعوم من فرنسا الإطاحة بالملك الحسن الأول، وقفت قبائل الحياينة في وجهه ببسالة، ونجحوا في إعادته مقيدا إلى السلطان.
• معركة “بوصفحة” تطوان (1860): أظهر الحياينة مرة أخرى شجاعتهم في التصدي للغزو الإسباني، حيث قدموا أرواحهم دفاعا عن مدينة تطوان.
• مقبرتا الشهداء في فاس: ما زالت مقبرتا “باب السيفر” و”عين نقبي” شاهدتين على تضحيات الحياينة خلال معركة الدفاع عن فاس عام 1912، حيث استشهد عدد كبير من فرسانهم في مواجهة المستعمر الفرنسي.
ولاء للعرش العلوي المجيد
لطالما أظهر الحياينة وفاء كبيرا للعرش العلوي، وقد ارتبطوا تاريخيا بحضور المولى الحسن الأول إلى تيسة لحضور جلسات الفروسية، وما زال مكان جلوسه معروفا بـ”المحلة”.
اليوم، ينتظر الحياينة بفخر الطلعة الميمونة لملكهم لتدشين السد الجديد ومشاريع تنموية أخرى، تعبيرا عن استمرار ولائهم وتعلقهم بالعرش العلوي المجيد.
رد الاعتبار للمجاهدين الأبطال
هذا المقال دعوة مفتوحة لإعادة الاعتبار لمجاهدينا الأبطال من قبائل الحياينة، الذين وهبوا حياتهم لله وللوطن والعرش.. لقد دفعوا أثمانا غالية من دمائهم ليظل المغرب حرا شامخا.
كما أن ممارسة التبوريدة التي تشتهر بها القبيلة اليوم، ليست مجرد احتفال، بل هي رمز خالد لتاريخهم الجهادي وتضحياتهم البطولية.
إن قبائل الحياينة ليست مجرد صفحة في تاريخ المغرب، بل هي فصل مشرق يحكي عن الجهاد والتضحية والولاء، نتمنى أن يكون هذا المقال وسيلة لإحياء ذكراهم وإيصال رسالتهم للأجيال القادمة.. “اللهم ارحم شهداءنا واجعل ما قدموه في ميزان حسناتهم، وارزقنا السير على دربهم”.