الرأي

الرأي | تعددت الرؤوس والجسد واحد.. يا هلا بالناير

بقلم: بوشعيب حمراوي

    مهما تعددت واختلفت أسماء وهويات الشهور والسنوات في المغرب، بين الهجري والميلادي والأمازيغي.. فإنها تبقى شهورا وسنوات ذات حمولات تاريخية أو دينية أو دنيوية، إما بصمت في مراحل مختلفة من تاريخ المغرب والعالم، وغيبت بفعل تخلف روادها، أو فرضتها الحياة المعاصرة، باعتبار ألا بديل لها حاليا.. هي شهور وسنوات لن تغير من واقع ما يعيشه ويتعايش معه المواطن المغربي، الذي يؤمن بالتعددية الفكرية والعقائدية والقبلية، ولن تزيد الشعب المغربي إلا نضجا وسموا، فما تفرضه الدقائق والساعات والأيام المتعاقبة، يفرض الاهتمام بالتنمية البشرية بكل تجلياتها بعيدا عن تفاصيل الهويات الموروثة، لأن قوة وعظمة ما يجمعنا تفرض أولويات الالتفاف والتشبث بالهوية المغربية، كما تفرض الحرص الدائم على احترام الخصوصيات والمكونات الموروثة..

فلا بأس إذن، من التذكير بحتمية الاحتفاء الرسمي برؤوس السنة الثلاثة (الميلادية، الهجرية، الأمازيغية)، ولا بأس من التأكيد على احترام تقاليد وطقوس المحتفين ومشاركتهم الأفراح والمسرات في حدود الممكن والمباح، عوض الخوض في تفاهات التضييق والتنقيص والتنديد المجاني.

نهنئ اليوم المغاربة قاطبة، والأمازيغ خصوصا، برأس السنة الأمازيغية الجديدة (2974)، الذي صادف يوم الثلاثاء 14 يناير 2025، كما سبق وهنئنا المغاربة برأس السنة الميلادية الذي حل يوم فاتح يناير 2025، وسبق وهنئنا المغاربة برأس السنة الهجرية الذي حل يوم فاتح محرم 1446، وإذا كان رأسا السنة الميلادية والسنة الأمازيغية، ثابتان في موعدهما الشتوي البارد، فإن رأس السنة الهجرية يتجول بين فصول السنة الأربعة.

تتمة المقال تحت الإعلان

 إذن، يا هلا بالناير، المنير برواده، والذي تقرر الاحتفاء به رسميا كل يوم 14 يناير من كل سنة، وجعله عطلة لتمكين المغاربة من الاحتفاء به، وهذا لن يزيد المغاربة إلا التحاما وفخرا.

تعددت الرؤوس والجسد واحد، بل إن كل التعددية الموروثة انصهرت في بعضها البعض، وأفرزت هوية مغربية واحدة، وبات الكل يثابر ويبدع من أجل نهضة المواطن المغربي.

علينا أن نقر بهيمنة السنة الميلادية، وأن السبب يعود إلى الانحطاط الذي أسدى بضلاله على الشعوب العربية، وألقى بها خارج تغطية التنمية والتطور، واستعصى على المغاربة والعرب اعتماد السنة الهجرية وشهورها في تدبير شؤونهم الإدارية والاقتصادية والسياسية والثقافية، فبعدما باتوا لا يقيمون لسنواتهم الهجرية وزنا، ولا يحيطونها بأي احترام أو تقدير، كان لا بد من أن تفرض عليهم التبعية للسادة والأسياد الجدد.. والقبول بالاستعمار الفكري وكل ما يبدعه الغرب، والتقيد بأزمنتهم ومواقيتهم، وطبعا العمل بشهورهم وسنواتهم الميلادية في كل تدابيرها الإدارية.

تتمة المقال تحت الإعلان

بالتاريخ الهجري تقضى العبادات والطقوس الدينية فقط: نصوم ونفطر ونزكي ونحج ونحتفي بالأعياد الدينية.

وبالتاريخ الميلادي تقضى حوائج الدنيا: تحدد مواعيد الأيام الوطنية والعالمية التي تحتفي بالحرية والمرأة والطفل والأم وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرها. بالتاريخ الميلادي تعد الحامل أيام وشهور الجنين داخل رحمها، وتحصي الأرملة أيام عدتها، وتنظم البرامج الدراسية ومواقيت الامتحانات والعطل المدرسية، ويحصي الموظف والأجير راتبه وتقاعده ومعاشه.

لن نغوص في نقاش ديني أو عرقي، ولن نخوض في جدال عقيم حول أمور تتعلق بحقب زمنية لا نعلم عنها إلا ما نقل لنا عن طريق مؤرخين وكتب ومخطوطات قد تصيب وقد تخيب.

تتمة المقال تحت الإعلان

وبعيدا عما قد ينتاب البعض من تعصب مفرط وغيرة عمياء على أمور هامشية لا دور لها ولا أهمية في قيمة ومكانة العقائد والعبادات الخاصة بالفرد والجماعات، لا بد أن نرصد بصدق وأمانة قيمة وأهمية السنة الميلادية في الحياة اليومية للمغاربة بكل تجلياتها، وأن ندرك حق الإدراك أنه من العدل والإنصاف أن يتم رد الجميل وتقديم الشكر الجزيل والاحتفاء برأس كل سنة ميلادية، وتكريم شهورها.. احتفاء بعيد عن أية طقوس دينية أو عرقية أو حتى عرفية.

وليس من الضروري الحديث عن ميلاد المسيح ولا عن أية أمور مرتبطة بالعبادات، ولكنه احتفاء بطعم الاعتراف بالجميل الذي قدمته وتقدمه تلك السنوات الميلادية للمغاربة، وغيرهم ممن باتوا يعتمدونها في كل مناحي الحياة.

كيف لمغربي يدبر حياته باعتماد السنة الميلادية، ولادته مؤرخة بتاريخ ميلادي، وسنوات الدراسة والعمل والتنقل والتغذية والنوم وكل مواعيده تسجل بتواريخ ميلادية.. ألا يحتفي برأس السنة الميلادية؟ وكيف لهذا المغربي ألا يحتفي ويكرم السنوات الميلادية وهو مضطر لتأريخ حصيلة عمله وترفيهه وكل حركاته وسكناته وحتى عباداته أحيانا، باعتماد أيام وشهور السنة الميلادية، ومضطر أن يخضع للمواقيت والمواعيد الدولية، إلى درجة أن الحكومة المغربية باتت تتدخل كل مرة من أجل إضافة أو نقص ساعة من التوقيت المغربي للتلاؤم مع المواقيت الدولية وحركية أنشطتها الاقتصادية، بل إن قبور المسلمين تحمل في واجهاتها مواقيت وفاتهم بالأيام والشهور والسنوات الميلادية.

تتمة المقال تحت الإعلان

قبل التنديد كلما اقترب رأس سنة ميلادية والمطالبة بعدم الاحتفاء به، بذرائع واهية.. كان على هؤلاء العمل على عدم السماح بأن تطأ السنة الميلادية رجليها بلدانهم، وعدم السماح لها بالاستحواذ على كل مناحي حيواتهم، وأن ينكبوا على تغييرها بالسنة الهجرية ولو أنني واثق من أن معظم هؤلاء لا يحفظون حتى أسماء الشهور الهجرية، فلا يعقل أن تكون السنة الميلادية حلال ورأسها حرام ؟

لا أحد مع احتفالات الهبل والخبث والتي تجعل المغاربة ينتحلون صفات وشخصيات دخيلة عن دينهم وتراثهم وثقافتهم، ولا أحد مع احتفالات السكر والمجون والخلاعة المرفوضة حتى من رواد “الأب نويل”.. لكن بالمقابل لا يعقل أن تنتهي السنة الميلادية بدون الخوض في ما جرى وصار على طول شهورها الـ 12، ولا أحد يحصر الاحتفاء في الطرب والغناء والترفيه، لأن مظاهر الاحتفاء كثيرة ومتنوعة، لا تستثني جرد الحصائل وتقييم المشاريع والمبادرات وتكريم النجوم والمبدعين والمخترعين، ولن تمر دون الاستفادة من حلوها ومرها، واسترجاع من أجل الدخول في سنة ميلادية جديدة..

فهل أنتم قادرون على العمل بالأيام والشهور الهجرية والأمازيغية في كل مناحي حياتكم؟ إن استطعتم آنذاك يمكنكم التخلي عن السنة الميلادية وتهميشها.

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى