الرأي

الرأي | في الحاجة إلى راصد مغربي للرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي

بقلم: عبده حقي

 

    شهد المغرب في السنوات الأخيرة ارتفاعا غير مسبوق في استخدام منصات التواصل الاجتماعي، وخاصة بين الفئة العمرية الشبابية، وفي حين عززت هذه الثورة الرقمية التواصل والإبداع، فقد كشفت أيضا عن جانب أكثر قتامة: انتشار المحتوى غير الأخلاقي والمدمر اجتماعيا، وهذا بات يدعو الواقع الافتراضي المثير للقلق، والذي يتجلى بشكل خاص على منصات مثل “تيك توك”، إلى الاهتمام الفوري والتدخل الاستراتيجي للحفاظ على النسيج الأخلاقي والثقافي للمجتمع المغربي.

تتمة المقال تحت الإعلان

تدور هذه الظاهرة حول المؤثرين الذين يستغلون على الأنترنيت لنشر محتوى مشكوك فيه أخلاقيا، ويشمل ذلك البث المباشر للأفعال الجنسية والرقصات الاستفزازية المصممة لجذب المشاهدين وتوليد الإيرادات، لا تقوض مثل هذه الممارسات القيم المجتمعية فحسب، بل تشكل أيضا تهديدا مباشرا لقدسية الأسرة، التي تظل حجر الزاوية في الثقافة المغربية، وقد أثار السعي الوقح لتحقيق مكاسب مالية على حساب النزاهة الأخلاقية، مخاوف بين المواطنين والفقهاء والسلطات القانونية والأمنية على حد سواء.

فلا شك أن الدافع الأساسي وراء مثل هذا المحتوى مرتبط بآليات تحقيق الدخل والعائدات من منصات التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال، يحفز “التيك توك” معدلات المشاركة العالية، مما يدفع “المبدعين” غالبا إلى اللجوء لمحتوى مثير للجدل لجذب الانتباه، وهذا يخلق حلقة مفرغة خطيرة حيث يجلب سلوك المؤثرين الذي يتجاوز الحدود، الشهرة والمكافأة المالية، مما يشجع الآخرين على اتباع نفس الطريق، ونتيجة لذلك، تصبح المنصة أرضا خصبة للمحتوى الذي يتحدى المعايير المجتمعية ويؤدي إلى تآكل القيم الثقافية والأخلاقية.

إن التاريخ الغني للمغرب والأسس الأخلاقية القوية، تتناقض بشكل صارخ مع هذه التطورات المتدنية، وتقليديا، تميز المجتمع المغربي بتمسكه بالمبادئ الإسلامية والروابط الأسرية والشعور بالمسؤولية المجتمعية، ومع ذلك، تهدد الاتجاهات الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي بتردي هذه القيم، وخاصة بين الشباب القابل للتأثر، حيث يؤدي التعرض لهذه المحتويات إلى تطبيع السلوكيات التي كانت تعتبر غير مقبولة ذات يوم، مما يؤدي إلى تحول تدريجي في المواقف المجتمعية.

تتمة المقال تحت الإعلان

إن أحد أكثر جوانب هذه القضية إثارة للقلق، هو التأثير المحتمل على المدى الطويل على الجيل الأصغر سنا، فالمراهقون والشباب، ذكورا وإناثا، الذين هم من بين المستخدمين الأكثر نشاطا لمنصات مثل “تيك توك”، معرضون بشكل خاص لتأثير مثل هذا المحتوى، لأن تعرضهم للمواد الصريحة لا يشوه فهمهم للعلاقات والأخلاق فحسب، بل يعزز أيضا ثقافة السطحية والإشباع الفوري، وهذا يقوض جهود الأسر والمؤسسات التعليمية لغرس المبادئ الأخلاقية ومهارات التفكير النقدي.

وعلاوة على ذلك، فإن الانتشار غير المنضبط للخطاب الإلحادي والمعادي للدين الإسلامي على وسائل التواصل الاجتماعي، يزيد من تفاقم الأزمة الأخلاقية، وفي حين كان المغرب دائما معقلا للتسامح الديني والتنوع الفكري، فإن الاستفزازات المتعمدة والاستهزاء بالمعتقدات الدينية على المنصات العامة يشكل تحديا كبيرا للتماسك الاجتماعي، وبالتالي، فالترويج للإلحاد والإيديولوجيات المثيرة للجدل الأخرى، غالبا تحت ستار حرية التعبير، يهدد بتعزيز الانقسام والطائفية.

لذلك، لابد من تعزيز الفصول القانونية والتنظيمية التي تحكم وسائل التواصل الاجتماعي في المغرب لمواجهة هذه التحديات بفعالية، ورغم أن حرية التعبير حق أساسي، إلا أنها لا ينبغي أن تأتي على حساب الآداب العامة وروابط المجتمع، ويتطلب إيجاد التوازن بين الحريات الفردية والمسؤولية الجماعية، إنشاء آلية إشراف أخلاقية قوية، ويمكن أن يتخذ هذا شكل مرصد مغربي مخصص لمراقبة محتوى وسائل التواصل الاجتماعي وتحديد الانحرافات عن المعايير المقبولة.

تتمة المقال تحت الإعلان

ومن شأن مثل هذا الراصد أن يخدم أغراضا متعددة.. أولا، يمكن أن يعمل كمراقب، يحدد المحتوى الذي ينتهك المعايير الأخلاقية أو الأحكام القانونية ويبلغ عنه. ثانيا، يمكن أن يتعاون مع منصات التواصل الاجتماعي لضمان الامتثال للقوانين المحلية والحساسيات الثقافية. وثالثا، يمكن أن يشارك في حملات التوعية العامة لتثقيف المستخدمين حول العواقب المحتملة لمشاركة أو استهلاك المحتوى الضار، ومن خلال تعزيز ثقافة المسؤولية الرقمية، يمكن للمرصد أن يساعد في التخفيف من الأثار السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي على المجتمع المغربي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن إشراك الأطر التعليمية والوعاظ الدينيين والأئمة والمجتمع المدني في معالجة هذه القضية، أمر بالغ الأهمية، فدور هؤلاء في تعزيز السلوك والقيم الأخلاقية لا التغافل عنه، ومن خلال الاستفادة من نفوذهم وسلطتهم، يمكن المساعدة في مواجهة الاتجاهات السلبية على وسائل التواصل الاجتماعي وتوجيه الأفراد نحو استخدامات أكثر بناء للمنصات الرقمية.

كما تلعب المبادرات التعليمية دورا محوريا في هذا الصدد، فدمج محو الأمية الرقمية والتعليم الأخلاقي في المناهج المدرسية، يمكن أن يزود الشباب بالأدوات التي يحتاجونها للإبحار في العالم الإلكتروني بمسؤولية، فتعليم التلاميذ والطلاب كيفية تقييم المحتوى الذي يواجهونه عبر الأنترنيت بشكل نقدي وفهم أثار بصمتهم الرقمية، أمر ضروري في تعزيز جيل من المستخدمين الواعين والمستنيرين.

تتمة المقال تحت الإعلان

إن مسؤولية معالجة هذه القضية لا تقع على عاتق الحكومة أو السلطات التنظيمية فقط، بل يجب على الآباء والمعلمين ومنظمات المجتمع المدني أيضا أن يلعبوا دورا نشطا في مكافحة انتشار المحتوى غير الأخلاقي على وسائل التواصل الاجتماعي، ويمكن أن يساعد التواصل المفتوح بين الآباء والأطفال حول مخاطر المنصات عبر الأنترنيت، إلى جانب الترويج للنماذج الإيجابية، في موازنة التأثيرات السلبية السائدة على هذه المنصات.

وبالتالي، يشكل إنشاء مرصد مغربي لرصد ومعالجة هذه الانحرافات، خطوة حاسمة نحو حماية النزاهة الأخلاقية للمجتمع في العصر الرقمي، ومن خلال اتخاذ تدابير استباقية الآن، يمكن للمغرب ضمان الحفاظ على تراثه الثقافي الغني وقيمه الأخلاقية للأجيال القادمة.

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى