الرأي | أي مستقبل ينتظر سوريا بعد سقوط الأسد ؟
الشعب السوري شعب متعلم نقي تقي، حيث أنجبت هذه الدولة الشقيقة كبار مفكري وعلماء الأمة وخيرة الأدباء والمثقفين والكتاب في كل المجالات، ولا أظن نهاية حكم آل الأسد الطغاة إلا فاتحة خير على الشعب الشامي الأبي، وقد بارك رسول الله صلى الله عليه وسلم تربة الشام وتحدث عما سيحدث فيها من ملاحم ترد الاعتبار لكل مسلم، كما لا ننسى أن وحدة الشعب اليوم هي غاية كل الأطراف، سواء بداخل سوريا أو بخارجها، ونحن المغاربة ندعو الله أن يجمع شملهم ويوحد كلمتهم، ليس فقط وزراء خارجية بعض الدول العربية والأمم المتحدة، بل كل الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم مع وحدة سوريا بانتقال سلمي للسلطة وبانتخابات رئاسية حرة ونزيهة.
في فجر الثامن دجنبر 2024، فُتحت العاصمة دمشق، وقد كانت مدة الفتوحات للتراب السوري لا تتجاوز إحدى عشر يوما، حيث انتصرت المعارضة السورية وسقط الأسد، ليتم إنشاء حكومة انتقالية، فهل ستكون سوريا، بكل هذه الأحداث، نهاية للتفرقة؟ هل ستتمكن المعارضة من لم الشمل لأجل وحدة وطنية شاملة ؟
فالشعب السوري الشامي متنوع عرقيا وقوميا، يصنف أساسا أنه من الشعوب السامية، وغالبيته من العرب، إلى جانب وجود أكراد وأرمن وسريان بنسب متباينة، ويعد الكنعانيون أحد أوائل الشعوب السامية التي يجمع المؤرخون على وجودهم في منطقة الشام، فهم أول شعب من الشعوب المعروفة تاريخيا ممن جاءوا من الجزيرة العربية إلى بلاد الشام وسكنوا فيها، كما أنهم أول من أقام وبنى حضارة على أرض فلسطين كذلك.
يتشكل المجتمع السوري إذن، من عدة طوائف عاشت على مدار القرون الماضية حالة من الود والوئام، وتنتمي هذه المجموعات إلى ديانات وعرقيات مختلفة، ساهم كل منها في بناء حضارة بلاد الشام، فتجد السنة منذ عهد عمر بن الخطاب والعهد الأموي، أما في العصر العباسي، كما يؤكد الباحثون، فقد أخذت الطوائف الأخرى (العلوية، الدروز، الإسماعيليون) تظهر وتتمركز في سوريا، أما بالنسبة للشيعة، فتعود جذور التشيع في سوريا إلى القرن الأول الهجري منذ الفتنة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، ولكنه أخذ في الانتشار في القرن الرابع الهجري مع ظهور الدولة الحمدانية في حلب، ومن ثم الدولة الفاطمية التي حاولت نشر التشيع في سوريا، خصوصا في دمشق، والعرب هم أكبر مكونات الشعب السوري، ويشكلون أكثر من 80 % من مجموع السكان، ويرجع تاريخهم إلى ما قبل الإسلام على شكل قبائل، وتعد العربية هي اللغة الرسمية للدولة، ويتحدث بها السوريون باللهجة السورية التي تدخل فيها بعض المفردات غير العربية، وقد خرج من سوريا الكثير من الأدباء والشعراء واللغويين العرب، وتأسس في دمشق أول مجمع للغة العربية في العالم.
أما عن اليهود، فيرجع وجودهم في سوريا، حسب المؤرخين، إلى العصور القديمة، إذ تذكر بعض الروايات التوراتية وجود اليهود منذ عهد النبي داوود عليه السلام، ثم ازداد عددهم في القرن السادس عشر نتيجة طردهم من الأندلس من قبل النصارى، وأكبر التجمعات التاريخية لليهود هي دمشق وحلب والقامشلي، وبشكل أصغر في نصيبين واللاذقية، كما يوجد الدروز واليزيديون والمسيحيون والأكراد والتركمان والشركس والأرمن والآشوريون..
هذه الفسيفساء البشرية أعطت لسوريا المكانة التاريخية، بحيث حظيت بأهمية كبيرة طوال تاريخها العريق، فالكل يشهد على أنها كانت شاهدة على العديد من الحضارات، مثل: الحضارة البابلية، والآشورية، والمصرية، والرومانية، واليونانية.
كما كان لموقع البلاد دور مهم في كونها أرض لقاء، وانفتاح، وخزانا بشريا لمناطق الشرق، فسوريا تعد بلدا مزدهرا ومتطورا باحتضانها خيرات وفيرة، ففي أرضها يوجد النفط، والفوسفاط، والحديد الخام، والرخام، والخضر والفواكه، وتنتشر فيها صناعة المنسوجات، والألبسة، والحبوب.
أما تاريخيا، فقد نالت سوريا استقلالها في 17 أبريل 1946، بعد تخلصها من الانتداب الفرنسي، وها هي الأرض الشامية المباركة تتخلص من نظام الأسد، واليوم يعبر الكثير من الزعماء العرب عن استعداد بلدانهم للتعاون مع السلطات الجديدة في سوريا، ومواصلة “التشاور والتنسيق” معها، متمنين منها الحفاظ على وحدة أراضي سوريا، وسلامتها واستقرارها، والاستجابة لتطلعات شعبها.