الرأي | ماذا لو طبقت الاتفاقية الخاصة بقطاع غزة وأريحا بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل ؟
إن الحرب التي اندلعت في غزة ولا زالت تتسبب في قتل الأبرياء وإبادة شعب الفلسطيني وتدمير كل ما هو على سطح أرضها، حتى غدت غزة روضة للشهداء الذين ذهبوا ضحية حرب الإبادة على يد الاحتلال الصهيوني، ومن عمق الإيمان بالله نردد قوله تعالى: ((ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما أتاهم الله من فضله..)) (سورة آل عمران)، بهذه الآية يخبر الله تعالى الشهداء بأنهم وإن قتلوا في هذه الديار فإن أرواحهم حية مرزوقة في دار القرار، وقال المفسرون: هذه الأرواح التي أزهقت في سبيل الله هي عند ربها ترزق، كما في الحديث الصحيح: إن الله عوضهم عن أجسادهم طيورا تحمل أرواحهم إلى الجنة، تسرح في ثمارها وأشجارها، ثم تأوي إلى قناديل تحت العرش معلقة، حتى ترجع إلى أجسادها، فليبشر أهل الإيمان، أهل الشهادة، وليصبروا وليحتسبوا، فإنما هي مدة يسيرة وتنتهي، ثم يجتمع أهل الإيمان في دار الكرامة، ويساق أهل الكفر والعدوان إلى دار الهوان، دار الجحيم بما كسبت أيديهم، وري عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث شريف مطابق في معناه ومبناه ما سبق ذكره: إن أرواحه الشهداء وهم في الفردوس خالدون يتابعون كارثة هذه الحرب، التي عجز العالم عن التدخل لوقف رحاها، وعقاب المسؤول عن اندلاع نيرانها، وسيجبر على تعويض الضحايا وذوي الحقوق، وإعادة تعمير البلاد وعودة اللاجئين لديارهم، في هذا السياق، كان لا بد من طرح عدة أسئلة لأنه سبق إبرام اتفاق بين حكومة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها ممثلة للشعب الفلسطيني، عرفت باسم “الاتفاقية الخاصة بقطاع غزة ومنطقة أريحا” أبرمت بتاريخ 4 ماي 1994، واستندت تلك الاتفاقية على الوثيقة المضافة إلى تقرير الأمين العام لاتحاد المحامين العرب، المنعقد بتونس يوم 1994.5.28 بمناسبة انعقاد دورة المكتب الدائم، ونعتقد أنه لو طبقت هذه الاتفاقية لكان من الممكن تفادي هذه الحرب المروعة، لأن الاتفاقية عالجت بتفصيل ما يلي: الإشارة إلى قرارات مجلس الأمن ومنها القراران رقم 232 و338، اللذين ينصان على “تتميم عمليات السلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، ثم التعريف وتحديد قطاع غزة ومنطقة أريحا، وانسحاب إسرائيل سريعا من غزة وأريحا، ثم تحديد الطرق والمسالك التي يمكن أن تستخدمها إسرائيل، ومسطرة نقل السلطة، وتنظيم اختصاصات السلطة التشريعية الفلسطينية، وترتيب الأمن والنظام، وتولي الإدارة الفلسطينية تسيير قوة الشرطة، وبيان العلاقات التي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، واحترام حقوق الإنسان، ومسطرة التعاون مع الأردن ومصر، والاتفاق على منع الأعمال الحربية، وتجنب الإرهاب، وحل مشكلة المفقودين، سواء كانوا فلسطينيين أو إسرائيليين، ودعم الثقة بين الطرفين، وكيفية التعامل مع ما سمي بالوجود الدولي، ثم بيان الحقوق والمسؤوليات بالنسبة لكل طرف، وأخيرا الشروط النهائية”، وجاء في ختام الاتفاقية أنه “يظل قطاع غزة ومنطقة أريحا جزء لا يتجزأ من الضفة الغربية وقطاع غزة، وأن وضعها ينبغي ألا يتغير خلال فترة هذه الاتفاقية، ولا يوجد في هذه الاتفاقية ما يغير هذا الوضع، وتشكل المقدمة وكافة الملاحق والمرفقات والخرائط المرفقة هنا جزء لا يتجزأ من الاتفاقية”، وهذه الاتفاقية وقعت في القاهرة بتاريخ 4 ماي 1994، وأسئلة أخرى: لماذا لم تقع الإشارة إلى هذه الاتفاقية خلال اندلاع الحرب؟ لماذا لم تتمسك دولة فلسطين بتطبيق هذه الاتفاقية لوقف موجة الاعتداءات على غزة؟ لماذا لم تطرح للنقاش في الاجتماعات التي تعقد في قطر، وكان التركيز فقط على طلب هدنة لبضعة أيام وسكان غزة يعانون من كارثة لم يسبق لها مثيل، وحرموا من الحصول على المساعدات الإنسانية لإنقاذهم من شر المجاعة والأمراض الفتاكة؟ لماذا وزير الخارجية الأمريكية لم يحتج بهذه الاتفاقية ويذكر كل طرف بالمسؤوليات التي التزم بها؟ هل ألغيت أو تم فسخ هذه الاتفاقية؟ وبما أن الاتفاقيات الدولية تسجل في سجلات هيأة الأمم المتحدة، هل سجل إبرامها وسجل فسخها ؟
إن المادة الثانية عشر من إعلان المبادئ بين الطرفين، دولة فلسطين وإسرائيل، تنص على أنه ((يجب على الطرفين دعوة حكومة الأردن ومصر إلى إقامة ترتيبات اتصال وتعاون بين حكومة إسرائيل وممثلي الفلسطينيين))، فلماذا لا يشارك الوفد الأردني والوفد المصري في الاجتماعات التي تعقد في قطر مع أن الاتفاقية وقعت في القاهرة ؟
إن إسرائيل خرقت بنود هذه الاتفاقية لأنها التزمت بالانسحاب سريعا من قطاع غزة ومن قطاع أريحا على أن يبدأ ذلك فور توقيع الاتفاقية، سواء الانتهاء منه في غضون ثلاثة أسابيع من ذلك التاريخ، أي تاريخ توقيع الاتفاقية، ويستفاد مما ذكر، أن إسرائيل لا تحترم ولا تطبق أي معاهدة أو أي اتفاق، بما في ذلك “اتفاق أوسلو”، ولا توجد قوة الردع لتنفيذ أي اتفاق، والمنطقة كانت ولازالت وستبقى مسرحا لأحداث جسام لأسباب لا تخفى، وأشار إليها وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر في مذكراته.