الرأي

الرأي | كيف جعل إبراهيم ناجي “أزهار الشر” أزهار خير.. (2)

بقلم: نور الدين الرياحي

    كان الأستاذ العلمي أثناء دخوله يشمئز من منظر كلب الأستاذ روباجليا بنظرة وابتسامة ساخرة وكأنه يقول لا حول ولا قوة إلا بالله.. أهي ثانوية أم مربض للكلاب؟ كما أنه لم يتكلم إلا باللغة العربية الفصحى وكان يمنع الدارجة، مما كان يلزمنا الذهاب مباشرة بعد الخروج إلى ركوب الحافلة رقم 5، التي كانت أنيقة أناقة عائلات سكان الأحباس من طالبات وطلاب أنيقي المظهر والتربية، حيث نبقى ساعات طوال القرفصاء نبحث عن عناوين الكتب التي شهدت تلك المحاورات الجميلة بين العقاد وطه حسين واتباعهما في مكتبات دار الثقافة وغيرها من المكتبات، حتى يضيق بنا ذرعا تجارها فيرغموننا على الشراء أو مغادرة رفوفها التي بعثرنا كتبها..

لكننا لم نكن ندري ما سبب تقويسة حاجب أستاذ اللغة العربية وهو يتساءل عندما نسأله عن الكلام عن شارل بودلير، فيجيبنا بلهجة صارمة: وما بالكم بهذا الشاعر الصعلوك؟ من دلكم عليه؟ فنجيبه بكل براءة: إنه أستاذ الآداب الفرنسية الذي حدثنا عنه؟ فيرد مستغربا: هههه الأستاذ روباجليا، هل يظن أنكم في باريس أو السوربون؟ ولكن وما العيب في ذلك يا أستاذ؟ العيب هو أن مثل هؤلاء الفجار من الشعراء لا يجب الاطلاع على أشعارهم في هذه السن المبكرة، أنصحكم بقراءة فيكتور هوغو ولامارتين وتولستوي وغوته وغيرهم، أما عندما نريد استفزازه، فنقول له: أو لم يتكلم العقاد (وهو نقطة ضعفه) عن بودلير؟ فيقول: وهل للعقاد وقت ليتكلم عن مثل هؤلاء الصعاليك، لقد تركهم لأمثال طه حسين وقرينته سوزان، فهم من أبناء عمومتها.

بهذه السخرية الجميلة كان يدفعنا الأستاذ العلمي لاستقصاء البحث عن بودلير، الذي وجدت شاعرا رقيقا مثل إبراهيم ناجي يخصص له دراسة خاصة، بل وترجمة لأشعاره، ووجدت قانونيين كبار أمثال النقيب السويسري مارك بونان، يرافع ضده في محاكمة أدبية وفرها “اليوتيوب” في القرن 21، يترأس هيئتها الافتراضية نقباء ومحامون ويقوم هو بدور الاتهام ويقوم محامي آخر بدور الدفاع، وتمنيت وأنا أستمع لمرافعة نقيب سويسرا، الزميل مارك بونان، أن يكون قد قرأ ما كتب إبراهيم ناجي من نثر حول هذا الشاعر المثير للجدل لعله يكون أقل قسوة في اتهاماته، التي أعانته فصاحته وتمكنه من لغة موليير من أن يستولي على هيئة المحكمة وعلى المحامين المتمرنين والرسميين الذين كانت تعج بهم قاعة المحاكمة الافتراضية.

تتمة المقال تحت الإعلان

وأذكر أنه بمجرد التحاقي بمهنة المحاماة، كاتبت بواسطة كتاب رسمي، نقابة هيئة المحامين بالدار البيضاء، بعد بناء تلك القاعة الفسيحة بمركب المحامين ببوسكورة، لأن تكون مسرحا لمثل هذه المحاكمات القانونية والأدبية والفلسفية الافتراضية يستدعى لها كبار المترافعين والأدباء والمفكرين، وتكون دروسا عملية للمحامين والقضاة المتمرنين، وللطلبة بصفة عامة، كنوع من الإشعاع الفكري والأدبي ما أحوج ثقافتنا المعاصرة إليه أسوة بما يقع في الغرب، وأتمنى صادقا أن تعيد نقابتنا الحالية النظر في طلبي وقد وعدني النقيب الحالي الأستاذ محمد حيسي بذلك مستقبلا إن شاء الله، وهي أمنية أتمنى تحقيقها في عهد هذا المكتب.

وقد برر إبراهيم ناجي الكتابة عن سيرة بودلير 1829-1867 وقصة حياته وفنه بما يلي: “هذه سيرة بودلير، وسيجد كثير من المعاصرين أنه يوافقهم، وسيحبونه ويقرأون له، والسبب في ذلك أنه إنسان شقي، وهذه الإنسانية الشقية بلا رياء ولا نفاق، وهو قد وصف الضجر الذي نعانيه اليوم أصدق الوصف وأوفاه، وهو قد وصف عصرنا الحاضر بأخطائه وآثامه، مع البقية الباقية من تعاليم الديانات، ومع عبث المجهودات المبذولة في الحث على الفضيلة وإقامة صرحها من جديد.

 

تتمة المقال تحت الإعلان

يتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى