الرأي

رأي | انتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تندوف

بقلم: عبده حقي

    كانت مخيمات اللاجئين بتندوف جنوب غرب الجزائر منذ عقود طويلة بمثابة بؤرة اهتمام دولية، ليس فقط بسبب أهميتها الجيوسياسية في نزاع الصحراء، بل أيضا بسبب حقائق مقلقة حول انتهاكات حقوق الإنسان هناك، حيث تدير جبهة البوليساريو بدعم من سلطات الجزائر هذه المخيمات، التي تأوي عشرات الآلاف من اللاجئين الصحراويين الذين فروا من الصراع المفتعل في الصحراء.

فهذه المخيمات مطوقة بأسوار من القيود المفروضة لمنع المراقبة، الأمر الذي يسمح بتوفير الظروف الملائمة لانتهاكات حقوق الإنسان الأساسية، وترسم التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية، ووسائل الإعلام، ونشطاء حقوق الإنسان، صورة قاتمة للحياة داخل المخيمات، مما يثير أسئلة قلقة وملحة حول تكريس آليات المساءلة والرقابة ودور المجتمع الدولي.

كانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في طليعة من قاموا بتوثيق التحديات التي يواجهها سكان تندوف، وقد ألقى تقرير صدر عام 2008 بعنوان: “حقوق الإنسان في مخيمات اللاجئين في تندوف” الضوء على القضايا الساخنة داخل المخيمات، وفي حين سمحت الجبهة ببعض الانتقادات فيما يتعلق بإدارة المخيم، فإن المعارضة ضد سلطة الجبهة والجزائر بشكل غير مباشر، قوبلت بعواقب وخيمة، وكثيرا ما واجه الأشخاص الذين انتقدوا القيادة علنا التهميش الاجتماعي، وفقدان القدرة على الولوج إلى الخدمات الأساسية، وفي بعض الحالات، الاعتقال التعسفي، كما أكد التقرير على الوضع الهش لسكان المخيمات، الذين يعانون من الحصار والعزلة الجغرافية والسياسية، ولا يقتصر هذا الحصار على تقييد حريتهم في الحركة فحسب، بل يجعلهم أيضا عرضة للاستغلال والإساءة والعبودية.

تتمة المقال تحت الإعلان

وبحلول عام 2014، أعادت “هيومن رايتس ووتش” النظر في ذاك الوضع القهري، من خلال تقرير لاحق بعنوان: “خارج الرادار: حقوق الإنسان في مخيمات اللاجئين بتندوف”، كشف عن تحسن متواضع، مثل الانفتاح بشكل أكبر على بعض انتقادات المعارضين، لكنه خلص إلى أن القضايا الأساسية ظلت دائما لنصف قرن من دون حلول، وكان من بين هذه المخاوف غياب مرصد قوي ومنتظم لحقوق الإنسان، وفي غياب الرقابة الدولية الخارجية، تظل احتمالات الانتهاكات قائمة، ويفتقر الضحايا إلى الآليات اللازمة لطلب تحقيق العدالة.

إن الافتقار إلى الشفافية في المخيمات يخلق بيئة يمكن أن تحدث فيها الانتهاكات دون رادع، مما يؤدي إلى تكريس دائرة من الخوف والصمت الدائم والقهري.

وتتجاوز المخاوف بشأن حقوق الإنسان في تندوف حرية التعبير والتنقل.. ففي أكتوبر 2021، خلال جلسات اللجنة الرابعة للأمم المتحدة، سلطت العشرات من الشهادات الضوء على محنة النساء في المخيمات، ووصف مقدمو الالتماسات العنف القائم على النوع الاجتماعي بالقيود المجتمعية التي تحد من استقلالية المرأة، وأعادت هذه الاعترافات التركيز الدولي على تحديات حقوق الإنسان الأوسع نطاقا في المخيمات، وخاصة الافتقار إلى آليات المساءلة لمعالجة مثل هذه الانتهاكات، وأكدت مناقشات اللجنة الرابعة على الحاجة إلى اتخاذ تدابير ملموسة لحماية حقوق السكان الأكثر ضعفا في المخيمات، بما في ذلك النساء والأطفال.

تتمة المقال تحت الإعلان

وقد عممت منظمة العفو الدولية هذه المخاوف عبر نشراتها الدورية، ودعت مرارا وتكرارا إلى مراقبة شاملة لحقوق الإنسان في تندوف، وفي أكتوبر2020، أكدت المنظمة أن أي بعثة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في المنطقة في المستقبل، يجب أن تعطي الأولوية لمراقبة حقوق الإنسان، ليس فقط في الصحراء التي استرجعها المغرب منذ سنة 1975، ولكن أيضا داخل مخيمات تندوف، ويعكس هذا الموقف إجماعا واسعا بين المراقبين الدوليين على أن الافتقار للمراقبة يؤدي إلى تكريس واقع الإفلات من العقاب، مما يسمح للانتهاكات بالمرور في سرية من دون عقاب أو إبلاغ.

وقد أدت التطورات الأخيرة إلى تكثيف التدقيق في إدارة جبهة البوليساريو للمخيمات.. ففي شتنبر 2024، قدم نشطاء حقوق الإنسان الصحراويون أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، تفاصيل عن الانتهاكات الممنهجة والمروعة التي تحدث في تندوف، واتهموا قيادة الجزائر والبوليساريو بالاعتقالات التعسفية والقيود القاسية على حرية التنقل والقمع المنهجي للمعارضة، وأشاروا إلى ثقافة الإفلات من العقاب التي تشجع الجناة بينما ترغم الضحايا على السكوت والتكتم.

ودعا هؤلاء النشطاء المجتمع الدولي، إلى محاسبة البوليساريو على أفعالها، بحجة أن سكان المخيمات يستحقون نفس حماية حقوق الإنسان مثل أي مجتمع محتجز قسرا ولاجئ آخر في جميع أنحاء العالم.

تتمة المقال تحت الإعلان

كما تعرض دور الجزائر كدولة محتضنة للانفصاليين للبحث الدقيق، حيث يزعم المنتقدون أنها تتحمل المسؤولية النهائية عن ضمان حماية حقوق الإنسان داخل حدودها، ومع ذلك، فقد أذعنت الجزائر إلى حد كبير لجبهة البوليساريو، بل العكس هو الصحيح، مستشهدة بوضع الجبهة باعتبارها السلطة الفعلية للمخيمات.

كما أعاق حصار مخيمات تندوف تدفق المعلومات المستقلة، ويواجه الصحفيون والمنظمات غير الحكومية، وحتى وكالات الأمم المتحدة، عوائق كبيرة في الوصول إلى المخيمات، مما يحد من قدرتهم على إجراء تحقيقات موضوعية وشاملة، وهو ما يساهم في الافتقار إلى بيانات شاملة حول نطاق وحجم انتهاكات حقوق الإنسان، مما أدى إلى مزيد من التعتيم على محنة سكان المخيمات، كما يقوض الجهود الرامية إلى بناء وصف دقيق للظروف داخل تندوف، مما يجعل المجتمع الدولي يعتمد على التقارير المتفرقة والأدلة الهشة.

وبينما يكافح المجتمع الدولي للتعامل مع هذه المعاناة الإنسانية المريرة، تلوح قضية المساءلة في الأفق، فما هي الآليات التي يمكن أن تضمن العدالة للضحايا في مخيمات تندوف؟ وكيف يمكن تحميل جبهة البوليساريو المسؤولية عن الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان؟ وما هو الدور الذي ينبغي للجزائر، باعتبارها الدولة المحتضنة، أن تلعبه في معالجة هذه التحديات ؟

تتمة المقال تحت الإعلان

فمعالجة أزمة حقوق الإنسان في تندوف تتطلب منهجا متعدد الأوجه. أولا، يتعين على المجتمع الدولي دعوة السلطات الجزائرية إلى زيادة إمكانية وصول المراقبين المستقلين والصحفيين والمنظمات الإنسانية إلى المخيمات، والشفافية هي خطوة أولى حاسمة في فضح الانتهاكات ومعالجتها. ثانيا، لابد من تجديد الجهود لإنشاء آليات المساءلة، سواء من خلال الهيئات الدولية أو المبادرات المحلية، وينبغي لهذه الآليات أن تمكن الضحايا من السعي إلى تحقيق العدالة ومحاسبة الجناة، في تندوف والجزائر العاصمة، بغض النظر عن مناصبهم داخل قيادة البوليساريو أو الدوائر العسكرية الجزائرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى