الرأي

الرأي | صناعة النصوص القانونية بالمغرب

بقلم: مراد علوي

    صناعة التشريع هي عملية دقيقة لا تخلو من صعوبات وتعقيدات بالنظر إلى تأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهي تتم وفق منهجية، وفي إطار من التدرج والشمولية والاستشراف.

تحيل صناعة التشريع إلى الإعداد والتحضير تبعا لإجراءات معينة، لتحقيق أهداف والاستجابة لحاجات محددة، وترتبط بتنظيم سلوك الأفراد والهيئات داخل المجتمع، مع استحضار الجانب الزجري والإلزامي بهذا الخصوص، ويقتضي ذلك سن تشريعات منفتحة على تطور المجتمع وخصوصياته، وبقدر من الثبات الكفيل بضمان استقرار المعاملات، وتحقيق العدالة، والاستئناس بآراء الهيئات المعنية، وفتح نقاشات عمومية، علاوة على احترام التدابير القانونية والإدارية ذات الصلة، مع الانفتاح على تجارب وتشريعات مقارنة، واستحضار الالتزامات الدولية فيما يتعلق بالاتفاقيات المصادق عليها في مختلف المجالات..

تسهم جودة القوانين في بلورة عدد من المداخل والحلول الكفيلة بالتعاطي بنجاعة مع الإشكالات والنزاعات التي يطرحها الواقع الاجتماعي المتغير، والمساهمة في تطوير النصوص القانونية وجعلها مواكبة للتطورات الحاصلة داخل المجتمع، وتعزيز الحماية اللازمة للحقوق والحريات، كما تدعم أيضا استقرار وتجويد القاعدة القانونية، وتمر التشريعات قبل صياغتها النهائية بمجموعة من المراحل، تبدأ بتحديد الموضوع ودوافع الصياغة وأهدافها الكبرى، ثم تخصيص إمكانيات تقنية ومالية وبشرية لإنجاح هذه المهمة، قبل فتح نقاشات عمومية في هذا الصدد، والوقوف على آراء الخبراء والفقهاء والمختصين والمواطنين.

تتمة المقال تحت الإعلان

ويمكن إجمال الضوابط التي ينبغي التقيد بها عند الصياغة النهائية، في تدقيق الهدف من التشريع، وسياقه، ومبرراته، ودواعيه، والاطلاع على النصوص ذات الصلة، لتجاوز أي تناقض أو تداخل قد يحدث بهذا الخصوص، وتعزيز الانسجام والتكامل مع باقي التشريعات، ثم تصنيف القانون الجديد تبعا للفرع الذي يندرج ضمنه، وتحديد ما إذا كان الأمر يتعلق بتشريع جديد أو مجرد تعديل لنصوص سابقة، ويفترض في اللغة القانونية المستعملة أن تكون دقيقة وواضحة ومجردة ومختصرة، ولا تحتمل معاني كثيرة أو غموضا، رغم أن هذا الأخير قد يكون مقصودا في بعض الأحيان، يتيح هامشا لسلطة القاضي التقديرية، كما ينبغي أن يكون النص التشريعي متماسكا من حيث تطابق الألفاظ المستخدمة مع المعنى المقصود، وعندما يتم إعداد مسودة أولية للتشريع المطلوب، يتم تكليف كفاءات تحظى بقدر من الاستقلالية والنزاهة، ومختصة في مجال الصياغة القانونية، لوضع مشروع دقيق، ثم عرضه على الهيئة التشريعية المختصة التي قد تتشكل من غرفة واحدة أو أكثر، قبل المصادقة عليه من قبل رئيس الدولة وإصداره في الجريدة الرسمية.

انطلاقا من سمو الدستور، ثمة قاعدة قانونية معروفة تقضي بأن التشريعات العادية لا ينبغي أن تكون متناقضة مع بنود القانون الدستوري، ومن هنا تأتي الرقابة الدستورية كمدخل للتأكد من مطابقة التشريعات المختلفة للدستور، وإضفاء طابع المشروعية على مقتضياتها، وتتخذ الرقابة على دستورية القوانين منحيين: الأول، سياسي ووقائي (قبلي)، يتم من خلال هيئة سياسية يحددها الدستور، والثاني قضائي (بعدي)، ينحو إلى التحقق من مدى مطابقة التشريع لمقتضيات الدستور.

وعادة ما توكل مهمة النظر في دستورية القوانين إلى هيئات تحددها الدساتير نفسها (مثلا المحكمة الدستورية في المغرب بموجب دستور 2011)، ومخالفة النص للدستور تفرض إلغاءه أو مراجعته من جديد.. والجدير بالذكر أن هذه الرقابة تدعم دولة الحق والقانون، وترسخ سمو الدستور والممارسة الديمقراطية واحترام المؤسسات.

تتمة المقال تحت الإعلان

إن كسب رهان تحقيق الجودة في صناعة التشريع بما يدعم استقراره، هو مدخل يضمن الفعالية والنجاعة، وتحقيق الأهداف الكبرى المتوخاة من إصدار القوانين بشكل عام.

لقد أضحت اليوم الكثير من التشريعات في عدد من الدول المتقدمة، تمثل في جودتها ودقتها وتجردها، مرجعا رائدا يتم الاستئناس به في صياغة وصناعة القوانين في مختلف دول العالم، وتستأثر جودة القوانين بأهمية كبيرة، فعلاوة على مساهمتها في توفير شروط التنمية المستدامة، فهي تعبد الطريق أمام مؤسسة القضاء لتحقيق العدالة والمساواة والإنصاف في إطار من المرونة والنجاعة.

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى