الرأي | نقاش هادئ حول واقع الاستثمار السياحي في الصويرة
بقلم: حفيظ صادق
في قلب المدينة العتيقة للصويرة، حيث تتناغم أصالة التاريخ مع نغمات الحياة العصرية، تتصاعد أصوات الشكاوى من ساكنة المدينة وأرباب الفنادق، والسبب؟ ملاهي ليلية تتخفى بذكاء في هيئة مطاعم، محدثة ضجيجا اجتماعيا واقتصاديا لا يمكن تجاهله.. هذه الظاهرة التي بدت في البداية جزء من المشهد السياحي، تحولت إلى قضية ملحة تتطلب نقاشا مسؤولا وحلولا مستدامة، فالصويرة ليست مجرد مكان للسكن أو السياحة.. إنها رمز حضاري يحمل عبق التاريخ ويجذب الزوار من جميع أنحاء العالم، لكن في السنوات الأخيرة، بدأت هذه المساحات المقدسة تواجه تحديات جديدة مع تنامي استثمارات المطاعم التي تتحول في ساعات الليل إلى ملاهي..
تؤكد ساكنة المدينة أن الضجيج الليلي، التدفق الكبير للأشخاص، والأثار السلبية على القيم الثقافية والاجتماعية قد أفسدت السكينة التي طالما ميزت هذا الحي، وتقول فاطمة، إحدى المقيمات منذ عقود: كان الليل هنا يحمل طابع الهدوء والسلام، أما الآن فقد أصبح كابوسا لا ينتهي..
من جهتهم، يعاني أصحاب الفنادق الصغيرة والمتوسطة، الذين يعتمدون على الزوار الباحثين عن تجربة فريدة في قلب التاريخ، من التراجع في معدلات الإشغال، ويشرح عبد الرحمن، مدير فندق عريق في المدينة العتيقة: السياح يأتون للتمتع بأجواء الهدوء والتراث، لكنهم يجدون أنفسهم في صخب ليلي غير متوقع، والنتائج واضحة: الغرف شاغرة والسمعة على المحك(..).
وتشير أصابع الاتهام إلى عدة جهات، بدء من السلطات المحلية التي تمنح تراخيص لهذه المنشآت، مرورا بالمستثمرين الذين يتجاهلون القوانين والضوابط، وصولا إلى غياب التنسيق بين الجهات المعنية، لكن الأمر لا يخلو من تعقيد، يقول أحد المستثمرين في مجال المطاعم: نحن نعمل ضمن إطار قانوني.. إذا كانت هناك تجاوزات، فيجب أن تُحل بالتعاون وليس بالاتهامات.
لحل هذه الإشكالية، تتطلب المدينة العتيقة نهجا شاملا يوازن بين الحفاظ على التراث وتنظيم الأنشطة الاقتصادية، ومن بين الحلول المطروحة:
- تشديد المراقبة على المنشآت وضمان التزامها بالشروط القانونية؛
- منح تراخيص واضحة تفصل بين المطاعم والملاهي الليلية؛
- تخصيص أماكن بعيدة عن المناطق السكنية لهذه الأنشطة الترفيهية؛
- فتح حوار مباشر مع السكان وأرباب الفنادق لضمان حلول توافقية.
وفي انتظار ذلك، تظل المدينة العتيقة شاهدة على صراع بين الأصالة والحداثة، وبينما تتوالى الشكاوى وتتصاعد الأصوات، يبقى السؤال الملح: هل يمكن أن تجد المدينة توازنا يعيد إليها هدوءها دون التضحية بحيويتها الاقتصادية؟
فالمسؤولية مشتركة، والحلول ممكنة، لكن الأهم هو التحرك الآن قبل أن تتحول هذه الظاهرة إلى تهديد دائم ينسف هوية المدينة العتيقة ومكانة الصويرة الفريدة.