الرأي | إضراب المحامين بين سنة 1996 واليوم
الإضراب حق دستوري، ويمارس في إطار المشروعية الدستورية، خاصة إذا كان مبنيا على مطالب مشروعة، تعود بالفائدة على المجتمع برمته، وإضراب المحامين الذي دعا إليه مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب، على إثر بلاغ صدر بمناسبة اجتماع مكتب الجمعية بدعوة من نقابة هيئة المحامين بطنجة، صدر البلاغ بتاريخ 26/10/2024، وقرر التوقف الشامل عن ممارسة مهام الدفاع من فاتح نونبر 2024 إلى إشعار آخر، أي أنه إضراب مفتوح ما دامت أسبابه قائمة، ومن جملتها، عدم الاهتمام بالمطالب المشروعة المقدمة من جمعية هيئات المحامين، وقد ذكر البلاغ أسباب الإضراب، منها عدم التفاعل مع كل المبادرات والإشارات التي تضمنتها الحملة الترافعية لمكتب الجمعية، والتي خاضتها على كل المستويات، والإصرار الواضح على استهداف المكانة الاعتبارية لمهنة المحاماة كفاعل رئيسي في تنزيل مفاهيم العدالة في الدولة الديمقراطية، ومحاولة ضرب أسس رسالتها الكونية والإنسانية، وعدم الاكتراث بالوضع المتأزم لقطاع المحاماة، والاستمرار في فرض أفكار أحادية الجانب في إطار رؤية إصلاحية ضيقة ترمي إلى مشاكل العدالة على حساب مكتسبات المتقاضين والمهنيين بشكل يكرس التمييز بين المواطنين ويضرب في العمق الحق في التقاضي ومبدأ الولوج المستنير للعدالة، في الوقت الذي كان الأمر يقتضي إقرار حلول شاملة تنبني على مبدأ التشاركية ومراعاة مصالح كل الأطراف، وتحمل الحكومة لمسؤولياتها في تدبير قطاع العدالة، ولم تجد الجمعية أذنا صاغية ولا إرادة واعية أو شعورا بخطورة ما ستصاب به العدالة وسير المرافق القضائية، فإن مكتب الجمعية، ومن منطلق الإيمان بمحاماة قوية بقرارات قوية، قرر بإجماع أعضائه، مواصلة تنفيذ برنامجه النضالي التصاعدي وقرر التوقف الشامل عن ممارسة مهام الدفاع ابتداء من فاتح نونبر 2024 إلى إشعار آخر..
إن الموقف السلبي الذي اتخذته الجهة المسؤولة عن قطاع العدالة، من خلال عدم تجاوبها مع مطالب جمعية المحامين بالمغرب، وفتح حوار بناء لإيجاد مخرج لهذه المعضلة، لم يكن موقفا جديدا أو طارئا، بل سبق لتلك الجهة أن دخلت مع نقابة هيئة المحامين في أزمة مفتعلة، وأقصد أزمة مفتعلة مع نقابة هيئة المحامين بالقنيطرة، وصدر بسبب اندلاع تلك الأزمة، بيان من مجلس هيئة المحامين بالقنيطرة يحمل عنوان “لا لإهانة الدفاع ولسد باب الحوار” بتاريخ 4/12/1996، جاء فيه أن “مجلس هيئة المحامين بالقنيطرة كان يسعى إلى تخطي الصعاب في ممارسة مهامه وتجاوزها، ولكن كان الدفاع يلاقون يوميا تصرفات بلغت حد الإهانة وتسليط الغضب عليهم.. تصرفات لا يمكن أن يفكر أحد يوما أنها ستصدر عن مسؤول.. لقد كانت مطالب تلك النقابة مجرد التعاون الحقيقي في إطار القانون والأعراف الأصيلة، وتجاوبا مع هيئة الدفاع لكي تعالج الأمور ويستقر الاطمئنان”، وأضاف البيان، أن “النقابة وجهت نداء إلى وزير العدل شخصيا، قصد عقد اجتماع مع مجلس الهيئة، دون أي صدى من طرفه”، وختم البيان قوله: “إن مجلس الهيئة لن ينحني أمام ما يمس بكرامة المحامين أو يعرقل دورهم أو يهمش وجودهم، لأنهم على يقين بأن القضاء والعدالة وسيادة القانون، لا وجود لهما بدون دفاع محصن محترم ومستقل، والهيئة سوف لن تتوانى في الدفاع عن هذه القيم بكل الأساليب القانونية”.. هذا البيان منشور في مجلة “الإشعاع” عدد 15 الصفحة 307 لمن يريد أن يطلع على ما ورد فيه.
فهل موقف وزارة العدل من سنة 1996 إلى 2024 لم يتغير، بل ارتفعت حدته، رغم أن قانون ممارسة مهنة المحاماة ينص في مادته الأولى على أن المحاماة مهنة حرة، تساعد القضاء، وتساهم في تحقيق العدالة، والمحامون بهذا الاعتبار جزء من أسرة القضاء، وما دام هناك تيار لا يكن الاحترام والتقدير للمحامين، فعلى وزارة العدل وهي بصدد تحضير مشروع قانون للمحاماة، أن تحذف هذه المادة من مشروع قانون المحاماة المقبل.
تلكم هي بعض الأسباب التي فرضت اتخاذ موقف حازم من اختلاق الأزمات مع من أناط بهم الشرع المطاع والمواثيق الدولية والدساتير، الدفاع عن المظلومين، ومحاربة الفساد، وتطهير المجتمع من كل رذيلة تمس بكرامته وشرفه ومكانته.