الرأي

الرأي | تباين التعبير الأدبي بين الأجيال التقليدية والأجيال الرقمية

بقلم: عائشة بوزرار

    صدر عن نادي مكة الثقافي الأدبي، كتاب جماعي يحمل عنوان: “الشعرية الرقمية، مستجدات الأدب الرقمي وتحدياته”، تضمن أبرز الأوراق البحثية المقدمة حول مستقبليات الأدب الرقمي، وكذلك مجموعة من المقاربات النقدية، ويهدف النادي من خلال هذا التوجه، إلى متابعة التطورات التقنية الحديثة، ودعم المبدعين في هذا المجال الناشئ.

ويتضمن الكتاب ثمانية محاور، أولها بعنوان “العصر الرقمي وفلسفة التحول”، إذ عالجت المداخلات إشكالية العلاقة بين العلوم الإنسانية والتكنولوجيا في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها العصر الرقمي، حيث تتحدى التكنولوجيا المفاهيم والمناهج التقليدية للعلوم الإنسانية، مما يطرح التساؤل حول هويتها الجديدة، ويفرض التطور التاريخي لهذا التحول إعادة النظر في الأدوات المستخدمة وإنتاج وعي فلسفي بتأثير التكنولوجيا على الإنسان وهويته، حيث تتطلب العلاقة بين العلوم الإنسانية والتكنولوجيا تكاملا لمواكبة مقتضيات العصر.

تتمة المقال تحت الإعلان

والمحور الثاني “شعرية السرد الرقمي”، ناقش قضية الرواية وعلاقتها بالتغيرات الثقافية والاجتماعية الناتجة عن تأثير التكنولوجيا الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال تقاطع عدد من السرديات الفردية لشخصيات مختلفة، تسلط الضوء على قضايا مثل: “تشتت الهوية وتداخل الثقافات نتيجة الهجرة والنزوح”؛ “تأثير وسائل التواصل على طبيعة العلاقات وانتشار ثقافة المراوغة والغموض”؛ “ظهور قضايا الهامش والأقليات على السطح وتحولها إلى محور النقاش”؛ “تعارض مفاهيم الانتماء والهوية في ظل التحولات الرقمية”.

أما المحور الثالث فتناول “شعرية الشعر الرقمي”، ذلك أن الوسيط الرقمي له قدرة ملموسة على تمازج وتفريع النصوص وتعدد أجناسها الفنية المختلفة أساسا لنشأة القصيدة التفاعلية، وقد استطاع الشاعر استثمار إمكانات التفريع من خلال النص المتفرع والاحتمالي لينتج نسقا متحركا يمكن المتلقي من التفاعل، كما أتاح الوسيط شعرية خاصة، تتمثل في التنقل بين النصوص والفنون المختلفة، مما أفضى إلى إيجاد لغات جديدة للنص وتوليد أنماط خيال متنوعة، لتتحقق شعرية الانزياح الوسائطي التي تمثل سمة جوهرية في القصيدة التفاعلية الرقمية.

وشمل المحور الرابع “الشعرية الرقمية والتجربة النصية”، مجموعة من القصائد الشعرية الرقمية من بينها نص يشتمل على مكونين: الأول بصري سمعي، تميز بصورة بصرية أحلت الظلمة وأصوات طبيعية، والثاني نص مكتوب، تضمن أربع لوحات مكتوبة عرضت بالتتابع، ويشتمل على تلاعب لغوي ودلالي متمثل في تحول المعنى والتناقضات والإبهام، وتلاعبا بصريا بين النص والصورة، وقد مثل الصوت عنصرا مرتبطا دلاليا بالنص، أما البنية الزمانية فكانت غير خطية، إذ تمكن المتلقي من التنقل بين العناصر.

تتمة المقال تحت الإعلان

في هذا المحور تمت مناقشة تجربة الشاعر محمد حبيبي “لوحة فنجان” كمثال للنص الرقمي الذي يجمع بين النص المكتوب والعناصر الصوتية والبصرية ليكون كتلة واحدة يمكن مشاهدتها عبر وسيط إلكتروني.

وناقش المحور الخامس “الشعرية الرقمية والمقاربة النقدية”، كيف اتسم الخطاب النقدي الرقمي العربي بعدم استقرار مصطلحي، واعتماده على إعادة إنتاج المفاهيم الغربية، كما تناول أبعاد العلاقة بين الأدب والتقنية بدلا من دراسة البنية الرقمية للنص، وتناولت الدراسات مسألة الأجناس عند تحليل النصوص السردية، كما ساد النقد الوصفي على حساب النقد التفسيري..

ويلزم الناقد الرقمي معرفة واسعة، والانفتاح على النظريات الحديثة، وتجاوز المركزيات، كما ينبغي التوسع في دراسة المنجز الإبداعي الرقمي بدلا من التركيز على العلاقة بين الأدب والتقنية، ويستوجب تجاوز الانتقادات السابقة، والتركيز على مكونات النص الرقمي، وفي النهاية، لا يمكن تأسيس نظرية نقدية رقمية عربية إلا من خلال مزيد من البحث العلمي في هذا الميدان الناشئ.

تتمة المقال تحت الإعلان

واستعرض الباحثون في المحور السادس “التجنيس والشعرية الرقمية”، كيفية تمتع الأدب الرقمي بسمات مثل الترقيم واللاخطية والتفاعلية والوسائطية، ما يميزه عن الأشكال الأدبية التقليدية، وأيضا ضرورة ألا ننظر إلى الأدب الرقمي على أنه مجرد امتداد للأشكال السابقة، بل جنس أدبي جديد يستحق أن يدرس وفق قواعده وخصوصياته البنيوية، وهذا مهم لتجاوز النظرة المعادية له.

ورغم اختلاف التسميات، فإن أغلب الباحثين يميلون لاعتبار الأدب الرقمي مصطلحا شاملا يضم هذه الأشكال، مع الحاجة لمزيد من التحليل والتجربة لتحديد مفهومه وخصائصه بشكل أدق.

وتناول المحور السابع “مستقبل الشعرية الرقمية”، الأدب الرقمي كتجربة واعدة في الوطن العربي إن تحققت بعض الشروط الأساسية منها: تعزيز الدراسات الأكاديمية لهذا النوع من الأدب بهدف تأصيله ووضع أسس نقدية لمواكبة تطوره، كما يجب تشجيع المبدعين على المساهمة فيه واستثمار الإمكانيات التقنية.

تتمة المقال تحت الإعلان

كذلك من الضروري إدماج مهارات الإبداع والقراءة الرقمية في المناهج الدراسية، ودعم المشاريع الثقافية عبر الأنترنيت لنشر الإبداع وتطوير مفهوم النقد الرقمي ليتناسب مع خصوصيات هذا الفن الحديث.

يمثل الأدب الرقمي تحديا وفرصة للثقافة العربية في عصر المعلومات، فمع انتشار الوسائط الرقمية الحديثة، أصبح بإمكاننا نقل المعرفة والأفكار بسرعة وسهولة كبيرتين، لكن التحدي الأكبر يكمن في كيفية دمج هذه التقنيات مع الهوية الحضارية لأمتنا، ويمثل الأدب الرقمي أحد أشكال التعبير عن ذواتنا في هذا العصر إذا ما تم تطويره وتأصيله بشكل سليم.

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى