منتصف شهر ماي سنة 2012 وقعت حادثة أكدت أن القطارات في المغرب، بقدر ما هي وسيلة نقل آمنة، بقدر ما قد تكون وسيلة فتك دموية.
الحادثة تجلت في دهس قطار سيارة نقل مدرسي ما أفضى إلى مصرع 9 أشخاص، جلهم تلاميذ، وجرح آخرين.
حوادث القطارات لم تتوقف رغم أن الواقعة أعقبها جدل حاد أعلن على ضوئه عزيز الرباح، وزير النقل والتجهيز، رقما صادما مفاده أن عدد القتلى الذين تخلفهم حوادث تتسبب فيها القطارات يصل إلى المائة سنويا.
حادثة اصطدام قطار بآخر بعد انزياحه عن السكة الحديدية بزناتة، بين المحمدية والدار البيضاء، قبل أسابيع، رفعت درجة الخوف: لماذا ارتفعت وتيرة حوادث السير التي تتسبب فيها القطارات؟ من يتحمل المسؤولية؟ هل الإدارة أو السائقون والعمال السككيون؟
من خلال معطيات موثقة، فإن إدارة المكتب الوطني للسكك الحديدية تحمل مسؤولية الحوادث المتكررة للقطارات للعمال والسائقين بدرجة أولى. تشهد بذلك وقائع مختلفة.
في الحقيقة، تفيد الوثائق التي حصلنا عليها أن إدارة السكك الحديدية، وتحديدا مفتشية السلامة السككية ومصلحة نقل المسافرين، تسجل، سنويا، أخطاء قاتلة لسائقين وعمال سككيين، تسببت في وقائع لم تفض، لحسن الحظ، إلى نتائج مأساوية. بين ما تم ضبطه استعمال سائقين للهاتف أثناء السياقة وتجاوز علامات مرورية سككية.
الوثائق، إذن، تضع السائقين وبقية العمال السككيين في قفص الاتهام. فأين تتجلى، بالضبط، حدود مسؤولية هؤلاء؟
تحدثنا إلى أحد عمال السكك الحديدية لاستجلاء حقيقة الأمر. أكد أن الأخطاء لا يتسبب فيها السائقون دائما. ويقول: «في أواخر سنة 2011، بمحطة الرباط، قطع قطار للمسافرين مسار قطار آخر للمسافرين أيضا. الخطأ لم يرتكب من طرف سائق القطار أو رئيس القطار، ولكن كان السبب خطأ في التشوير الذي كان يفيد بأن السكة حرة، أن أنه لا يوجد قطار عليها».
الأمر لا يتوقف، حسب هذا العامل، على أخطاء التشوير، بل يشمل ظروف اشتغال سائقي القطارات وحالة القطارات التي تكون مزرية. «في كثير من الأحيان يجبر سائقو قطارات، خاصة المكوكية، على الانطلاق مع الساعة الخامسة صباحا.
وضعية القطار تكون مزرية والزجاج لا ينظف ما يحجب الرؤية، كما أن مقصورة القيادة تكون متردية وكراسيها في حالة جد سيئة، إضافة إلى عدم اشتغال المكيفات وضعف إنارة الأضواء الأمامية بشكل لا يظهر الطريق على نحو واضح».
تقرير للمنظمة الديمقراطية للشغل، أعقب حادثة زناتة، ذكر أن الحوادث المميتة للقطارات بالمغرب هي «نتيجة ترهل وتهالك وتقادم التجهيزات السككية، وارتفاع عدد الممرات غير المحروسة..».
مضيفا أن شبكة السكك الحديدية «لم تعد تتماشى والمعايير الدولية في مجال السلامة والراحة الضرورية والمرافق الصحية، والإضاءة، ومستوى الصوت، والتواصل مع الزبناء واحتقارهم، علاوة على قلة الموارد البشرية، وغياب تكوين مستمر لرفع الكفاءات».
كما أن «عددا من الصفقات التي أشير إلى أنها كانت غير شفافة، ومنها استيراد قطارات ذات طابقين أو عربات مستعملة غير مطابقة للمواصفات والمعايير الدولية، البعض منها أدخل منذ مدة إلى مستودع الأموات بسبب الأعطاب المتكررة..”.