الرأي | هل تعرقل إيران النووية وتركيا مشروع الشرق الأوسط الجديد ؟
بقلم: نزار القريشي
إن الذكاء الاستراتيجي للرئيس فلاديمير بوتين، بصفته قادما لحكم روسيا الاتحادية من مجتمع الاستخبارات الروسي، وبعد محاولة حلف الشمال الأطلسي المتكررة والهادفة لتطويق بلاده عسكريا، وأيضا بعد ما تمخض عنه ذلك على الساحة الأوكرانية، وقبله تفكيك الغرب الأنجلوساكسوني للاتحاد السوفياتي، هو ما أعطى لموسكو دوافع قوية نحو أفق وطموح جديد، إذ زاد ذلك بالنسبة لروسيا من إمكانية تحسينها لشروط تقاسم مجالات النفوذ مع الولايات المتحدة الأمريكية والصين وبريطانيا، بعد حصولها على فائض قوة إضافي، وذلك بعد صمودها الملحوظ في مواجهة “الناتو”، مما يؤهل الكريملين لتوزيع أدوار إقليمية ودولية، ولكن في نطاق المجال النفوذي له، وفي ظل مجلس إدارة لحكم العالم، سيتبلور بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا وحرب غزة والتطورات اللاحقة ببحر الصين الجنوبي.
هذا، ويمكن للأزمات المالية والتضخم العالمي، إن لم يتم ضبطه عبر تخفيض مستوياته، أن يدفع بالاقتصاديين الدوليين إلى استدعاء حروب أخرى جديدة، إذ من المتوقع أن تؤول هذه الصراعات إلى تفاهمات حول تشكيل مجلس إدارة لحكم العالم، حيث من المرجح – حسب ما سربه – أن يكون مقره بلندن أو نيويورك أو طنجة.
وفي سياق حاجة بعض الأطراف الدولية لموسكو، اتضحت مؤخرا الرغبة والضرورة الملحة لأنقرة في الحصول على التقنية النووية الروسية الجاهزة، إذ من المؤكد أن ذلك من شأنه أن يعرقل مشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي تسعى إليه واشنطن ولندن وباريس، خاصة في ظل الحديث الجاري من داخل أروقة البنتاغون ومكاتب استخبارات “دي. آي. إي”، عن مدى إمكانية ضرب اليمن بالسلاح النووي، مع حساب المنافع والأخطار، إذ أكدت النقاشات حول هذا الموضوع أن ذلك سيترتب عنه إعلان إيران عن نفسها دولة نووية، لأن تقديرات دقيقة تؤكد أن اليورانيوم النقي المخصب بدرجة 90 في المائة، والذي بحوزة طهران، يمكنها من صنع 5 إلى 6 قنابل نووية بكتلة حرجة، بعد المساعدة التقنية التي قدمتها بيونغ يانغ حول التصاميم بشأن هذه القنابل النووية.
لذلك يتضح أن التفكير في ضرب اليمن بالسلاح النووي، سيدفع بطهران إلى إعلان إتمام مشروعها النووي، والانخراط السريع في صنعها لقنابل نووية، يضاف إلى ذلك استمرار انزعاج واستياء الحرس الثوري الإيراني من رغبة دول الإقليم في القضاء على حلفائه بالمنطقة، وهو ما يؤكد من جانب آخر هشاشة الاتفاق السعودي-الإيراني، بعد تنامي اللاتقاطعات في المصالح والعقيدة العسكرية ما بين الرياض وطهران، فالتفاهمات الجارية بالإقليم بين تل أبيب وشركائها، بخصوص المحاولات الجادة للقضاء على “حماس” ومن ثم “حزب الله”، هو ما سيدفع بانكماش فائض القوة الإيراني، وسيدفع حتما بالرئيس الإيراني للإسراع بإعلان بلاده دولة ضمن النادي النووي، وذلك لتأمين الجمهورية الإسلامية الإيرانية من التهديدات الأمريكية والإسرائيلية التي قد تطالها، إذ أن التطورات السريعة بالشرق الأوسط، والحديث عن إمكانية ركوب كل من قطر وأندونيسيا والسعودية لقطار التطبيع، والذي قد يعمل على ترسيخ مشروع الشرق الأوسط الجديد، هو ما دأبت على الاشتغال عليه استخبارات “دي. آي. إي” بتعاون مع وكالة المخابرات المركزية، وبتنسيق مع “إم. أي 6 ” و”إي. إس. إي” منذ إدارة الجمهوري جورج دبليو بوش، لذلك تبين أن الرغبة التركية في الحصول على السلاح النووي الروسي، بعد تنامي التضييق الممنهج الذي تتعرض له تركيا بشكل مستمر، مما يحيل إلى الأذهان خطورة ومخاطر انتشار السلاح النووي، وهو ما يدعو كل الأطراف النووية التسع، إلى الانخراط في معاهدة “ستارت 2″، للحد من انتشار الأسلحة النووية، خصوصا والأخطار التي قد تنتج عن انتشارها في الخريطة الممتدة بين باكستان وإيران وأفغانستان، بعد تعمد أمريكا تركها أسلحة تصل قيمتها إلى 160 مليار دولار على الأراضي الأفغانية، والتي كان الهدف منها التعزيز من فرص أفغانستان في مواجهة إسلام أباد وطهران، وذلك لإشعال موقد الفتنة بهذه المنطقة بين الدول الإسلامية الثلاث، غير أن ذلك قد يشعل المنطقة وما بعدها امتدادا إلى روسيا والهند والصين وإلى المملكة المتحدة، امتدادا كذلك إلى فرنسا وألمانيا، وذلك من أسباب مخرجات الحسابات الاستراتيجية الخاطئة الغير محسوبة العواقب، خططت لها واشنطن ونتجت عن حساباتها ضيقة الأفق، وقد تمتد لحسابات أوسع وغير محدودة وخارجة عن السيطرة، لأنه من المؤكد أن مخاطرها قد ترفع من مستوى الإرهاب الدولي العابر للقارات، والذي سترفض باكستان ودول أخرى متضررة التعاون بشأنه، وهو ما اتضح من خلال المناوشات الأخيرة بين باكستان وإيران، وأفغانستان وباكستان، وبين إيران وأفغانستان، إذ تزيد هذه الصراعات من فرص وإمكانيات حصول الجماعات الإرهابية، على بعض منتجات السلاح النووي ذات الإشعاع العالي في ظل المختبرات والعلاقات التي تمتلكها هذه الجماعات من داخل مساحة المنطقة المذكورة، المعروفة بتضاريسها الوعرة، التي استعصت على جيوش دول عظمى.