الرأي | من الحق في الوصول إلى المعلومات إلى الحق في الوصول إلى الخوارزميات
بقلم: عبده حقي
ظل مفهوم الوصول إلى المعلومات لفترة طويلة حجر الزاوية في المجتمعات الديمقراطية.. إنه حق أساسي يمكن الأفراد ويعزز الشفافية، ويخضع المؤسسات للمساءلة، ولكن مع التقدم التكنولوجي، يجب أيضا أن نفهم ما يعنيه الوصول إلى المعلومات.
على مر التاريخ، كان النضال من أجل الوصول إلى المعلومات محوريا في حركات التغيير الاجتماعي، من الطباعة إلى الأنترنيت، حيث جلبت كل قفزة تكنولوجية فرصا وتحديات جديدة، واليوم، نقف على شفا تحول نموذجي آخر، حيث يتوسع التركيز من مجرد البيانات إلى الخوارزميات التي تشكل عالمنا.
في السنوات الأخيرة، أصبحت الخوارزميات منتشرة بشكل متزايد في عمليات صنع القرار في مختلف القطاعات، من التمويل إلى العدالة الجنائية، وتتمتع هذه الخوارزميات التنظيمية بنفوذ كبير، ومع ذلك تظل أعمالها الداخلية مخفية عن التدقيق العام، وعلى هذا النحو، برز الحق في الوصول إلى الخوارزميات التنظيمية كقضية ملحة في السعي لتحقيق الشفافية والمساءلة.
ولتقدير أهمية الحق في الوصول إلى الخوارزميات التنظيمية، يجب أولا فهم السياق التاريخي والأسس القانونية لحقوق الوصول إلى المعلومات، فمن قانون حرية المعلومات إلى الاتفاقيات الدولية، هناك نسيج غني من التشريعات التي تهدف إلى تعزيز الشفافية والانفتاح على المطالب الديمقراطية.
علاوة على ذلك، ومع استمرار التكنولوجيا في تشكيل عالمنا، تطورت الطرق التي تمكننا من الوصول إلى المعلومات، فما كان يستلزم ذات يوم تقديم طلب رسمي للحصول على وثائق حكومية يشمل الآن التنقل في النظم البيئية الرقمية المعقدة وفهم عمليات صنع القرار الخوارزمية.
إن انتشار الخوارزميات في دواليب الحكم يحمل في طياته الكثير من الوعود وأيضا المخاطر، فمن ناحية، توفر هذه الأدوات الحسابية إمكانية تحقيق الكفاءة والموضوعية، واتخاذ القرارات المستندة إلى البيانات، ومن ناحية أخرى، فإنها تثير مخاوف بشأن التحيز والتمييز.
وبما أن الخوارزميات أصبحت تمارس تأثيرا أكبر على حياتنا، صار من الضروري اتخاذ موقف نقدي لدورها في تشكيل النتائج المجتمعية، وسواء كان تحديد الأهلية للحصول على الخدمات الاجتماعية أو التنبؤ بالعودة إلى الإجرام، فإن هذه الأنظمة تتمتع بقوة هائلة ويجب أن تخضع لتدقيق صارم.
على الرغم من فوائدها المحتملة، فإن الخوارزميات التنظيمية لا تخلو من بعض العيوب، أهمها مسألة الشفافية أو الافتقار إليها، وفي كثير من الأحيان، تظل الأعمال الداخلية لهذه الأنظمة محاطة بالسرية، مما يترك الأفراد المتضررين في حالة من الجهل بشأن كيفية اتخاذ القرارات.
علاوة على ذلك، فإن الخوارزميات ليست محصنة ضد التمييز، مما يعكس التحيزات المتأصلة الموجودة في البيانات التي تدربت على أساسها، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة، خاصة في المجتمعات المهمشة.
واستجابة للتصدي لهذه التحديات، تعالت الأصوات التي تدعو إلى قدر أكبر من الشفافية الخوارزمية، ومن منظمات المجتمع المدني إلى صناع القرارات السياسية، هناك اعتراف كبير بالحاجة إلى تسليط الضوء على هذه الأنظمة الغامضة.
وتتخذ الجهود الرامية إلى تعزيز الشفافية الخوارزمية أشكالا عديدة، بما في ذلك المبادرات التشريعية، وحملات المناصرة، والحلول التكنولوجية، ومن خلال وضع هذه القضايا في مقدمة الخطاب العام، يمكننا أن نبدأ في مساءلة الخوارزميات ــ والمؤسسات التي تنشرها ــ عن أفعالها.
وإدراكا لأهمية هذه القضية، بدأت بعض الحكومات في جميع أنحاء العالم في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنظيم عملية صنع القرار الخوارزمي، فمن اللائحة العامة لحماية البيانات في الاتحاد الأوروبي إلى قانون المساءلة الخوارزمية في كاليفورنيا، هناك مجموعة متزايدة من التشريعات التي تهدف إلى معالجة التحديات التي تفرضها هذه الأنظمة.
وفي الوقت نفسه، تتخذ شركات التكنولوجيا أيضا خطوات لتعزيز الشفافية والمساءلة في خوارزمياتها، وسواء كان ذلك من خلال تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، القابلة للتفسير، أو إنشاء آليات تدقيق مستقلة، فهناك اعتراف بأن الوضع الراهن لم يعد قابلا للاستمرار، فمن الواضح أن الحق في الوصول إلى الخوارزميات التنظيمية سيلعب دورا متزايد الأهمية في ضمان الشفافية والمساءلة في الحوكمة، ومع ذلك، فإن إعمال هذا الحق سيتطلب تظافر الجهود من صناع القرارات السياسية وخبراء التكنولوجيا والمجتمع المدني.
إن أحد السبل المحتملة لتحقيق هذا الهدف، إنشاء إطار قانوني يعترف صراحة بالحق في الوصول إلى الخوارزميات التنظيمية، ومن خلال تكريس هذا المبدأ، يمكننا أن نزود المواطنين بالأدوات التي يحتاجونها لجعل الخوارزميات ــ والمؤسسات التي تنشرها ــ مسؤولة عن أفعالها.
في الختام، فإن التحول من الحق في الوصول إلى المعلومات إلى الحق في الوصول إلى الخوارزميات التنظيمية، يمثل تطورا حاسما في فهمنا للشفافية والمساءلة في تدبير الحكم، ومن خلال التصدي للتحديات التي تفرضها هذه الأنظمة الغامضة، يمكننا رسم مسار نحو مستقبل أكثر عدلا وإنصافا وديمقراطية.