الرأي | الدولار والحروب والخرائط الجيوسياسية الجديدة
بقلم: نزار قريشي
إن إفلاس الرأسمالية كنمط اقتصادي، بعد وصولها لمرحلة التوحش، وذلك بعد تركيز الثروات بيد قلة من العائلات وشركاتهم الكبرى، هو ما دفع بالمنظرين الاقتصاديين إلى استدعاء الحروب الحالية، بدء من الحرب على الساحة الأوكرانية، في امتداد ذلك نحو الشرق الأوسط والبحار، وهذا ما اشتغلت وتشتغل عليه استخبارات البنتاغون، وذلك خدمة للدولار بعد الأزمات الاقتصادية ومستويات التضخم التي وصلت إليها كل الدول بسبب الارتباط الدولي بالدولار، مما أدى إلى ضرورة سحق منطقة الأورو وعملتها، بدافع الحرب الأوكرانية، ليتجاوز الدولار بذلك نظيره الأورو، مما أنعش الاقتصاد الأمريكي وشركاته الكبرى، وعمل على تأزيم اقتصاد أوروبا الغربية ومحيطها، وأدى بالصين إلى زيادة تركيزها على الأصل الدولاري، بغية السيطرة على الأصول الأمريكية، وهو ما جعلها أيضا في منأى عن دعم المنطقة الأوراسية، غير أن رفض الرئيس فلاديمير بوتين التعامل بالدولار، وأيضا بالأورو، هو ما أعطى نفسا للاقتصاد الأمريكي، بإخراجه لورقة الروبل قصد إدارة الحرب بأوكرانيا، وعمل على تأخير سيطرة الصين على الاقتصاد الأمريكي، إذ تعلم بكين جيدا براغماتية روسيا عبر علاقتها بالهند من خلال دعمها العسكري لنيودلهي، فالصين ترى أن الدولار هو عملة دولية قبل أن تكون أمريكية، لذلك فإن إمكانية تحويل الدولار إلى عملة رقمية هو ما يؤهله لخدمة الشركات الدولية من داخل النظام العالمي الجاري تحديثه، إذ تسمح رؤية الصين تجاه الدولار بتمرير الخرائط الجيوسياسية والجيو اقتصادية الجديدة، وتؤهل الشركات والدولة العميقة بأمريكا لرسم حدود الخريطة العالمية الجديدة، وإطلاق توزيع جديد للثروات، مع إعادة تقسيم الأدوار، وربط الإنتاج ومصادر الموارد والأسواق بالدولار، وذلك للتمكن من اقتصاد حقيقي يساهم في التقليل من مستويات التضخم والإفلاس، إذ يترتب عن ذلك تقاسم النفوذ بشرق آسيا بين الصين والهند والمنطقة الأوراسية، وهو ما يدعمه الحزب الديمقراطي والبنتاغون، وباقي الأجهزة، في تناغم تام مع ما تمليه مجموعة بلدربيرغ واللجنة الثلاثية، مما يؤدي بعد ترسيم هذه الخرائط الجيوسياسية الجديدة، إلى استمرار الدولار كعملة رئيسية للمعاملات المالية لكل الدول، إذ يمنح ذلك للحلف الأنجلوساكسوني الاستمرار في زعامة العالم، عبر تبادل الأدوار بين مكوناته، ليتأكد معه من جديد أن الاقتصاد هو المتحكم الأول في السياسة واستراتيجياتها الكبرى، وهو ما ينم عن العقوبات الأمريكية التي طالت بعض الحكومات، لإعادة تأهيل الاقتصاد العالمي والخرائط، بعد التضخم الكارثي الذي تشهده كل الدول، وهو ما سمح بتمرير الحروب الحالية، من أجل بناء اقتصادي جديد، يتمكن من خلاله البنتاغون من تمرير خرائطه الجديدة، لأن تركيز الثروات يتطلب ما يترتب عنه للغايات المطلوبة، وذلك لإعادة تشغيل حركة الاقتصاد العالمي، وفق استراتيجية التخفيض السكاني المحتمل تسجيله في السنوات المقبلة.
تحليل عميق لمجريات ألاحداث فيما يخص التدخل الأمريكي للمحافظة على مركز القيادة العالمية واستمرار مركز الدولار كعملة عالمية. وهنا يجب التذكير بما تشير إليه أدبيات تقنيات التسيير والتدبير ألتي تدرس في مدارس وجامعات كل الدول ولكن تطبيقها ينحصر في أوساط قليلة عبر العالم وخاصة تلك آلتي لاتتخوف من الأدمغة الذكية والمبتكرة التي يمكن أن تجلب لها عقوبات أجنبية. وهكذا من بين هذه الدروس أن الحظ لايسعف إلا الأدمغة المهيئة والمستعدة لاحتواء التغيرات : le hasard
ne favorise que les esprits préparés / selon le père des rayons x