الرأي

الرأي | ما الذي غير مكانة الأعياد في حياتنا ؟ (1)

بقلم: نور الدين الرياحي

    من منا لا يتذكر تلك الأجواء الجميلة التي كانت تمر فيها الأعياد ونحن صغار؟

هذا هو السؤال الذي يطرحه الجميع كلما حلت مواقيت الأعياد الدينية خاصة، لكن ما لا يطرحه المتسائلون هو أن شيئا لم يتغير، فالزمان هو الزمان، والأمكنة هي الأمكنة، والشمس لا زالت والحمد لله تشرق، والقمر لا يزال يضيء، والأسواق لا زالت تعمر بكل ما لذ وطاب، ومحلات الألبسة لا زالت تفتح أبوابها عند قدوم كل عيد، والعطلة لا زالت رسمية ومؤدى عنها، بل إن وسائل الاتصال أصبحت تسهل كل شيء، والتقدم العلمي والطرق السيارات والطائرات.. أصبحت أكثر سرعة وتنظيما.

إنما الذي تغير، فهو الإنسان.. من جيل إلى جيل، وهو حكم التطور الذي شمله في فكره وعاداته نتيجة عدة عوامل وإن لم يقدر أن يغير طبيعة هذه الأعياد، فالإنسان منذ نصف قرن ليس هو الإنسان اليوم، وقد نتفق مع ذلك العالم الذي أصر بأن ما شهدته الإنسانية من تقدم واختراع الطاقة والسيارة والطائرة ووسائل العمران والشركات العابرة للقارات والهواتف النقالة والأنظمة الاقتصادية، وآخرها الأنترنيت، وغير ذلك من الاختراعات التي يلزم صفحات وصفحات من أجل تعدادها، بل حتى في زمن الأوبئة، طور هذا الإنسان معيشته وقام باختراعات جديدة، منها الاحتفال عن بعد، والضغط فقط على زر لتسهيل الاجتماع ومباركة الأعياد لمن نحب.. استطاع الإنسان – كما يقول ذلك العالم – أن يحقق من نهاية القرن التاسع عشر إلى ما بعد نهاية القرن العشرين ما لم تحققه الإنسانية منذ تاريخ وجودها، وهذا معناه أن أجيالنا كان لها حظ معاصرة أوج اختراعات الإنسان..

تتمة المقال تحت الإعلان

 ونخلص إلى أن هذا الإنسان الذي غير نفسه من أجل البقاء لكنه فرط في ذلك الدفء الطبيعي الذي تحمله الأعياد عادة.. هذا الدفء الذي بالرغم من الإحساس به نفسيا من طرف الجميع، والذي أسمى ما فيه سلوك الأطفال والصغار وفرحتهم بالعيد واللباس والحلوى والتجمع.. لا فرق بين غني وفقير، وصغير وكبير، ولا أدري إن كان ما يتقاسم على وسائل التواصل الاجتماعي صحيحا من أن منظمة الصحة العالمية غيرت هي الأخرى مفهوم الأعمار وتسميات الشباب والشيخوخة، وأطلقت على فترة الطفولة امتدادها إلى 17 سنة وفترة الشباب 18-65 سنة، وأواسط العمر 66-79 سنة، وكبار السن وليس الشيوخ، لأن هذا المفهوم أصبح في حكم كان، باعتبار أن الشيخوخة خلق لها الإنسان عقاقير طبية وأنظمة حمية وأساليب التجميل حتى اندثرت الشيخوخة المسكينة، وأصبحت لا تفرق بين أصحابها وصاحباتها، وبين متوسطي العمر، وأصبحت لا ترى إلا في دور العجزة التي سموها دور كبار السن الذين حددوا لهم ما بين 80 و99 سنة، أما فوق هذا، وتساهلا سموهم ذوو الاحتياجات، ولا أدري لماذا لم يطلقوا بعد اسما على ما فوق 100 سنة، أي قرن من الزمان، وقد فسر لي أحد الأصدقاء المثقفين الأعزاء، أنه في صغره كان كبار السن في السبعينات وكانوا قلة منذ سبعين سنة، لا يفاجئون بخبر وفاتهم كما أصبحنا اليوم لا نفاجأ بأخبار وفاة المعمرين أصحاب القرن، وكثيرا ما ذكرت صديقي العزيز بالنكتة الجميلة التي نكت بها أحد أصدقائه عليه عندما كانوا في عطلة في إحدى الليالي في ليلة ثلجية، وسمعوا بخبر وفاة أحد معارفهم المشهورين، وسأل أصحابه عن سن المتوفي فأخبروه بأن المرحوم لا يمكن أن يتجاوز بداية السبعينات، فعلا صوته متأسفا ومتفاجئا أمام رجال ونساء المجمع وصاح دون شعور :”باقي صغيييير بزاف مسكين”، فردوا عليه: “معلوم ما دمت صحت وتفاجأت، لأن انطباق نفس السن عليك هو السبب”، وأصبحت نكتة كلما تكلمنا مع صديقنا العزيز نقول له بأن فلانا أو فلانة “باقي صغيييير بزاف” (بتمديد الياء).

يتبع

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى