كواليس الأخبار

تحت الأضواء | العبودية في المغرب بين الواقع التاريخي والمواثيق الدولية

بقلم: عبد الرفيع حمضي

    عندما عرض المغرب تقريره الثاني المتعلق بتنفيذ وإعمال اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري أمام اللجنة الأممية المختصة، في دورتها 111 بجنيف – وهي بالمناسبة لجنة تضم خبراء مستقلين من مستوى عال – تفاعل أحد الخبراء الأفارقة مع تقرير المملكة المغربية وتساءل بلغة أجنبية سليمة عن المجهود الذي يقوم به المغرب لتشجيع البحث العلمي لتسليط الأضواء على المرحلة التاريخية التي عرف فيها تجارة الرق والعبودية، وذلك لتفكيك كل ألغاز الظاهرة، وهي عديدة ومتشعبة.

في رده عن هذا السؤال، قام رئيس الوفد الرسمي المغربي الرفيع المستوى، فأرغى وأزبد بعد الالتباس الذي حصل في فهم السؤال والناتج احتمالا إما عن اللغة المستعملة أو الترجمة الفورية، حيث فُهِمَ من تدخل الخبير سؤال عن “وضعية الرق بالمغرب الآن”.. المهم مرت الأزمة بسلام.

وعلى هامش الاجتماع، اكتشفت في هذا الخبير الأممي أنه من المتابعين لكل ما كتب عن الرق بمنطقتنا، وأنه قارئ نهم لكل ما كتبه الأستاذ محمد الناجي ورحال بوبريك، حول الموضوع، مع العلم أن الإنتاج المعرفي المغربي في هذا المجال جد محدود، وأن أهم المراجع كتبها الفرنسيون والإنجليز وبعض الأمريكيين. ولعل جزء من هذا الحذر في البحث العلمي، سواء في تجارة العبيد ببلادنا أو في العبودية – رغم البون الشاسع بينهما – يعود إلى علاقتنا كمغاربة بالمقدس واختزال هذه العلاقة في الحلال والحرام، وفي تدرج وتطور موقف الدين الإسلامي، من تساهل في البداية إلى ضبط وتقنين بعد ذلك، إلى المنع لاحقا، وبالتالي، فالأمر حسم في ذهن المسلمين عامة منذ أكثر من 14 قرنا، وأصبح الحكم جاهزا، وهو “لا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى”، و”متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”.. وهكذا يكون الموضوع قد أقفل ورحل من مجال البحث السوسيولوجي والأنثروبولوجي إلى مجال الدين والفقه.

تتمة المقال تحت الإعلان

ليبقى الواقع عنيدا لا يقبل التجاهل والتوافقات.. فلا زال بيننا هنا والآن من جده الأول، أي والد أبيه أو أمه، كان عبدا، وأن أحد أنشط أسواق النخاسة كان سوق “الغزل” بمراكش، والذي استمر إلى غاية سنة 1930، مع العلم أن الاستعمار الفرنسي، تحت ضغط الرأي العام الأوروبي، جعل من القضاء على تجارة العبيد أولوياته بمستعمراته، لتستمر العبودية بأشكال أخرى طبعا.

وفي هذا الإطار، كتب الأستاذ بوبريك رحال: ((كانت مدينة مراكش من أكبر أسواق العبيد في المغرب، لأنها أقرب المدن جنوبا إلى مناطق وصول القوافل، ولتوفر شروط سوق تستقطب زبائن من مناطق عدة، وكانت السوق تخضع لمراقبة المخزن، ولضوابط توثيق عمليات البيع وتحصيل الضرائب لخزينة الدولة، إذ كانت تُؤدى للمخزن أعشار عن بيع الرقيق، مع العلم أن عددا لا يستهان به من العبيد كان يباع في الأسواق الصغيرة والمواسم بالقرى والمداشر جنوب المغرب قبل أن يصل إلى مراكش))، أما الباحثان خالد الصغير ومحمد الناجي، فقد ذكرا في كتابهما La Grande-Bretagne et l’esclavage au Maroc au XIXe siècle  ، أن ((عدد العبيد الذين تم بيعهم في السوق المغربية في أواخر القرن التاسع عشر، تراوح ما بين 7000 و8000 في السنة))، في حين تناول روجي لوطورنو في كتابه: “فاس قبل الحماية”، أنواعا من العقود التي كانت توثق عملية بيع العبيد، وإليكم نموذج لعقد أبرم في بلاد الإسلام بين واحد شريف والآخر حاج، والعملية لم تتم في عهد أبي لهب، بل في 7 جمادى الثانية بعد مرور 1316 سنة على هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم الموافق لـ 23 أكتوبر 1898م. تقول الوثيقة: ((الحمد لله.. اشترى الشريف سيدي هاشم بن الشريف سيدي إدريس الصقلي الحسني من بائعه الحاج العربي بن عبد الغني المومني، الملكية التامة لأَمَة تسمى الآن الياقوت، لونها لون القهوة الممزوجة بالحليب، وقامتها مائلة إلى القصر، لها شفتان غليظتان وأنف أفطس جدا وحاجبان كثيفان، وبلغ ثمن البيع ثلاثين ريالا، وأبرم الطرفان العقد وتبادلا فورا الشيء المبيع، وأبرأ كل واحد منهما الآخر، حسب العرف في هذه المادة، ممتنعين عن كل طعن بعد تصفية القضية والانتفاع، وقَبِلَ المشتري أن يتنازل عن فوائده العادية في شأن بيع هذه الأمة، اللهم إذا بالت في الفراش، الشيء الذي لا يقبله هذا الشرط)).

وفي الأخير، وإذا كانت الإنسانية قد طوت مرحلة الرق بشكله البدائي، فإن نفس الإنسان قد اجتهد في ابتكار أنواع جديدة للرق يتظافر المجتمع الدولي منذ مدة في محاربة كل أشكاله المتعلقة بالاتجار في البشر، التي تقول الأمم المتحدة أنها تحتل عالميا الرتبة الثالثة من حيث رقم المعاملات بعد تجارة المخدرات وتجارة السلاح، بعدما كانت نفس تجارة الرق بالمغرب أكثر مردودية من تجارة ريش النعام وأنياب الفيل المستقدمة كلها من بلاد السودان.

تتمة المقال تحت الإعلان

يبقى السؤال: لماذا لازال يفضل أهل الجاه والنفوذ والمال ببلادنا أن يكون السائق “لْوِيِنْ” والخادمة بالمنزل ذات بشرة غامقة؟

رحم الله بول باسكون وألف شكر لرحال بوبريك ومحمد الناجي وخالد الصغير.

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى