الرأي | نزهة في متحف الدكالي (2)
تزين متحف الموسيقار الدكالي بمختلف الهدايا كما الأفكار التي أوصلته لقمة المجد الموسيقي.. فهذه أوسمة أنعم عليه بها ملوك المغرب، وهذه شهادات من ملوك ورؤساء دول، وهذه آلات موسيقية من عود محمد عبد الوهاب والقصبجي، وهذه صور مع كبار الفنانين، وهذه هدايا رمزية تقديرا لفنه من شخصيات عالمية، وهذه لوحات فنية بريشته، ولوحات للعقاد وبيتهوفن وموزار، وغيرهم من كبار الفنانين والأدباء والشعراء والصحفيين، وهذا سرير بيت نومه الأول مهبط إلهامه، وهذه ولاعات مختلفة كل واحدة تجسد تاريخا، وهذه ساعات أنيقة، وهذا مذياع يجسد فترة ما قبل الأنترنيت، وهذه مجلات وصور نادرة تتحدث عن فن الموسيقار وألبوماته، وهذه ستائر بألوانها الجميلة وأرائك مريحة لم أستطع النهوض منها راحة رغم قدمها، على خلاف أرائك اليوم، التي يشعر المرء أحيانا بالتعب بمجرد الجلوس عليها، والفنان أقرب إنسان إلى البحث على راحة الجسد عندما تحلق روحه إلى سماوات الإبداع وأتمنى ألا يحرم أي إنسان من زيارة هذه المعلمة التاريخية التي فتحت للعموم..
أما المكان، فقد خصه الأستاذ عبد الوهاب الدكالي في جزء من سكنه في تلك العمارة التي يسمونها أول ناطحة سحاب في إفريقيا، ومن إطلالة الطابق السابع عشر، وسميت عمارة الحرية، وبنيت ما بين 1949 و1959، والتي استطاع المهندس السويسري الأصل، ليوناغ موراندي، أن يجمع رؤوس الأموال من ثلاثة مستثمرين من ليون وغرونوبل ومارسيليا، بل أسكنت هذه العمارة عدة مشاهير، من بينهم جاك لوميجر دوبروي (1894-1955)، رجل الأعمال ومسير مجموعة “لوسيور”، وهو من عائلة بورجوازية كان أحد أجداده وكيلا للملك بمنطقة كروز الفرنسية، ومن عائلته المحامي أليكسي لوميجر .
وكان من المدافعين الأولين عن استقلال المغرب، وتم اغتياله قبل الإعلان عن الاستقلال بفترة وجيزة سنة 1955، ولم يكتب له أن يرى ثمرة نضاله من أجل استقلال بلادنا، وسميت تلك الساحة أمام العمارة باسمه، “ساحة جاك لوميجر ديبرو”، وهو زوج سيمون لوسيور، مؤسس شركة “لوسيور”، وهو الذي أصبح بعدما ورثت زوجته المجموعة من والدها، رئيس مجلس الإدارة في فرنسا والخارج، وهذا هو سبب تواجده بالدار البيضاء ومساهمته بماله وقلمه من أجل الدعوة إلى استقلال المغرب وعودة الملك محمد الخامس من منفاه، وعند اغتياله قال فرانسوا مورياك، الحاصل على جائزة نوبل للآداب، عند نعي جاك دوبراي: “إنه لشيء كبير أن تتوج الصداقة بين شعبين من أن يكون لهما نفس الشهداء”.
والحقيقة، أن الموسيقار عبد الوهاب الدكالي عندما اختار العمارة برمزيتها التاريخية والوطنية كمقر للمتحف، وهي تطل على كازابلانكا الجميلة، يستحق جائزة نوبل للفن، ويستحق دكتوراه فخرية كما قال أحد رؤساء الجامعة الحاضرين في الحفل، وكما قال أستاذنا إدريس الضحاك، بأن التوثيق مظهر حضاري للإنسان، أما عبد ربه، فلم أجد ما أقول إلا قصيدة ألهمني بها هذا المتحف تساءلت فيها مع مدينتي العزيزة وقد التقينا صدفة على مكان المتحف فوجدنا فيه أنفسنا دون أن نشعر، وتقول القصيدة التي تشرفت بإلقائها في جنباته:
ولما سألت البيضاء زائرا قصدي وقد تاهت بي مسالك وعرة وطرقات
أجابتي وقد احتشمت حياء عما تسأل فلكل سؤال عندي جواب وأحداث !
لا يا سليلة الأمجاد زائرك مغرم داعبته أوتار قادته إليك يا فاتنة مدن ونغمات