الرأي

الرأي | شيء من حياتي (7)

بقلم: نور الدين الرياحي

    في الفصل 32، يتحدث الموسيقار عبد الوهاب الدكالي عن إقلاع السفينة، وبعد تسعة أيام من الإبحار، ظهرت مدينة الإسكندرية، ومنها إلى القاهرة للبيت في شارع قصر النيل، وكان اهتمام الصحافة المصرية بالفنان المغربي قد أعطى له جواز دخول إلى عاصمة الفن في الشرق، وفي الفصل 33 المسمى “اللغة والإعلام”، فقد حقق الله سبحانه وتعالى أمنية تعاقد البعثة الفنية مع صوت العرب لتسجيل أغاني خاصة وفي أجواء وحماس أغنية: “إيه أمة المغرب.. إيه دولة المغرب”..

بدأ اسم الدكالي ينتشر لدرجة أنه استدعى أستاذا ليعلمه اللهجة المصرية، لم يكن إلا الشاعر الرقيق محمد الجيار، الذي بقي يزوره حتى حكى له القصة المشوقة التي وقعت له مع حسناء كانت تسكن في نفس العمارة وكانت وكانت صورة طبق الأصل لمارلين مونرو، وهي السبب في إلهام الشاعر الذي من خلال سذاجتها وجمالها وتدخين سيجارتها، كتب قصيدة “لا تتركيني” التي وعدنا الكاتب بالرجوع إلى تفاصيلها فيما بعد، لذلك ستكون السيرة الذاتية ليست فحسب مذكرات وأدب رحلات، وإنما أسباب نزول إلهامات موسيقاه وأشعار الكلمات، ويكفي القراء أن يطلعوا على هذه الأسباب التي لن يجدوا لها مثيلا إلا في هذا كتاب “شيء من حياتي”، لكن الفصل 34 يحكي عن قصة اللقاء العجيب بين الشاعر الغنائي الكبير حسين السيد، الذي غنى له محمد عبد الوهاب “اجري وديني قوام”، هذا الشاعر الذي كان يتهافت عليه كبار المطربين والمطربات بمبالغ باهظة، وأصبح يؤلف لعبد الوهاب الدكالي دون أن يطالب بأي قرش، والقصة طريفة وغريبة، ذلك أنه منذ أول لقاء به، أخبره بالقصة التي حكتها والدة حسين السيد لولدها الشاعر، وهي أن أحد المغاربة في بغداد وهو فقيه مشهور، كان هو سبب تواجده بعد الله والشفاء من ذلك المرض المبهم الذي كان يقضي على أطفالها، ولما ازداد الشاعر، وخوفا من أن يلقى مصير الموت، نصحوا والديه بعرضه على هذا الفقيه المغربي الذي اختلى به مدة تزيد عن شهر وهو رضيع، في تلاوة القرآن وإطعامه بالماء والسمك، وأخرجه إليهم سليما معافى من سحر كان أحد خطابها الذي أحبها والذي لم تتزوجه والدته، لجأ إلى السحر والشعوذة، وبعد شفاء الصغير، تنبأ له بمستقبل كبير، لذلك أبى حسين السيد إلا أن يرد دين المغرب بالاحتفاء بفنانه الكبير.

وفي الفصل 35، “الأغنية المعجزة” التي كتبها حسين السيد والتي ضاق الوقت لتصويرها بعدما تعذر اللقاء مع الموجي، فأوحى الشاعر إلى الدكالي ليلحنها بنفسه، وكان تشجيع هذا العبقري كافيا لشحن عزيمة الكاتب بأن يسهر إلى الثالثة صباحا ليخرج لحن “حكايتي” و”يا حبي” في تلك الحلة التي كتب عنها الصحفي الكبير في مجلة “آخر ساعة” تلك الصفحات التي أدخلت الكاتب إلى عالم المجد والشهرة في مصر.

تتمة المقال تحت الإعلان

وفي الفصل 36 المعنون بـ”أول لقاء مع محمد عبد الوهاب”، يسترسل الكاتب في تلك الصدفة المكتوبة أثناء تصوير “الأغنية المعجزة” ليجد في ظلام الأستوديو محمد عبد الوهاب وبجانبه زوجته نهلة، والذي كان يشاهد شريطا من ألحانه تخللته فيما بعد “الأغنية المعجزة” ولم يكن يعلم سبب ذلك السكون والاحترام المبالغ الذي تشهده جنبات الأستوديو جراء تواجد شخصية أعجبت بالأغنية وتحرص على معرفة ملحنها هل الموجي أم كمال الطويل، فأخبروه أنه عبد الوهاب الدكالي المغربي.. هكذا كان اللقاء المعجزة بين محمد عبد الوهاب وعبد الوهاب الدكالي الذي لم يصدق عينيه أنه أمام عملاق الموسيقى العربية الذي كانت أغنية “مسافر زاده الخيال” التي غناها منذ 12 سنة في مسرح فاس وبإيعاز من المرحومة فتيحة أخته، هو من يتكلم معه وجها لوجه ويوصله بسيارته إلى بيته بشارع قصر النيل، وهو لا يكاد يصدق ما يقع.

ومن خلال هذه السيرة، يتبين أن العبقريات لا تنشأ بالصدف وإنما بإرادة من الله هي الوحيدة التي يمكن أن تجعل كل هذه العوامل تتظافر ليكتب لبلادنا أن تنشأ فيها هذه العبقرية وهذا العملاق الموسيقي الذي شرف الوطن والموسيقى العربية بهذا العطاء المتواصل فنا وكتابة ورسما وأدبا وحبا وأخوة، أطال الله عمره.

يتبع

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى