تحقيقات أسبوعية

متابعات | صندوق التنمية القروية يتحول من خلاف بين بن كيران وأخنوش إلى صراع طاحن بين المنصوري وصديقي

عاد إلى الواجهة من جديد الصراع والخلاف حول “صندوق التنمية القروية” بين مكونات الأغلبية الحكومية، بعدما كان سببا في صراع كبير بين عبد الإله بن كيران وعزيز أخنوش عندما كان وزيرا للفلاحة، مما طرح العديد من التساؤلات حول مآل أموال هذا الصندوق التي تقدر بـ 500 مليار والتي تصرف فقط في القطاع الفلاحي دون استفادة باقي القطاعات والمناطق الجبلية من حصصها في التنمية، مما جعل قيادات ونواب في حزب الأصالة والمعاصرة يطالبون بإعادة الصندوق إلى أصله الطبيعي عندما كانت وزارة التعمير والسكنى في عهد الوزير توفيق احجيرة، تشرف عليه، بينما يطالب آخرون بتقسيم الإشراف مناصفة بين وزارتي الإسكان والفلاحة حسب الاختصاصات.

إعداد: خالد الغازي

    لقد فجرت مقترحات تعديل مشروع قانون المالية خلافات بين مكونات الأغلبية فيما يتعلق بالإشراف على “صندوق التنمية القروية”، حيث برزت تدخلات من قبل فرق الأصالة والمعاصرة والاستقلال بالبرلمان، تطالب بالإشراف الثنائي على الصندوق بين فاطمة الزهراء المنصوري ومحمد صديقي، وهو ما رفضه فريق حزب التجمع الوطني للأحرار، فيما دعا حزب الاستقلال إلى نقل الوصاية على الصندوق المذكور إلى وزارة التجهيز والنقل التي يرأسها نزار البركة.

تتمة المقال تحت الإعلان

وأسفر هذا التنافس بين أحمد التويزي رئيس فريق “البام” ومحمد غيات رئيس فريق الأحرار، عن تصدع داخل الأغلبية، بسبب تمسك الأخير ببقاء التصرف في الصندوق حكرا على وزير الفلاحة، بينما يطالب نواب “البام” بأحقية المنصوري في تدبيره اعتبارا لتمويل الصندوق لبرامج السكن في العالم القروي. ومما زاد من تفاقم الأزمة، دخول نور الدين مضيان، رئيس فريق الاستقلال على الخط، عندما طرح إشكالية الطرق في العالم القروي وعدم استفادة وزارة التجهيز من الصندوق، معتبرا أنه من أحقية وزارة التجهيز والماء التي يشرف عليها نزار البركة، الإشراف على جزء من صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية حسب اختصاصها.

وحسب مصادر مطلعة، فقد اعتبرت فاطمة الزهراء المنصوري وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان، خلال اجتماع لحزب الأصالة والمعاصرة، أن صندوق التنمية القروية مثل سكب الماء في الرمل، مطالبة بإلحاقه بوزارتها لكي تحوله إلى منجزات على أرض الواقع، الأمر الذي أغضب قيادات حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يعتبر أن “الصندوق خط أحمر بالنسبة للحزب مثله مثل مخطط المغرب الأخضر”.

عبد الرحيم العلام

في هذا الإطار، يقول المحلل عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض، أن أزمة “صندوق التنمية القروية” بدأت في عهد حكومة عبد الإله بن كيران، حيث كان هذا الأخير يريد أن يظل الصندوق تحت وصاية رئاسة الحكومة، بينما كان يريد وزير الفلاحة آنذاك عزيز أخنوش، أن يكون تحت تصرف وزارته، مما أدى لحدوث خلاف وصراع كبير كاد أن يعصف بالعلاقة بين الرجلين، فمنذ تلك الفترة استمر سوء التفاهم وظلت الخصومة قائمة بينهما، ولكن في آخر المطاف تنازل بن كيران تحت ضغط قوي ليعطي الصندوق لوزارة الفلاحة، واليوم يحصل نفس السيناريو.. هناك صراع وخلاف بين مكونات الأغلبية حول من يدير هذا الصندوق لأنه يضم أموالا كبيرة، ومن يشرف عليه تكون لديه علاقة مباشرة مع المنتفعين مثل الفلاحين أو منعشين عقاريين، والشركات المختصة في تجهيز الطرق، والجماعات التي تضم منتخبين وبرلمانيين، حيث نرى أن المنصوري تريد أن لا يظل حزب التجمع الوطني للأحرار وصيا على الصندوق بل يمنح لحزبها، لكنهم لم يتوصلوا لاتفاق لتوزيع الصندوق حسب القطاعات في ما يشبه “الوزيعة”، إذ أن كل حزب يريد أن يدبر هذا الصندوق، والملاحظ أن بعض النواب من الأصالة والمعاصرة الذين كانوا يطالبون بسحب الصندوق من الأحرار أو تقسيمه بين التجمع و”البام”، غيروا موقفهم وأصبحوا يدافعون عن بقاء الصندوق في يد حزب الأحرار.

تتمة المقال تحت الإعلان

وحسب نفس المصدر، فإن طبيعة الصراع هي مسألة سياسية محضة ومساومة حول “صندوق التنمية القروية”، خاصة وأن الوزيرة المنصوري لم تساير طرح بعض البرلمانيين في الأغلبية فيما يتعلق بهذا الصندوق، مما دفعهم للدفاع عن شركات المحروقات بكونها تقوم بعملها ولا يوجد أي مشكل، وأن الأمر ليس فيه مصلحة عامة وإنما مصلحة ذاتية، وهذا هو الذي يضرب سياسة المغرب في مقتل، إذ أن المصالح الذاتية تكون هي الأصل، بينما المصالح العامة وسيلة لتغليب المصلحة الذاتية على المصلحة العامة، فكل جهة تريد تدبير قطاع معين عبر التقرب إما من الناخبين أو جهات أو لوبيات أو شيء من هذا القبيل، ومن تم، فهذا هو سبب الخلاف والصراع داخل الأغلبية، معتبرا أن الصندوق بما أنه كان أحد مسببات الصراع وظهور بوادر الخصومة بين التجمع الوطني للأحرار والعدالة والتنمية، من شأنه أن يعصف أيضا بالعلاقة بين أحزاب التحالف الحكومي، خاصة وأن تحالف هذه الأحزاب هو زواج غير منسجم، واليوم كل نقطة ترمي بحجر يعكر صفو هذه العلاقة المكدرة أصلا، لهذا سيبقى هذا الصندوق نقطة خلاف وأصل المشاكل، سواء بين أحزاب الأغلبية أو داخل الأغلبية نفسها.

وأوضح ذات المتحدث، أن الخلاف حول “صندوق التنمية القروية” يمكن أن يكون ناتجا عن مساومة في الكواليس داخل الحكومة، خاصة بعد الحديث عن أموال صندوق الإعمار وصندوق الكوارث، مما جعل حزب الاستقلال بدوره يدخل على الخط، لكونه وصي على تجهيز الطرق والسدود، لهذا فالكل يريد حصته من الصندوق المتنازع عليه بمنطق “الوزيعة” لأجل المصلحة، قائلا: “إن التدبير الحكومي بشكل عام عن طريق الصناديق هو أمر غير إيجابي، لأن المفروض من الحكومة أن تكون منسجمة وكل قطاع وزاري تكون لديه ميزانية، يدبر عمله واختصاصه بها، لكن بسبب هذه التركيبة غير المنسجمة للحكومات وغياب الالتقائية في التدبير، تجد نفس القطاع يشرف عليه أكثر من وزير، والوزراء منتمون إلى أحزاب مختلفة وكل وزير يريد أن ينتصر لحزبه، ومنه عدم الانسجام الحكومي هو الذي يخلق مثل هذه المشاكل، ووجود هذه الصناديق أيضا يزيد الأزمة استفحالا، وفي الأصل من المفروض على الحكومة أن تدبر الأمر عبر ميزانيات القطاع، وتدبر السياسة العمومية عبر ميزانيات قطاعية، وكل قطاع له ميزانية محددة، ويتم التقليل من عدد الوزارات حتى تكون الوزارة تضم قطاعات متكاملة ومتجانسة، وبالتالي يكون عملها جيدا بدل الصراع حول هذه الصناديق”.

رشيد حموني

من جهته، أرجع النائب البرلماني رشيد حموني، سبب الصراع حول “صندوق التنمية القروية” إلى عهد حكومة بن كيران، حيث كان رئيس الحكومة هو من يتكلف بالتنسيق والإشراف عليه، لكن تم تمرير تعديل في عهد وزير المالية محمد بوسعيد، ليصبح تدبيره تحت سلطة وزير الفلاحة آنذاك عزيز أخنوش، مما أدى إلى خلق ضجة كبيرة حول سحب الاختصاص من رئيس الحكومة وتحويل الصندوق إلى وزير الفلاحة، وهو الأمر الذي صرح به بن كيران مؤخرا كونه تعرض للتلاعب وسحب اختصاصاته، مضيفا أن الصندوق اليوم يدبر من قبل وزارة الفلاحة، لكن في الأصل والواقع أن الوزارة هي منسقة فقط في تدبيره رغم أنها مساهمة في ميزانية الصندوق إلى جانب المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومجالس الجهات، حيث تتم برمجة المقترحات من قبل العمال والولاة، ثم من بعد يتم تنفيذ هاته المشاريع، لكن خلال قانون المالية الحالي، أثير النقاش حول اختصاصات هذا الصندوق، حيث يقول “البام” مثلا، أن كل ما يتعلق بالسكن يعطى لوزارة السكنى، وكل ما يتعلق بالفلاحة يعطى للفلاحة، بينما طلب حزب الاستقلال بدوره الحصول على مشاريع الطرق والتجهيز، مشيرا إلى أن المجموعة النيابية للعدالة والتنمية جاءت بتعديل على أساس أن يتم توزيع هذا الصندوق ما بين وزارتي السكنى والفلاحة، لكن تم رفض المقترح من قبل نواب الأغلبية، لتفادي تعميق الصراع.

تتمة المقال تحت الإعلان

وأكد رئيس فريق التقدم والاشتراكية في مجلس النواب، أن النقاش المحتدم حول “صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية” ما زال مطروحا في ظل عرض مشروع قانون المالية على مجلس المستشارين، متسائلا: هل سيذهبون في إطار التقسيم الثلاثي بينهم؟ وهل سيتم إعادته لرئيس الحكومة لأنه لحدود الساعة لا زالت وزارة الفلاحة هي الوصية على الصندوق؟ ولكن في انتظار قراءة ثانية يبقى السؤال: ماذا سيأتي به مجلس المستشارين؟ فقد كان هناك نقاش بين الأغلبية خلال الأسبوع الفارط، وداخل الكواليس تتم المناقشة لأجل توزيع موارد الصندوق، ولكن سيتم حسم الموضوع في مجلس المستشارين من خلال تقديم التعديلات، وإذا تم تعديل طريقة تدبير الصندوق، فهؤلاء يسعون لتوزيع الحصص فيما بينهم لأن هدفهم هو الانتخابات وتوزيع الصندوق الذي يضم 50 مليار درهم.

وكشف نفس المتحدث، أن الصناديق التي تشرف عليها الحكومة عموما لا تخضع لمراقبة البرلمانيين، ويسعى فريقه والمعارضة، في إطار إعادة النظر في القانون التنظيمي للمالية، لكي تكون هذه الصناديق خاضعة للمراقبة البرلمانية، إذ أن الوزير قدم فقط المشروع دون إثارة هذه المسألة التي تعتبر ضرورية ومهمة في إطار الحكامة والتقييم، مشددا على ضرورة أن تخضع هذه الصناديق والمؤسسات العمومية للمراقبة والمحاسبة والمساءلة، لكون البرلمان لا يناقش مشاريع صندوق التنمية القروية، وبصفة عامة جميع الصناديق لا تتدخل فيها الفرق البرلمانية، وإنما تبقى من اختصاص القانون التنظيمي للمالية، مشيرا إلى أن الاستثمارات العمومية لا توزع بشكل عادل على مستوى الجهات، بحيث أن 60 في المائة من ميزانية الدولة تذهب لثلاث جهات وبقية الجهات تأخذ “الفتات”.

فقد تبين عقب كارثة زلزال الحوز، أن الكثير من المناطق القروية والجبلية لا تستفيد من برامج التنمية التي يمولها صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية، في ظل غياب استراتيجية حقيقية للتعامل مع هذه المناطق النائية، وفي ظل الخصاص التنموي الكبير الذي يؤكده واقع هذه المناطق وتدني مؤشرات التنمية والولوج إلى مختلف الخدمات الضرورية، مما يجعل هذا الصندوق لا يقوم بأي دور فعال في مواكبة التنمية في المناطق الجبلية، حيث يقتصر فقط على المساهمة في برنامج تقليص الفوارق المجالية بمساهمة مالية تقدر بحوالي 23 مليار درهم، بينما تساهم الجهات ومبادرة التنمية البشرية بـ 26 مليار درهم.

تتمة المقال تحت الإعلان

وقد سبق أن طالب نواب من الأغلبية والمعارضة بالبرلمان، بتقييم عمل صندوق التنمية القروية من خلال لجنة برلمانية، للوقوف على مكامن الخلل في تنفيذ مشاريعه، من خلال لجنة لتقصي الحقائق، حيث قال عبد الله بوانو: إن التقييم لا عيب فيه، وأن الجميع معني به للوقوف على مكامن الخلل في تنفيذ مشاريعه، ولماذا لم يظهر لها أثر في بعض المناطق، ومنها المناطق المتضررة من زلزال الحوز؟”.

وتقترح جهات برلمانية محايدة، تفويض مهمة الإشراف على موارد الصندوق لوزارة الداخلية، من خلال عمال الأقاليم، باعتبار تدخلهم يهم العالم القروي، ووجود قسم للشؤون القروية، وذلك لإبعاده عن المزايدات السياسية وضمان النجاعة في تدبيره، إلى جانب تكليف وكالة “تنمية الأطلس الكبير” بالإشراف على موارده المالية، باعتبارها ستشرف على الأقاليم المتضررة من زلزال الحوز.

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى