تقرير

تقرير | هل يتسبب بيع الحكومة لممتلكات الدولة في إضعاف السيادة الوطنية ؟

عاد الحديث من جديد عن سعي الحكومة نحو خوصصة المؤسسات العمومية وقطاعات حيوية مهمة، وذلك في إطار تنفيذ توصيات المؤسسات المالية الدولية والبحث عن عائدات مالية لإنعاش خزينتها وتفادي العجز التجاري، حيث كشف تقرير حول المؤسسات والمقاولات العمومية، المرفق لمشروع قانون المالية، صادر عن وزارة الاقتصاد والمالية، عن خوصصة مجموعة من الشركات العمومية برسم سنة 2024 بقيمة متوقعة من تفويت الأصول وعائدات تصل لـ 9 ملايير درهم سنة 2024 و3 ملايير درهم لكل من سنتي 2025 و2026.

إعداد: خالد الغازي

    وفق تقرير وزارة الاقتصاد والمالية، الصادر مؤخرا، فإنه بالنسبة للسنة المالية 2024، يتوقع برمجة تفويت، بالإضافة إلى مساهمات الدولة في رأسمال هيئات مدرجة سلفا في لائحة المنشآت المزمع خوصصتها، شركات أخرى ستدرج في اللائحة المذكورة، وكذا تفويت بعض المساهمات المباشرة ذات الطابع غير الاستراتيجي للدولة”، ويتعلق الأمر بكل من شركة “استغلال الموانئ”، التي تمتلك فيها الدولة نسبة 25 في المائة، وشركة “اتصالات المغرب” 22 في المائة، وفندق المامونية، وشركة الطاقة الكهربائية، وشركة الإنتاجات البيولوجية والصيدلية البيطرية، والشركة الوطنية لتسويق البذور، ويتوقع إدراج شركات أخرى في اللائحة المذكورة إلى جانب تفويت بعض المساهمات المباشرة ذات الطابع غير الاستراتيجي.

تتمة المقال بعد الإعلان

فالخوصصة – حسب العديد من الخبراء والمحللين في الاقتصاد – هي من الحلول البديلة التي تلجأ إليها الحكومات لسد الثغرات والبحث عن عائدات مالية لتحمل  تكلفة المشاريع والبرامج الاقتصادية والاجتماعية، علما أن المغرب انخرط في نظام الخوصصة منذ بداية تسعينات القرن الماضي، نتيجة للتحولات والظروف الاقتصادية الوطنية والدولية، وتزايد الالتزامات الاجتماعية والإصلاحات الهيكلية في قطاعات الصحة والتعليم والفلاحة وصندوق المقاصة.

إن اللجوء إلى الخوصصة من قبل الحكومات يعني التنازل عن السيادة الوطنية الاقتصادية، ورهن قطاعات حيوية في أيدي شركات ولوبيات أجنبية لها أبعاد دولية، ستتحكم في الشأن الداخلي، سواء من الجانب الاقتصادي أو السياسي، ثم الثقافي والتعليمي، تقول ذات المصادر، إذ أن الانسحاب التدريجي والكلي للدولة من بعض القطاعات الحيوية، سيفقدها في النهاية القدرة على التدخل في المجال الاقتصادي، خاصة وأن المؤسسات المقترحة للخصخصة تعمل في مجالات حيوية، وهو ما يعتبره المحللون، رغبة الحكومة في الاستجابة لتطلعات رؤوس الأموال الأجنبية التي تبحث عن قطاعات منتجة وغير محفوفة بالمخاطر للاستثمار فيها.

في هذا الإطار، يرى المحلل الاقتصادي ياسين عاليا، أن مسار الخوصصة الذي أطلقته الحكومات في إطار الإصلاحات منذ أكثر من ثلاثة عقود، أي منذ سنة 1993، لا زال مستمرا إلى هذه الآن رغم أن زخمه الأكبر شهده المغرب خلال نهاية التسعينات وبداية الألفية الثالثة، وقد تراجع هذا الزخم بعض الشيء خلال هذه السنوات بحكم أن المداخيل المتوقعة تبقى ضعيفة نسبيا مقارنة مع الحاجيات التي يتوقع أن يحتاجها المغرب وأن تحتاجها ميزانية الحكومة، مضيفا أن إقدام الحكومة على خوصصة ما تبقى من المؤسسات العمومية الكبرى والتي طرحت سابقا كـ”مرسى المغرب” و”اتصالات المغرب”، هو تنازل عن آخر حقوقها على الرغم من أن هذا الإجراء أثار في كثير من الأحيان تحفظ العديد من الاقتصاديين الذين تحدثوا عن تضييع الحكومة لفرصة مهمة من أجل تعزيز مداخيلها من خلال شركات في قطاعات مهمة جدا، مثل قطاع الاتصالات والموانئ، والتي شهدت تطورا كبيرا خصوصا مع ميناء طنجة المتوسطي والحركية الكبيرة التي يشهدها يوميا، مما يحرم الحكومة المغربية من مداخيل مهمة.

تتمة المقال بعد الإعلان

وأوضح نفس المتحدث، أن الالتزامات الدولية بالنسبة للإصلاحات الاقتصادية، تفرض على الحكومة التراجع عما تمتلكه من مؤسسات اقتصادية منتجة وتوجهها نحو خوصصة الاقتصاد في إطار اندماجها الكلي مع التوجيهات المتعلقة بالحصول على ثقة المؤسسات البنكية الدولية، خاصة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، معتبرا أن هذه المداخيل تبقى ضعيفة رغم ارتفاعها عن معدل ثلاثة ملايير درهم الذي كان سابقا، ووصل إلى خمسة ملايير خلال سنة 2023، والتي قد تصل إلى 9 ملايير رغم أنها في هذه السنوات الأخيرة لم تحقق ذلك الرقم المطلوب، بحيث ظلت مؤشراتها سلبية غير محققة بالنظر إلى صعوبة خصخصة هذه المؤسسات، وعمليات الإدخال لن تجلب المبالغ المطلوبة والمرجوة من هذه العمليات مما يحد من فعالية هذه الإجراءات والتي لا تمثل السدس ولا تغطي مصادر الدين العمومي الذي من المتوقع أن تصل فيه إلى 60 مليار درهم، وهذا رقم أكبر بكثير من رقم تسعة ملايير درهم الذي تنوي الحكومة الاستفادة منه في عمليات الخوصصة.

بدوره، يقول الخبير الاقتصادي عمر الكتاني، أن الخوصصة مشكلة كبيرة وخطيرة عندما تعيش الدولة فوق الطاقة الاستهلاكية للمجتمع والمرتبطة بالطاقة الإنتاجية، حيث يتم اللجوء إلى المديونية أو الضرائب أو بيع رأسمال، وهذا أمر خطير، لأنه من المحتمل أن تشتري الرأسمال لوبيات أجنبية ويمكن لوبيات يهودية أجنبية، التي تضع المغرب هدفا بديلا لأوكرانيا، وهذه أخطار مستقبلية، مؤكدا أن الخوصصة وتفويت مؤسسات عمومية في قطاعات مهمة، قد تكون له أخطار مستقبلية، منبها مسؤولي الحكومة إلى استحضار المصلحة الوطنية وعدم الدخول في هذا المسلسل، وذلك بالبحث عن إجراءات بديلة، من قبيل تخفيض مجموعة من البنود الاستهلاكية والإنفاقية عوض الخصخصة.

وحسب نفس المتحدث، فإن الدولة قامت بوضع مجموعة من المشاريع لمساعدة عدة فئات اجتماعية، لكن مصدر التمويل هو بيع رأسمال شركات وتفويت مؤسسات لجهات أجنبية تسعى إلى السيطرة على القرار السياسي في المغرب، والسيطرة على الطاقة التفاوضية في المغرب والهيمنة السياسية، ويمكن الهيمنة الثقافية، لكي تفرض العديد من السلوكات والقوانين الدولية التي تصب في إطار التحرر من مفهوم الأسرة، والتحرر من مفهوم الجنس، والتحرر من مجموعة من المفاهيم، لأن مجموعة من الدول الآن – وهذا غير خاف – تستعمل أسلوب الاستثمار الأجنبي الخارجي للتوغل في القرار الاقتصادي ومنه القرار السياسي، ومنه في القرار الثقافي.

وقال ذات المصدر، أن وضع مؤسسات عمومية في إطار الخوصصة تنشط في قطاعات حيوية للاقتصاد الوطني، من قبيل القطاع الفلاحي والتجاري والموانئ، يؤكد أنه ليس لدينا قطاعات استراتيجية ومجالات محصنة فيها خط أحمر لا يسمح لأي أجنبي بامتلاكها، لا سيما في ظل تفويت وبيع الأراضي الفلاحية وبيع شركات إنتاج المواد الزراعية والموانئ وغيرها، مضيفا أن خوصصة المؤسسات العمومية يسبب أضرارا معنوية كبيرة وهي أخطر من الأضرار الاقتصادية، والتي تتمثل في فقدان السيادة والهوية المغربية وحرية القرار في المغرب، لهذا فانعكاساتها تكون سلبية أكثر من الجانب الاقتصادي، ومنه فالسياسة إذا لم تكن فيها توقعات والأخطار المتوقعة والمحتملة على عشرين سنة، فهي ليست بسياسة اقتصادية ولا اجتماعية ولا ثقافية، وعندما تتخذ مثل هذه القرارات، فحتما ستأتيك بعد عشرين سنة بما هو أخطر، لأن السياسة يلزمها الانتباه ومراجعتها والتوقف عند كل محطة، لتفادي السقوط في الهاوية مستقبلا، ولا بد من دق ناقوس الخطر وأن نحتاط من المخططات التي تنفذ الآن، لأننا نعيش في عالم منفتح على كل الاحتمالات..

فحسب المذكرة التقديمية لمشروع قانون المالية لسنة 2024، تراهن الحكومة على تحقيق عائدات مالية تصل لـ 5 مليارات درهم (500 مليار سنتيم) من خوصصة بعض المؤسسات العمومية خلال سنة 2024، ونفس المبلغ كانت الحكومة قد اقترحته في قانون المالية لسنة 2023 والسنة التي قبلها، إلا أن عمليات تفويت مساهمات الدولة في المؤسسات العمومية تم تأجيلها، لأسباب غير واضحة، وربما نتيجة غياب عروض في مستوى تطلعات الحكومة.

فقد شرع المغرب في عملية تحرير اقتصاد السوق منذ سنة 1991، تمثلت في خصخصة الشركات العمومية وفتح رأسمال بعض الشركات الأخرى، وقد بلغت الموارد المالية لعمليات الخصخصة منذ بدايتها حوالي 10 ملايير دولار، لكن نتائجها لم تكن وفق التطلعات، خاصة بالنسبة لبعض القطاعات الحيوية، باستثناء قطاع الاتصالات، الذي حقق نتائج جيدة من العملية، بينما أسفرت قطاعات أخرى عن انعكاسات سلبية للاقتصاد الوطني، مثل قطاع المحروقات، الذي أصبح متحكما فيه من قبل شركات خاصة لا تلتزم بقواعد المنافسة.

إن عملية الخوصصة، باعتبارها رؤية اقتصادية جديدة تلجأ إليها كل حكومة للاستفادة من العائدات المالية بهدف إعادة استثمارها من جديد في قطاعات أخرى، للاستفادة أيضا من جودة الخدمات وتنافسية الأسعار، إلا أنها غير ناجحة في المغرب، بسبب الاحتكار والريع وغياب التنافسية باستثناء قطاع الاتصالات، والحكومة الحالية هي حكومة ليبرالية تتحمل الانعكاسات والتقديرات الناتجة عن الخوصصة والتكلفة السياسية والاقتصادية أيضا، لأنها المسؤولة عن هذه القطاعات.

في هذا السياق، يقول المحلل الاقتصادي محمد جدري، أن الاقتصاد الوطني يحتاج لكثير من الموارد المالية من أجل تنزيل مجموعة من الأوراش المهيكلة، أبرزها ورش الحماية الاجتماعية، الذي سيكلف الدولة 51 مليار درهم في أفق سنة 2026، وكذلك الأمور المتعلقة بالاستثمار، إذ الملاحظ أنه في كل سنة هناك مجهود استثماري كبير، سيصل هذه السنة 335 مليار درهم، بالإضافة إلى إصلاحات أخرى أساسية فيما يتعلق بإصلاح الإدارة ومنظومة العدالة وأمور أخرى مرتبطة بالرقمنة وما شابه ذلك.

وأضاف المتحدث ذاته، أن موارد الدولة هي موارد محدودة وتعتمد أساسا على الضرائب بشقيها المباشرة وغير المباشرة، بالإضافة إلى الأمور المتعلقة بالخوصصة، حيث أنه من المتوقع أن تستعيد خزينة المملكة 9 ملايير درهم خلال السنة المقبلة، لأن الدولة المغربية ستقوم ببيع مجموعة من أسهمها في مجموعة من المؤسسات العمومية، لأن هذه المؤسسات ليست استراتيجية أو تدخل في سياستها أمور متعلقة بالاحتكار، وبالتالي، ستدخل موارد مالية مهمة للدولة لتنزيل الإصلاحات الهيكلية والبنيوية في الاقتصاد الوطني خلال السنوات المقبلة.

فالخوصصة ستطال مؤسسة مهمة مثل المكتب الوطني للماء والكهرباء بعد تمرير مشروع الشركات الجهوية للقطاع، والذي سيتم بموجبه إحداث 12 شركة بكل جهات المملكة تهتم بتدبير الكهرباء والماء والتطهير السائل، الشيء الذي اعتبرته هيئات نقابية قرارا خطيرا غير محسوب العواقب في حق المكتب الوطني للماء والكهرباء، هدفه تسليع الماء وجعله يخضع لمنطق السوق في ظروف تعرف فيها بلادنا حالة من الجفاف لم يسبق لها مثيل، لأن بعض القطاعات الاجتماعية كالصحة والتعليم وقطاع الماء وغيرها، لا يمكن أن تراهن فيها الدولة على خدمات الخواص لتناقض مبدأ الخدمات الاجتماعية والتدبير عبر الخواص الذي هدفه الربح، وهما بالطبع شيئان نقيضان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى