متابعات | هل يتسبب “قصف السمارة” في حصول المغرب على تفويض لمحو البوليساريو عسكريا ؟
أثار حادث مدينة السمارة الإرهابي، ضجة كبيرة لدى الرأي العام الوطني والسلطات المغربية، بسبب استهدافه لأحياء سكنية في المدينة (حي السلام وحي لازاب، والحي الصناعي) بمقذوفات متفجرة مجهولة المصدر، نتج عنها وفاة مهاجر مغربي، وإصابة ثلاثة آخرين اثنين منهم في حالة خطيرة.
إعداد: خالد الغازي
حسب العديد من المحللين، فإن حادث قصف مدينة السمارة يعد سابقة خطيرة، إذ تمثلت في الاعتداء على السكان المدنيين في وسط مدينة خالية من التواجد العسكري ومن أي ثكنة، مما يطرح العديد من الفرضيات حول إمكانية تعرض الأحياء السكنية لاعتداءات إرهابية من ميليشيات البوليساريو من المنطقة العازلة، خاصة بعدما تبنت الجبهة الانفصالية هذه الهجمات الإرهابية التي قالت أنها كانت تستهدف القوات المسلحة الملكية في مناطق المحبس والسمارة والفرسية، بينما الحقيقة أنها استهدفت مواطنين في بيوتهم، وهناك احتمال وجود عصابات انفصالية داخلية وجماعات إرهابية قامت بهذا الفعل الإرهابي، في انتظار انتهاء التحقيق الذي تقوم به السلطات القضائية.
فهذا الاعتداء الإرهابي تزامن مع احتضان السمارة لفعاليات مهرجان الساقية الحمراء الدولي لسباق الإبل، وبطولة كرة اليد الهجانة بجماعة سيدي أحمد لعروسي، وذلك احتفالا بذكرى المسيرة الخضراء، بمشاركة عدة دول عربية، إذ يعتبر هذا العمل حركة استفزازية للتشويش على المهرجان بحضور دول أجنبية، وهذه العملية الإرهابية ليست الأولى التي تحصل لمدنيين، لكون الجبهة قامت بعدة عمليات استهدفت من خلالها أشخاصا مدنيين عزل منذ سنة 1975، مثل خطف مواطنين من السمارة وطنطان وطرفاية ومن باقي الأقاليم الجنوبية، وأسرتهم في المخيمات، أو من خلال عمليات استهدفت عمالا وسائقي شاحنات مدنيين، من بينهم ضحايا لا زال مصيرهم مجهولا إلى اليوم.
وبهذا الخصوص، يقول الأستاذ تاج الدين الحسيني، أن اعتراف البوليساريو بكونهم وراء الحادث الذي وقع في مدينة السمارة، من خلال إصدارهم بلاغا تحت الرقم 901 ضمن سلسلة الأعمال العدائية ضد المغرب، يدخل ضمن التقارير الفارغة التي تحاول من خلالها الجبهة أن تظهر بأن المنطقة في حالة حرب، وأن الاستقرار الذي يتمسك به المغرب غير متحقق، إلا أن حادث السمارة يشكل اختلافا فيما يتعلق بالأحداث السابقة التي كان يتم التصدي لها بقوة من طرف القوات المسلحة الملكية، ويتم دحرها حتى قبل الوصول إلى الجدار الرملي الذي هو بمثابة فاصل بين الجزائر والمغرب، والذي يسمى بالمنطقة العازلة.
وأوضح الحسيني، أن حادث السمارة ينذر بتطور استثنائي فيما تعرفه هذه المنطقة منذ سنة 1991 إلى يومنا هذا، حيث إذا ثبت من خلال التحريات التي تقوم بها السلطات القضائية المغربية والعسكرية في بحثها، تورط البوليساريو في الحادث، فإن ذلك سيشكل تطورا خطيرا فيما يعرفه النزاع، لأنه تجاوز للمنطقة العازلة نحو الداخل المغربي، وهذا يعتبر مخالفا للقانون الدولي، لا سيما وأن المنطقة التي تعرضت لهذه القذائف في مجموعها هي مناطق مدنية سكنية ولا وجود لأي ثكنات عسكرية بها، أو وجود الجيش المغربي حتى يقال بأن هناك مواجهات بين مسلحين، وبالتالي، فهذا العمل في حد ذاته هو مناف للقانون الدولي الإنساني وحتى لقوانين الحرب التي تمنع مهاجمة المدنيين.
واعتبر تاج الدين الحسيني أن المسؤولية في هذا الحادث لا تقتصر على البوليساريو فقط، بل ترتبط أيضا بالنظام الجزائري، لأن الجبهة الانفصالية موجودة فوق التراب الجزائري بمنطقة تندوف، التي تضم عدة مخيمات محاطة بجدار أمني تقوده المخابرات الجزائرية والدرك الجزائري، ولا يمكن خروج أي قذيفة أو أسلحة من المنطقة، أو ميليشيات من المنطقة للقيام بأي نشاط معين على الحدود مع المغرب، إلا إذا حصلت على ترخيص من طرف السلطات الجزائرية، فالجزائر هي المسؤولة عن حماية ترابها الوطني ومنع تحرك أي فرق مسلحة من ترابها إلى التراب المغربي، لأن ذلك من بين الالتزامات التي وقعت عليها وتعهدت بها الحكومة الجزائرية عندما وقعت على اتفاقية إنشاء المغرب العربي في مراكش سنة 1989، والتي تعتبر اتفاقية جارية ولم يتم فسخها من أي طرف.
ويؤكد المتحدث ذاته، أن مسألة البحث في هذا الموضوع لا تقتصر على السلطات المغربية وحدها، بل على بعثة “المينورسو” وفق مهامها في مراقبة وقف إطلاق النار في المنطقة، ومن واجبها إعداد تقرير مفصل تحدد فيه المخالفات التي تقع على كاهل ومسؤولية كل من البوليساريو والسلطات الجزائرية، حيث أنه عندما سيتم إعداد نتائج هذه الأبحاث، سواء الوطنية أو المتعلقة بـ”المينورسو”، يصبح من حق المغرب أن يتقدم بشكاية رسمية إلى مجلس الأمن، ويطلب انعقاد إحدى دوراته الاستثنائية من أجل البحث في الموضوع واتخاذ العقوبات والجزاءات اللازمة في مواجهة المخالفين.
وحول إمكانية لجوء المغرب لاستعمال القوة ردا على هذا الاعتداء الإرهابي، أوضح الأستاذ تاج الدين الحسيني، أن الرد العسكري المغربي يدخل في إطار الأولويات التي تحتفظ السلطات المغربية بحقها في ممارستها، لأن حق الدفاع الشرعي المنصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، يعطي لكل دولة الحق في استعمال كل الوسائل التي تراها ممكنة وضرورية لرد العدوان، لذلك فالسلطات المغربية تتريث إلى حين التوصل إلى نتائج الأبحاث الجارية، سواء من طرف السلطات الوطنية أو من قبل “المينورسو”.
فهناك سيناريوهات وفرضيات يمكن طرحها لاستنتاج بعض الأجوبة منها، أولا إذا كانت البوليساريو هي من تقف وراء هذه العملية العدائية، فمعناه أنها أول عملية عسكرية تقوم بها الجبهة الانفصالية فوق الأراضي المغربية وخارج المنطقة العازلة منذ الإعلان عن “اتفاق وقف إطلاق النار” سنة 1991، ثم من أين جاءت هذه المقذوفات؟ إذ هناك ثلاث احتمالات ممكنة: الفرضية الأولى، أنها ربما أطلقت مقذوفاتها من المنطقة العازلة التي تبعد عن السمارة بأكثر من 35 كيلومترا، مما يحيلنا مباشرة إلى الحديث عن طبيعة الصواريخ التي تمتلكها الجبهة، وهذا ستبينه التحقيقات الجارية، أما الفرضية الثانية، فيمكن أن تكون أطلقت المتفجرات من الأراضي الموريتانية، مما سيعني تسلل البوليساريو من المنطقة العازلة ومنها إلى الحدود مع موريتانيا، وهو ما يفسر طبيعة القذائف مع المسافة الممكن وصولها، مما سيجعل المسؤولية على كاهل موريتانيا، التي قد تكون غير مراقبة لمجالها والحدود المشتركة مع المملكة، وبالنسبة للفرضية الثالثة، فقد تكون هذه المقذوفات أرسلت من داخل التراب الوطني، أي من نفس المدينة أو ضواحيها، وهنا تكون الجهة المنفذة هي ما يسمى “بوليساريو الداخل”، وإذا تأكدت هذه الفرضية فهذا معناه أن “بوليساريو الداخل” انتقلوا من الاحتجاج السلمي إلى العصيان المسلح .
في هذا الصدد، يرى محمد شقير، المحلل السياسي والخبير العسكري، أن المغرب كلف النيابة العامة بالتحقيق في حادث السمارة وترك للبوليساريو روايتها، حيث أن الحادث جاء لاعتبارين أساسيين: الأول يكمن في الإحساس بتوالي انتصارات الدبلوماسية المغربية وتراجع الأطروحة الانفصالية، خاصة بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء والمساندة لأهم الشركاء الأوروبيين لمبادرة الحكم الذاتي، مثل فرنسا التي ظلت متحفظة، لكن عبر مؤخرا مندوبها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، عن تأييد بلاده لمبادرة الحكم الذاتي، وهذا يشكل انتصارا كبيرا للدبلوماسية المغربية، الأمر الذي يفسر تحرك البوليساريو العسكري، أما المسألة الثانية، كون الحادث يأتي قبل إصدار التقرير الأممي الذي أبرز أن كل مضامينه تشكل انتصارا للرؤية المغربية وللموقف المغربي، وهذا كله جعل البوليساريو، حسب تصريح ممثلهم في المنتظم الأممي، يقول أنهم لجأوا للحرب والكفاح المسلح لأن موقفهم لم يأخذ بعين الاعتبار، وهذه المسألة لجأوا إليها قبل عامين، سواء من خلال التحركات على صعيد المنطقة العازلة، أو من خلال البيانات التي يصدرها والتي وصلت لـ 901 بيان عسكري وفي كل بيان يشيرون إلى قيامهم بعمليات عسكرية.
وقال شقير، أن المغرب أعطى للحادث صيغة إرهابية أكثر ما أعطاه صيغة عسكرية، لكون الاعتداء استهدف مناطق سكنية وخلق طابعا إرهابيا مروعا للمدنيين، وهذا ما يفسر منح السلطات الملف للنيابة العامة والسلطة القضائية في انتظار التحقيقات التي تقوم بها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، للتحقق من الأمر، إذ أن هناك صياغتين للحادث تفسران تباينا في الرؤى ما بين الرؤية العسكرية للبوليساريو، والرؤية المدنية للجريمة الإرهابية بالنسبة للسلطات المغربية، وإذا ما تم التحقق منه، سوف يعمل المغرب على تكريس هذه الأطروحة وتوظيفها في مقاربته التي بدأت منذ مدة، والتي تؤكد أن البوليساريو منظمة إرهابية تتعامل مع منظمات إرهابية في دول الساحل وتشكل خطرا على استقرار المنطقة، معتبرا أن هذا الاتجاه هو الذي سيتوجه به المغرب على الصعيد الدبلوماسي والداخلي إذا تأكد بأن هذا الفعل ارتكب من طرف انفصاليي الداخل، أو بعض المنظمات الانفصالية، مما سوف يدفع السلطات للجوء إلى الأساليب المعتمدة في احتواء وتفكيك وملاحقة الخلايا الإرهابية داخل الأقاليم الجنوبية للمملكة.
واستبعد الخبير العسكري ربط الاعتداء بصواريخ أو قصف من قبل البوليساريو، لأن مدينة السمارة تبعد عن المنطقة العازلة بـ 40 كلم، وكون الجبهة لا تتوفر على صواريخ بعيدة المدى، ولا على طائرات بدون طيار، خاصة وأن المغرب لجأ إلى استعمالها وتصدى لمجموعة من تحركات البوليساريو على مستوى المنطقة العازلة، وقام بقتل مجموعة من ميليشيات الجبهة الانفصالية في هذه المنطقة، مشيرا إلى أن المغرب يتوفر على الرادارات وأجهزة الاستشعار والمنظومة الدفاعية، والتي تراقب الأجواء المغربية ولا يمكن أن تمر هذه الصواريخ دون استشعارها، بينما تبقى الفرضية المطروحة هي احتمال وجود جهات في الداخل قامت بالعملية عن طريق اللجوء إلى أسلحة محلية الصنع، وفي حالة ثبوت المسألة من قبل النيابة العامة، فأكيد ستقوم السلطات المغربية بتطهير المنطقة من كل الخلايا التي تتبنى الموقف الانفصالي عن طريق استخدام السلاح، حيث ممكن أن تقبل السلطات التعبيرات السلمية، ولكن عند تجاوز الخط الأحمر واللجوء للسلاح وقتل مدنيين، فإن الدولة ستقوم بملاحقة كل الخلايا الانفصالية التي تلجأ لهذا الأسلوب.
وأشار ذات المتحدث إلى أن قيام “المينورسو” بالتحقيق في الحادث وصياغة تقرير لإرساله إلى الأمين العام للأمم المتحدة وإلى المبعوث الأممي إلى الصحراء، سيدعم الموقف المغربي الذي يقول أن البوليساريو تحولت من منظمة انفصالية إلى منظمة إرهابية، مستدلا بالتقرير، كما أن السلطات ستوظف المسألة لتعزيز موقفها كون الجبهة خرقت الهدنة ولجأت إلى السلاح، وأكثر من ذلك، استخدمته ضد المدنيين، وفي مناطق مأهولة بالسكان لا علاقة لها بالحرب.. في انتظار أيضا نتائج بحث النيابة العامة.
ومن جهتها، وصفت الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، حادث الانفجارات بمدينة السمارة، بالعمل الإرهابي الجبان، الذي يستهدف المدنيين ويزج بالمنطقة في مصير مجهول نحو الحرب وما تخلفه من مآسي وضحايا، مؤكدة تورط الجزائر المباشر، بصفتها الداعم الرسمي والأساسي لجبهة البوليساريو الإرهابية.
وطالبت الرابطة – في بلاغ لها بهذا الخصوص- الحكومة التي التزمت الصمت تجاه هذا الحادث الخطير، بالعمل على إصدار قانون يتم من خلاله تصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية تؤمن بالسلاح والقتل والتدمير عكس الخطاب الذي تروجه قاريا ودوليا بكونها حركة سياسية.
وتعتزم الرابطة مراسلة الأمين العام للأمم المتحدة، لإدانة هذه الهجمات الإرهابية ومطالبته بوضع حد لاستفزازات الجزائر والبوليساريو، مشيرة إلى أن جبهة البوليساريو أكدت أن مقاتليها “شنوا هجمات جديدة ضد القوات المغربية، وذلك بعد ساعات من تسجيل انفجارات بمدينة السمارة، مستهدفة مناطق المحبس والسمارة والفرسية” حسب زعمها.
Il y’a que la force qui compte contre les lâches du régime Harki des sous hommes et rien d’autres