ربورتاج | قدماء المحاربين والعسكريين المتقاعدين يبحثون عن الكرامة في الشارع
من ينصف الفئة التي حاربت من أجل الوطن

حج قدماء المحاربين والعسكريين وأسرى الحرب وأرامل الجنود السابقين، إلى العاصمة الرباط بالمئات، في مشهد مثير أمام مقر البرلمان، للمطالبة بتسوية وضعيتهم المادية والإدارية والاجتماعية، وتمكينهم من الحقوق والمستحقات المالية العالقة لدى مؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية، الأمر الذي يتناقض مع التضحيات التي قاموا بها في الدفاع عن الوطن والوحدة الترابية للمملكة.
الرباط. الأسبوع
عبر المتقاعدون العسكريون الذين جاؤوا من الأقاليم الجنوبية للمملكة، ومن مدن أخرى، عن استيائهم من الوضعية الاجتماعية والمادية التي يعانون منها بسبب “هزالة” المعاشات التي تتراوح ما بين ألف درهم وألفي درهم بالنسبة للذكور، وما بين 300 و800 درهم بالنسبة للنساء الأرامل، مصرحين بأن هذه التعويضات المالية لا تكفيهم للعيش الكريم في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية ومصاريف تمدرس الأبناء وخاصة في المؤسسات الجامعية.
والتمس هؤلاء المتقاعدون العسكريون تدخل الملك محمد السادس، رئيس أركان الحرب العامة والقائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية، من أجل تسوية وضعيتهم الاجتماعية والمادية، لاسيما وأن من بينهم عسكريين سابقين مطرودين من الخدمة لا يتلقون أي تعويض أو أجرة شهرية، منهم من قضى 10 سنوات و19 سنة من الخدمة العسكرية دون أن يتلقى أي دعم مالي من المؤسسة أو الإدارة الوصية.
كثير من حالات المتقاعدين العسكريين والمحاربين والأرامل تثير الشفقة وتحتاج إلى التفاتة مولوية كريمة للنهوض بأوضاعهم وتحسين ظروفهم الاجتماعية والمادية، وتمكينهم من الرعاية الصحية، خاصة وأن الغالبية من هؤلاء يعانون عدة أمراض مزمنة، منها القلب، والضغط الدموي، وداء السكري، مما يتطلب منهم توفير مصاريف للأدوية والتنقلات بين الإدارات من أجل تسوية الملفات الإدارية والطبية وغيرها.
في هذا الصدد، يقول دادا الحسين، المشرف العام لقدماء المحاربين والعسكريين: “منذ سنة 2013 ونحن نعقد لقاءات مع مؤسسة الحسن الثاني ومع لجن رسمية، لكن لا جواب ولا تسوية للملف المطلبي، والناس الذين قاموا بعقد هذه اللقاءات معنا تم طردهم، لذلك لم يعد جدوى للمراسلات، فعندما يريد مسؤول فتح حوار معنا وحل مشاكلنا، يتم طرده من المؤسسة.. هذه رسائل لنا نحن”.
وعبر الحسين دادا عن استيائه من المعاملة التي تعرض لها قدماء العسكريين والمحاربين أمام البرلمان من قبل القوات الأمنية والعمومية والمسؤولين الأمنيين، عبر استعمال القوة ضدهم ومحاصرتهم ومنعهم من الاحتجاج والتظاهر أمام المؤسسة التشريعية، مبرزا أن قدماء العسكريين والمحاربين والأرامل يريدون فقط حلا لمشاكلهم وتمكينهم من الحقوق التي لازالت في ذمة الدولة، وبالتالي، عدم الرجوع إلى العاصمة للمطالبة بها.
وقال نفس المتحدث: “كنا أسودا في الميدان ندافع عن الوطن، واليوم ندافع عن حقوقنا وكرامتنا، كان عندنا ماضي، واليوم، أصبحنا لا شيء ولا وجود لنا، قضيت 23 سنة من الخدمة العسكرية في صفوف القوات المسلحة، وقضى والدي 23 سنة أسير حرب ومقاوما، والوالدة تتوصل اليوم بتعويض 90 درهما في المعاش.. فهل هذا مقبول؟”.
بدوره، التمس محمد أعراب، عسكري سابق، تدخل الملك محمد السادس، القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية، لأجل تسوية ملف قدماء العسكريين والمحاربين المتقاعدين والأرامل، الذين يعيشون ظروفا اجتماعية وعائلية صعبة، بسبب المعاشات الهزيلة التي لا تكفيهم للعلاج ومصاريف المعيشة اليومية، في ظل ارتفاع أسعار الخضر والمواد الأساسية.
وأكد أعراب، أنه قضى حوالي 22 سنة كجندي في الأقاليم الجنوبية، ومنذ سنة 2018 وهو يناضل مع زملائه في التنسيقية لأجل المطالبة بتحسين معاشاتهم وتمكينهم من المستحقات المادية، قائلا: “اليوم نناشد مسؤولي البلاد، لكي يعطونا حقوقنا ومنها تعويضات التنقلات، نحن عسكريون ومحاربون قدماء، ضحينا من أجل الوطن وحررنا الأقاليم الجنوبية، والآن وصلنا للتقاعد بمعاشات هزيلة.. هناك من يحصل على 1400 و1500 درهم، ورغم رفع التعويض إلى ألفي درهم، لكنه غير كاف ولا يكفي المتقاعدين في ظل ارتفاع الأسعار ومصاريف دراسة الأبناء، لذلك نلتمس من جلالة الملك الله ينصره، أن يأخذ بعين الاعتبار وضعية الأرامل والمتقاعدين، فهم يتخبطون في مشاكل اجتماعية ويعانون من عدة أمراض، ومن غلاء المعيشة، والعسكريون المحالون على التقاعد حاليا يحصلون على 7 آلاف درهم بينما القدامى يتقاضون 1200 درهم رغم أنهم من نفس الرتبة”.
بوشعيب زيبهاري عسكري سابق، ينتمي لفئة “الديجي” المطرودين، قضى 10 سنوات من الخدمة، عبر عن حزنه الشديد بسبب حرمانه من الحصول على أي تعويض شهري أو معاش بالرغم من سنوات الخدمة العسكرية التي قضاها في صفوف القوات المسلحة الملكية، قائلا: “نحن فئة بدون حقوق ونحمل الدفتر العسكري ولا نتلقى أي معاش أو تعويض (صفر درهم) رغم أن من بيننا من قضى 10 إلى 19 سنة من الوظيفة العسكرية، ولا نستفيد من أي شيء”، مردفا: “الدولة مضيعانا رغم أنه كانت هناك اقتطاعات التقاعد من أجورنا، لكن لا نستفيد من المعاش، لهذا نطلب العطف السامي من جلالة الملك محمد السادس لهذه الفئة المهمشة التي تقدر بـ 23 ألف عسكري سابق، تنتظر إعادة النظر في القانون رقم 97-34 الذي يحرمها من الحق في الاستفادة”.
وأضاف ذات المتحدث، أن هذه الفئة المحرومة من المعاش والتقاعد العسكري تظل بمثابة قوات احتياط للقوات المسلحة الملكية، ويمكن استدعاؤها في حالة الحرب، حسب الدفتر العسكري الذي يحمله جميع المحاربين القدامى بمن فيهم المطرودين، راجيا أن يكون هناك قرار ملكي يمنح لهذه فئة الحق في الاستفادة من التعويض والمعاش والتغطية الصحية والخدمات التي تقدمها المؤسسة الوصية للمحاربين.
بدورها، فاطمة، أرملة شهيد عسكري، عبرت عن استيائها من الظروف الاجتماعية التي تعيشها النساء الأرامل، بسبب المعاشات الهزيلة التي يحصلن عليها والتي لا تكفي لسد حاجيات العيش ومصاريف القفة اليومية، إلى جانب واجبات الكراء وفاتورة الكهرباء ومصاريف الأبناء، مضيفة أنها كانت تتقاضى فقط 650 درهما منذ وفاة زوجها سنة 1988، وظلت تشتغل وتبحث عن مدخول آخر لكي تستطيع تحمل تكاليف الحياة الصعبة، موضحة أنها كأرملة عسكري شهيد في الأقاليم الجنوبية، لم تحصل على أي استفادة مخصصة لزوجات الشهداء، سواء السكن أو مأذونية نقل أو بقعة أرضية، رغم التعليمات التي أعطيت للمسؤولين للعناية بأرامل العسكريين الشهداء وتمكينهن من الحق في السكن، مشيرة إلى أنها تقدمت بعدة طلبات في الموضوع وطرقت جميع الأبواب في الرباط والدار البيضاء لأجل الحصول على السكن، وقالت: “كل عام يطلبون مني شهادة عدم الزواج، المؤسسة لديها الإمكانية لزيارة المنازل، لذلك أطالب بالحق الذي أعطانا إياه سيدنا، نريد معرفة هل لأرامل الشهداء حق الاستفادة من البقع الأرضية والكريمات، وأطالب بالزيادة في الراتب الشهري”.
فتيحة بلكبيش، أرملة أخرى، تقول: ((نحن الأرامل رجالنا دوزوا 25 سنة في الصحراء ومخداوش تعويضات “ديبلاسمو”، وخلاو لينا ربع الأجرة الشهرية 900 درهم فقط، مقادنيش في المصاريف وأنا مريضة كنعاني من مرض القلب وعندي صمامات وحياتي كلها بالأدوية، عندي مصاريف كثيرة غير فاتورة الكهرباء والماء فيها 400 درهم، زوجي دوز في الصحراء سنوات طويلة وحاليا أنا تنخدم عند الناس باش نوفر لقمة العيش، الأرملة ضايعة في المجتمع وشي يتعامل معاها مزيان وشي لا، لهذا كنطلب من جلالة الملك نصره الله يزيدنا في المعاش والتعويض بحال الناس”.
وقد تميزت الوقفة الاحتجاجية لقدماء العسكريين أمام البرلمان، بحضور كبير لقدماء العسكريين من الأقاليم الجنوبية، من بينهم أصحاب “الرابلي” و”الديجي” وأسرى الحرب، حيث اختلفت مطالبهم وحقوقهم، ويتمنى بوكرن حميد، أحد أعضاء التنسيقية الوطنية، أن يتم فتح الحوار حول الملف المطلبي مع التنسيقة لمناقشته وتنفيذ كل مطلب على حدة، سواء المتعلقة بالتعويضات الخاصة بالتنقلات للأقاليم الجنوبية، وطرد المتقاعدين من السكن العسكري، و”الريفورم”، والتعويض عن العطل المرضية، واقتطاعات التأمين التي لا يستفيد منها المتقاعد العسكري، وحقوق أرامل العسكريين، مشيرا إلى أن الأرملة تعاني التهميش والحرمان في ظل الحديث عن حقوق المرأة، بحيث تحصل على نصف معاش زوجها بعد وفاته، عوض تمكينها من الأجرة كاملة.