للنقاش

للنقاش | حتى لا ننسى.. دور أمريكا وأوروبا في وجود إسرائيل

بقلم: حسوني قدور بن موسى
محامي بهيأة وجدة

    ابتدأت الفكرة الاستعمارية لاحتلال فلسطين لأول مرة من أوروبا وكان أول من ابتكرها هو الفرنسي نابوليون بونبارت عام 1799م، حيث دعا يهود آسيا وإفريقيا إلى الانضمام إلى حملته الاستعمارية من أجل بناء مدينة القدس القديمة، وقد جند لها عددا كبيرا من جيشه الاستعماري، إلا أن هزيمته العسكرية حالت دون تحقيق تلك الأطماع الاستعمارية الرامية إلى تسليم فلسطين إلى اليهود وإقامة جسم غريب في قلب الوطن العربي، ثم بدأت الفكرة تظهر مرة أخرى وبدأ العديد من زعماء الدول الغربية وكبار اليهود، يهتمون بهذا المشروع الاستيطاني على أرض فلسطين، ويؤسسون كثيرا من الجمعيات المنادية بهذا المشروع الاستعماري الخطير الذي سيحدث تغييرا عميقا في تاريخ الوطن العربي، ولقد بدأ الزعيم الصهيوني تيودور هرتزل، النمساوي الجنسية، المهندس والأب الروحي التاريخي للصهيونية السياسية الحديثة، يخطط لتهجير يهود العالم إلى فلسطين والتخطيط لما يسمى بالهجرة المعاكسة، أي تهجير الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين وطردهم إلى خارج فلسطين كما حدث في نكبة 1948، حيث تم تهجير آلاف الفلسطينيين من ديارهم ولم يعودوا إليها منذ ذلك التاريخ،

وأصدر كتابه “الدولة اليهودية” عام 1896م وقال في الخطاب الذي ألقاه في مؤتمر مدينة بال السويسرية سنة 1897: ((إننا نضع حجر الأساس لبناء البيت الذي سوف يأوي الأمة اليهودية)).

وها هي الفكرة الصهيونية تستمر اليوم بمحاولة تهجير سكان قطاع غزة إلى دول عربية مجاورة ومنها مصر، ليتكرر المخطط الأوروبي-الأمريكي-الإسرائيلي القديم الذي يتضمن تهجير السكان الفلسطينيين من ديارهم وتوطين اليهود في الأرض.

تتمة المقال بعد الإعلان

فقضية فلسطين المحتلة من أشهر وأبرز القضايا التي لعبت فيها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية الاستعمارية دورا شيطانيا خبيثا، إذ نصرت الباطل على الحق فساهمت بذلك في اقتلاع شعب بأكمله من أرضه ربما لأول مرة في التاريخ الحديث، ليحل محله صهاينة غرباء تهافتوا على أرض فلسطين من جميع أنحاء العالم امتثالا لدعوة الحركة الصهيونية التوسعية.

وبميلاد الأمم المتحدة عام 1948، احتل الصهاينة القدس العربي وأجزاء كبيرة من فلسطين بدعوى حق مزعوم لليهود فيها، فبعثت الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة خاصة لاستطلاع رأي السكان لتقدير الموقف، وبضغط من أمريكا والصهيونية العالمية وضعت ما يسمى بـ”خطة أكثرية” لتقسيم فلسطين إلى دولة عربية ودولة يهودية وتدويل مدينة القدس، ورغم إدانة اسرائيل عشرات المرات في مجلس الأمن وآلاف المرات في لجان الهدنة بسبب أعمال العدوان المستمر ضد الشعب الفلسطيني، عجزت الأمم المتحدة عن تخطي مرحلة اللوم والإنذار والتهديد الكلامي إلى فرض العقوبات الواردة في الميثاق لقمع الاحتلال، بل عجزت هذه المنظمة الفاشلة حتى عن إدانة العدوان الإسرائيلي سنة 1967، والذي افتخرت واحتفلت به إسرائيل أمام الأمم المتحدة، وظل الفلسطينيون يقاومون لوحدهم قوات الاحتلال الصهيوني إلى يومنا هذا، واستولى الصهاينة الغرباء على نحو 78 في المائة من أرض فلسطين التاريخية متجاوزا بذلك ما نص عليه قرار التقسيم رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947، علاوة على اقتلاع وتهجير سكان الأرض الأصليين، حيث غادر فلسطين أثناء الحرب وبعدها زهاء 940 ألف لاجئ فلسطيني وترتب عن ذلك  صدور القرار الأممي رقم 194، ولا ننسى أن الدول الغربية التي أصدرت إعلان حقوق الإنسان والمواطن عام 1789 هي التي احتلت مصر بقيادة نابليون وقسموا الوطن العربي إلى دويلات صغيرة لإضعاف قدراته وتسهيل عملية نهب وسرقة خيرات البلاد العربية، ولا ننسى كذلك أن الأمم المتحدة التي أصدرت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، اعترفت بإسرائيل وأنكرت حق الشعب الفلسطيني في الوجود، فأصبح مشردا مطرودا من أرضه بلا وطن ولا هوية، وأمريكا التي تتزعم اليوم الدفاع عن أوكرانيا التي كانت حقيقة جزء من الاتحاد السوفياتي، هي التي اعترفت بالكيان الصهيوني 5 دقائق بعد إعلان قيام إسرائيل في 14 مايو 1948، وكانت سببا في النكبة التي شردت شعبا بكامله منتهكة بذلك العرف الدولي بخصوص الاعتراف بالدولة الجديدة، وأمريكا التي أزعجها استعمال روسيا لحق “الفيتو” داخل مجلس الأمن هي التي استعملت هذا الحق عشرات المرات لعرقلة قراراته الصادرة ضد إسرائيل، كما ظهر تواطؤ أمريكا مع إسرائيل عندما عارضت في 19 مارس 1948 صدور قرار عن مجلس الأمن يتضمن اتخاذ الإجراءات التنفيذية لضمان حقوق الشعب الفلسطيني ضد سياسة التوسع أثناء حرب 5 يونيو 1967، فأعلنت أمريكا صراحة مساندتها لإسرائيل ضد الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين، وأعطتها الضوء الأخضر لكي تبدأ الحرب.

يسيطر اللوبي الصهيوني على توجيه السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، بل يعد ضمن نظرية المؤامرة الوهمية المترسخة في الذهن العربي، والتي كثيرا ما تلجأ اليها الأنظمة العربية لتبريرالفرص الضائعة لإدارة قضية الصراع العربي الإسرائيلي، فالقراءة التحليلية للواقع الأمريكي تكشف أن اللوبي الصهيوني يلعب دورا أساسيا في تصعيد أو إقصاء النخبة السياسية بدء من اختيار أعضاء الكونغريس الأمريكي وحكام الولايات، وانتهاء برئيس الجمهورية، وقد قال الرئيس الأمريكي بيل كلينتون أمام الكنسيت الإسرائيلي في 27 أكتوبر 1994: ((رحلتكم هي رحلتنا وأمريكا إلى جانبكم الآن وعلى الدوام)).

تتمة المقال بعد الإعلان

وهكذا.. لم تكن أمريكا في يوم من الأيام إلى جانب الشعوب المستعمرة، بل كانت دائما ضد إرادتها فاستطاعت إلغاء قرار الأمم المتحدة الذي يعتبر الصهيونية معادلة للعنصرية، وظلت على الدوام تشجع إسرائيل على المذابح الجماعية وقتل الأطفال والشيوخ والنساء وهدم المنازل وتهجير السكان الأصليين من ديارهم،

وأمريكا التي تتهم روسيا بالتهديد باستعمال الأسلحة النووية هي التي استعملت القنبلة النووية ضد ناغازاكي اليابانية سنة 1945 والتي قتلت 74 ألف شخص بعد ثلاثة أيام من الهجوم بواسطة السلاح النووي الفتاك، ودمرت مدينة هيروشيما بكاملها وأسفر ذلك العدوان عن مقتل 140 ألف شخص، ورغم خطورة السلاح النووي والنداءات الدولية لحظر هذه الأسلحة، لم توقع أمريكا وإسرائيل على معاهدة حظر السلاح النووي، فأمريكا هي أول دولة طورت أسلحتها النووية وأنظمة إيصال الأسلحة بعيدة المدى وأجرت أكثر من 1000 تجربة نووية وأنفقت أكثر من 8.75 تريليون دولار لتطوير الأسلحة النووية، وأمريكا متزعمة الدفاع عن سيادة أوكرانيا وحماية أراضيها هي التي استعملت العنف ودمرت دولا عديدة عن طريق التدخل العسكري في كوبا وغواتيمالا والدومينكان وكمبوديا والعراق وأفغانستان وليبيا والصومال وروندا وهايتي ودولا أخرى ذات سيادة، وكان التدخل العسكري الأمريكي الهمجي في العراق مأساويا في الوقت الذي أعرب فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن رفضه المطلق لهذا التدخل، فانتهكت أمريكا سيادة العراق ودمرت اقتصاده وبنياته التحتية تحت غطاء امتلاك أسلحة نووية، حيث تبين فيما بعد أنها كذبة اختلقتها أمريكا للتدخل الذي أدى إلى خسائر بشرية وصلت إلى أكثر من مليون قتيل ومصاب وملايين المشردين، وأمريكا متزعمة الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، هي التي ارتكبت أبشع جريمة قتل في التاريخ عندما نفذت الإعدام ضد الرئيس صدام حسين شنقا في يوم عيد الأضحى تماما كما يحدث في الأفلام الأمريكية عن طريق مهزلة محاكمة صورية بتهم ملفقة لا تتوفر فيها أدنى شروط المحاكمة العادلة، هذا مع العلم أنها لا تعترف بسلطة المحكمة الجنائية الدولية على قواتها العسكرية، لأنها تعتبر نفسها دولة فوق الدول وفوق القانون الدولي الذي لا يطبق سوى على الدول الضعيفة حسب المفهوم الأمريكي، وكان المقصود من إعدام صدام حسين هو استفزاز العرب والمسلمين وتركيعهم واحتقارهم وإذلالهم في عقر ديارهم، فأدى ذلك التدخل العسكري الوحشي إلى انهيار الدولة العراقية بأكملها وانزلاق البلاد في عنف طائفي بلغ ذروته، وكان هذا التدخل العسكري العنيف يهدف إلى محافظة الدول الكبرى الاستعمارية، وعلى رأسها أمريكا، على مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية في منطقة الخليج وأهمها الثروة البترولية، وأمريكا التي تتهم روسيا اليوم بالتهديد باستعمال السلاح النووي هي التي أنتجت 70000 رأس نووي منذ سنة 1945 استعدادا لهجوم نووي محتمل.. ولا زالت إلى اليوم تضع يدها في كل حرب وتساند الاحتلال الصهيوني على تدمير فلسطين وإبادة الفلسطينيين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى