ربورتاج | “العدل والإحسان” تستعرض قوتها في مسيرة التضامن مع غزة واليساريون يكشفون ضعفهم
غياب الرموز السياسية عن دعم فلسطين

خرج عشرات الآلاف من المغاربة يوم الأحد الماضي بالعاصمة الرباط في مسيرة مليونية شعبية دعما للقضية الفلسطينية، وتضامنا مع المدنيين ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي يتعرض للقصف منذ أسبوعين مخلفا أزيد من 2500 قتيل و9 آلاف جريح، والحصيلة ترتفع كل حين..
ورفع المشاركون في المسيرة شعار: “الشعب المغربي مع فلسطين ومع طوفان الأقصى”، معلنين ارتباطهم بالقضية الفلسطينية وفق الروابط الدينية والتاريخية، حيث فاقت نسبة المشاركة كل التوقعات بعدما كانت الأنظار تتجه إلى أتباع الجماعات الإسلامية والتيار اليساري فقط، فيما غابت العديد من الأحزاب الوطنية والنقابات المعروفة عن هذه المسيرة، لأسباب مجهولة.
الرباط. الأسبوع
كشفت مسيرة الرباط عن وجود أقطاب وتيارات متنوعة داخلها، وجماعات متفرقة حسب انتمائها السياسي والإسلامي والمدني، حيث كان أتباع حركة “الإصلاح والتوحيد” من رجال ونساء لوحدهم في مجموعتين، الأولى للرجال والثانية للنساء والأطفال، في مقدمة المسيرة، معززين بأتباع حزب العدالة والتنمية والمتعاطفين، مرددين شعارات تندد بالعدوان الصهيوني والتواطؤ الدولي والصمت العربي تجاه الاعتداأت على غزة، شعارات غير قوية وعفوية بدون تنسيق بين المشاركين، إلا أنها أوصلت الرسالة.
ومن بين الشعارات التي رددها المشاركون “الشعب يريد تحرير فلسطين”، “بالروح والدم نفيدك يا شهيد”، “من المغرب إلى فلسطين، شعب واحد مو شعبين”، “عل القدس رايحين شهداء بالملايين”، “المقاومة أمانة والتطبيع خيانة”، “نتنياهو يا جبان أقصانا لا يخان”، “إدانة شعبية لمجازر الصهيونية”، “زيرو (0) الأنظمة العربية”، “لا ثم لا للتطبيع والهرولة”، “الشعب يريد إسقاط التطبيع”، “غزة رمز العزة”، “بالروح بالدم نفديك يا أقصى”، “يا صهيون فلسطين في العيون”، و”فلسطين أرضي حرة والاحتلال يطلع برا”، كما استنكروا الصمت الدولي والمواقف الغربية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، وتطبيع الأنظمة العربية معه.
وشهدت المسيرة بعض المشاكل التي أثرت على السير العادي، كاقتحام المصورين الصحفيين لمقدمة المسيرة التي تضم قيادات من العدالة والتنمية واليساريين، وبعض مسؤولي جماعة “العدل والإحسان”، حيث حصلت مشادات كلامية بين المصورين والمنظمين التابعين للجماعة، بسبب إصرارهم على أخذ تصريحات من القيادات المشاركة، رغم أن الكثير منهم لا يعرفون أسماء القيادات المتواجدة في المقدمة، الأمر الذي أثار استياء المنظمين وكان يسبب ازدحام وتدافع المشاركين في الصفوف الخلفية.
بينما فضلت جماعة “العدل والإحسان” التراجع للوراء خلال المسيرة وتنظيم صفوفها وأتباعها في الصفوف الأخيرة من المسيرة عبر ثلاث مجموعات: الأولى ترفع لافتة ضد العدوان الصهيوني ورافضة للتطبيع، تضم بعض القيادات وأعضاء في هيئات الجماعة، إلى جانب الأتباع والمتعاطفين معها، بينما في المجموعة الثانية مكونة من مئات الأشخاص التابعين للجماعة، تتقدمهم سيارة (هوندا) فوقها بعض الأشخاص يرددون شعارات وعبارات من قبيل “الشعب يريد إسقاط التطبيع”، و”فلسطين حرة والاحتلال يطلع برا”، فيما كانت نساء الجماعة وراء الرجال في المجموعة الثالثة ومن خلفهن بعض الرجال يرددون شعارات متفرقة تندد بالموقف العربي الرسمي، وتطالب بطرد الصهاينة وتجريم التطبيع.
أما بقية المجموعات اليسارية والنقابية، فقد كانت شبه غائبة وقليلة مقارنة مع حضور الإسلاميين، وغير منظمة مثل أتباع جماعة “العدل والإحسان” وحركة “الإصلاح والتوحيد”، حيث كانت الشعارات غير قوية وغير منظمة، وغاب عنها الطابع التنظيمي المسبق وأوراق الشعارات التي اعتادت التيارات اليسارية ترديدها في المسيرات الشعبية، كما ساهم انضمام المواطنين العاديين واللامنتمون إلى المسيرة، في بعثرة الشعارات وعدم تناسقها لدى العديد من المجموعات التي افترقت في شارع محمد الخامس وأمام البرلمان ولم تعد مجتمعة كما كانت في بداية المسيرة.
وقام أصحاب “المرصد المغربي لمناهضة التطبيع”، أمام مقر والبرلمان بعملية حرق العلم الإسرائيلي، عند توقف مجموعات “العدل والإحسان” أمام البرلمان، حيث لم يتفاعلوا معهم وفضل الناس، خصوصا أتباع الجماعة الاستمرار في السير وترديد شعاراتهم أمام البرلمان، بينما كان المحسوبون على حركة “الإصلاح والتوحيد” وشبيبة العدالة والتنمية، يشكلون حلقات مثل التجمعات الطلابية يتبادلون الحديث فيما بينهم، بينما آخرون غارقون في التقاط الصور التذكارية و”السيلفيات”.
ومن جهة أخرى، غابت العديد من الأحزاب الوطنية، التي تعتبر القضية الفلسطينية ضمن مبادئها التنظيمية في الدفاع عن الشعوب والقضايا العادلة، عن مسيرة الرباط التي عرفت مشاركة جميع الشرائح المغربية، لاسيما وأن هذه الأحزاب اعتادت تنظيم مهرجانات خطابية وأيام وطنية دعما للقضية الفلسطينية ودفاعا عن العشب الفلسطيني خلال السنوات الماضية، مثل حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية والحركة الشعبية والأصالة والمعاصرة والاتحاد الدستوري، وغيرها من الأحزاب.
وقد كشفت المسيرة عن موقف غامض من قبل هذه الأحزاب، التي أخذت من توقيع اتفاقية التطبيع مسافة كبيرة عن القضية الفلسطينية باستثناء بعض البلاغات المحتشمة المساندة للقضية الفلسطينية، مما يبرز أن هذه الأحزاب أصبحت مقيدة وغير حرة في مواقفها بعد التطبيع مع الكيان الإسرائيلي المحتل بالموقف الرسمي للدولة، رغم أن الدستور ينص على حرية التعبير والتظاهر السلمي ومساندة قضايا الأمة العربية والقضايا الإنسانية العادلة.
غياب الأحزاب الوطنية اليسارية واليمينية إلى جانب المركزيات النقابية المساندة لكفاح الشعب الفلسطيني، خاصة الاتحاد المغربي للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والتي تعتبر الهيئات الأكثر تمثيلية على الصعيد الوطني، تضع هذه النقابات في موقف محرج مع مناضليها وقواعدها، خاصة وأن لديها اتفاقيات وشراكة مع نقابات وهيئات فلسطينية من أجل دعمها وتقديم المساندة للطبقة العاملة الفلسطينية التي تتعرض لمضايقات الاحتلال الصهيوني.
وعرفت المسيرة الشعبية مشاركة قيادات وأسماء معروفة، من قبيل الاستقلالي امحمد الخليفة، والنقابي علي لطفي، وعبد القادر العلمي، منسق “مجموعة العمل من أجل فلسطين”، والوزير محمد يتيم، والبرلمانية نبيلة منيب، والحقوقي والمعتقل السابق أحمد المرزوقي، والنقابي محمد زويتن، والنقيب عبد الرحمان بنعمرو، وفتح الله أرسلان، وأوس رمال، رئيس حركة “التوحيد والإصلاح”، وأحمد ويحمان رئيس “المرصد المغربي ضد التطبيع”، ومصطفى المعتصم، بينما حضر السفير الفلسطيني، جمال الشوبكي، دقائق معدودة أعطى فيها بعض التصريحات للمواقع الإعلامية ورحل.
بخصوص تنظيم المسيرة، قال النقابي محمد زويتن، أن هذه المسيرة الشعبية تعرف مشاركة كل الفئات المغربية، من أحزاب ونقابات وجمعيات مجتمع مدني، ومواطنين من شيوخ ونساء وأطفال، ليؤكدوا أن المغاربة كلهم مع فلسطين وكلهم غزاويون ومؤيدون لـ”طوفان الأقصى”، رافعين شعارا واحدا “المغرب وفلسطين شعب واحد” وأن “القضية الفلسطينية تظل قضيتهم الأولى”، مطالبين بتجريم التطبيع وإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي بالمغرب، وإيقاف المجازر الوحشية في حق الأبرياء في غزة.
وأضاف زويتن أن “المنتظم الدولي ليس من حقه أن يطلب أو يدعم تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، بل يجب أن يكون عادلا وفق قانون حقوق الإنسان الدولي، وأن يقوم بإعادة الصهاينة المستوطنين القادمين من أمريكا وبريطانيا وأوروبا وإفريقيا إلى بلدانهم، وأن يدعم عودة اللاجئين وإقامة الفلسطينيين فوق أرضهم لإقامة دولتهم وعاصمتها القدس، لأن هذا هو الحق والحل للصراع، وليس تجويع الشعب الفلسطيني واستمرار الحصار على غزة وقطع الماء والكهرباء والدواء عن الأبرياء، ولا يمكن للمغاربة أن يتفرجوا ويظلوا صامتين، لهذا جاءت المسيرة التي تذكر بمسيرات سابقة، ولن تكون الأولى والأخيرة”.
بدوره، أوضح الناشط مصطفى المعتصم، أن خروج الشعب المغربي في المسيرة جاء للتضامن مع الشعب الفلسطيني، ورفضا للحصار، وأن لا يكون الفلسطينيون مثل الهنود الحمر للقرن 21، يتم ذبحهم وتقتيلهم وترحيلهم مرة أخرى، ولن يقبل المغاربة أن يعامل الشعب الفلسطيني كحيوانات يقتلون، في مشاهد مذابح الصليبيين الجدد بقيادة الولايات المتحدة وكنائسها الإنجيلية، التي تريد قتل الشعوب من أجل خرافات وهمية، قائلا: “نحن هنا نطالب حكام الدول العربية والإسلامية بأن يقفوا بجانب فلسطين، في تاريخنا الطويل، عايشنا محنا وصعوبات والتحالف المغولي الصليبي الذي اندحر وسيندحر الجميع وسينتصر المؤمنون”.
من جهته، يؤكد الحقوقي والمحامي ميلود قنديل، أن جميع الحقوقيين أعضاء الجبهة المغربية للتضامن مع فلسطين، يشاركون في هذه المسيرة لإعلان تضامنهم المطلق واللامشروط مع المقاومة والقضية الفلسطينية، وما تقوم به المقاومة دفاعا عن حقوق الشعب الفلسطيني، منددا بما تقوم به عصابات الكيان الصهيوني من تدمير للبنية التحتية وتقتيل الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء، مضيفا: “نقول لمن يراهن على القضاء على أجيال في فلسطين باستهداف الأطفال والنساء، أن رهانك فاشل، عودتنا بطون النساء الغزاويات على أن يخلفن ما تم تدميره من طرف الكيان الصهيوني، ندين بأشد العبارات الصمت العربي وعلى ما تقوم به هذه الكيانات من جرائم في حق البشرية، ونرفض التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني ومواصلة هذا التطبيع وعدم إغلاق مكاتبهم المفتوحة لديهم، ونعلن من خلال هذه المسيرة، أننا مع القضية الفلسطينية جملة وتفصيلا”.
وجاءت هذه المسيرة بدعوة من “الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع”، و”مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين”، دعما للشعب الفلسطيني المكافح ومقاومته الباسلة، وإدانة قوية للعدوان الهمجي على غزة، ولجرائم الحرب الصهيونية ضد المدنيين، والتي أحدثت دمارا هائلا في المستشفيات والمدارس والبنايات السكنية والمساجد والكنائس، وخلفت العديد من الشهداء والجرحى.