

يمكن تعريف الذكاء الاصطناعي كمجال من الإعلاميات التي تُنتج أنساقا معلوماتية قادرة على إنجاز أعمال أو مهام من المفروض أن يقوم بها الذكاء الإنساني، وقد صُمم ليقوم بالتفكير كإنسان والتعلم من أخطائه ونجاحاته، كما يمكن إضافة تعريف “زونغ 2006” كما يلي: فرع من العلوم والتكنولوجيا الحديثة يهدف إلى استكشاف أسرار الذكاء البشري من ناحية، وزرع الذكاء البشري في الآلات قدر الإمكان بحيث تتمكن الآلات أداء الوظائف على قدر استطاعتها، وعلى سبيل المثال نذكر الفرص الممكنة التالية:
1) تفريد التعلمات حسب حاجيات كل تلميذ أو متعلم ليصبح التعلم أكثر فعالية؛
2) الكشف عن نقاط القوة والضعف عند المتعلم واقتراح حلول مناسبة لكل فرد؛
3) إمكانية المساعدة خلال 24 ساعة مستمرة دون توقف خلافا لدور المدرس بالشكل الحالي؛
4) ترجمة نصوص من لغة إلى أخرى؛
5) التعرف على الصور؛
6) إعداد تصميم لدراسة موضوع معين؛
7) إعداد تمارين مكيفة مع مستوى كل تلميذ؛
8) تسريع تصحيح التمارين والعدد الكبير منها في وقت سريع؛
9) تمكين المتعلمين من التعلم عن بعد إلى غير ذلك من إمكانات تهم المدرسين والقائمين على تدبير شؤون المدرسة.
إلى جانب كل هذه المكتسبات التي تتطور يوما بعد يوم، تطرح مجموعة من الأسئلة حول مستقبل مجموعة من المهن التي ستتعرض للانقراض، مما يستدعي تكييف التعليم والتكوين المهني مع متطلبات العصر والتطورات السريعة، ومن جانب آخر، هناك بعض المفكرين الذين ينبهون إلى بروز واقع جديد يستعبد الإنسان من خلال طغيان التكنولوجيا إلى درجة الحديث عن بروز “ديكتاتورية رقمية” كظاهرة تكنوأجتماعية جديدة تحاصر الإنسان معرفيا، وزمانيا، ومجاليا، الشيء الذي أدى إلى اختراق حرية الفرد والنفوذ إلى حياته الشخصية بشكل خطير يكاد يتحول فيه الإنسان إلى عبد للتكنولوجيا.
وتشير التقارير الصادرة مؤخرا عن منظمة اليونسكو، إلى أن الذكاء الاصطناعي له القدرة على ربح مجموعة من التحديات التي تواجه الحقل التربوي اليوم، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي توفير أساليب تدريس جديدة وتعلم متجدد، وتسريع التقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة رقم 4، لكن في ذات الوقت، فإن هذه التطورات التكنولوجية المتسارعة تحمل في طياتها مجموعة من المخاطر والتحديات التي لم تتمكن النقاشات السياسية والإطارات التنظيمية من مسايرة أثار التطورات المتسارعة، لذلك، فإن منظمة اليونسكو عازمة على تدارك الموقف لمساعدة الدول على استثمار فرص استغلال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مع الحرص الشديد على احترام مبادئ الإدماج والانصاف، ويؤكد توجه اليونسكو الحرص الشديد على ضمان البعد الإنساني وعدم السماح لطغيان التفاوتات الحاضرة في الولوج إلى المعرفة وعدم السماح بتعميق الهوة الرقمية بين الدول، وفي هذا السياق، أصدرت المنظمة دليلا تحت عنوان: “الذكاء الاصطناعي والتعليم: إرشادات لواضعي السياسات”، مخصصا للقادة السياسيين خاص بموضوع الذكاء الاصطناعي، يهدف إلى بناء تصور موحد حول فرص استغلال الذكاء الاصطناعي، ويحتوي على المحاور الآتية:
1) أساسيات الذكاء الاصطناعي لصانعي السياسات؛
2) فهم الذكاء الاصطناعي والتعليم: الممارسات الناشئة وتقييم المخاطر والفوائد؛
3) تسخير الذكاء الاصطناعي لتحقيق هدف التنمية المستدامة؛
4) توصيات السياسات ومحاور أخرى.
وبقدر ما أكدت اليونسكو على أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقدم خدمات كبيرة للإنسانية في مختلف المجالات، وأن جميع الدول يمكن أن تستفيد من هذا التطور الهائل، لكن في الوقت ذاته تثير الانتباه إلى انشغالات أخلاقية واحتمال ظهور أثار جانبية على حقوق الإنسان والحريات الأساسية للأفراد والجماعات وتطور الديمقراطية.
من جهة أخرى، وبالموازاة مع تطور العالم الرقمي، يظهر حتما سؤال لغة التدريس التي عرفت منذ الاستقلال تناوب استعمال اللغة الفرنسية والعربية في تدريس العلوم خاصة، لكن من حسن الحظ أن المغرب مؤخرا بدأ يتجه إلى تعميم تدريس اللغة الإنجليزية بدء من السنة الأولى من السلك الإعدادي، وهو قرار ما لبث أن طالبت به مجموعة من الفعاليات الثقافية والعلمية، لتمكين المغرب من التمكن من استعمال لغة العصر والتكنولوجيا والتجارة الدولية والبحث العلمي.
وقد شكلت اللغة الفرنسية عائقا فعليا منذ عقود من الزمن لعدم استطاعتها الحفاظ على مكانتها على المستوى الأكاديمي عالميا وثقافيا، بل تراجعت أمام اللغات الإنجليزية والإسبانية والصينية، مما جعل من اللغة الإنجليزية المفتاح الأساسي للبحث العلمي المتقدم على الصعيد الدولي ولكل عصر لغته حسب ما يكشفه التاريخ خلال العصور البائدة، وعليه، فإن التسريع في اعتماد اللغة الإنجليزية في تدريس كثير من المواد، سيكون له الأثر الإيجابي على المدى المتوسط والبعيد.
وقد أصدرت اليونسكو في 23 نونبر 2021، توصية خاصة بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وهي في غاية الأهمية، تطرقت فيها إلى الأغراض والأهداف ونطاق التطبيق والقيم والمبادئ، وشملت مجموعة من المجالات بشأن السياسات نذكر منها: تقييم العواقب الأخلاقية؛ التنمية والتعاون الدولي؛ البيئة والنظم الإيكولوجية؛ المساواة بين الجنسين؛ والثقافة والتربية والتعليم والبحث العلمي؛ ثم الاتصال والمعلومات، وغير ذلك من المجالات كالصحة والاقتصاد والعمل..
وقد أقر المؤتمر العام للمنظمة الذي اعتمد هذه التوصية، بأن الذكاء الاصطناعي له عواقب حسنة وسيئة بالنسبة للمجتمع والبيئة والنظم الإيكولوجية، وحتى العقل البشري، نظرا لأسباب تهم التفكير والتفاعل واتخاذ القرارات لدى البشر، وكذلك في مجال التربية وكافة العلوم والثقافة والاتصال والمعلومات، كما تشير نتائج المؤتمر إلى أن وسائل الذكاء الاصطناعي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الفجوة الموجودة في العالم في الوقت الحاضر داخل البلدان وفيما بينها، وعليه، يتعين ترسيخ العدالة والثقة والإنصاف لكي لا يترك أي بلد أو أحد خلف الموكب، سواء كان ذلك من خلال الانتفاع العادل بوسائل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتمتع بمنافعها، أو من خلال الحماية من عواقبها السيئة.
إن مما لا شك فيه، أن التطور الرقمي بدأ في تغيير وجه الحضارة الإنسانية في القرن الحادي والعشرين بشكل غير مسبوق، وهذا التغيير شمل جميع مناحي تدخل الإنسان، سواء تعلق الأمر بالتواصل والحروب والطب والتجارة، بل جميع مناحي الحياة، وهنا يهمنا التأثير الجديد على تطوير التعليم وأساليبه ومضامينه لما له من أهمية في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية والعدالة الاجتماعية وصون حقوق وحريات الأفراد، فقد دخل الذكاء الاصطناعي عالم التعليم، حيث يتم تطوير “أنظمة التعلم الذكية” بشكل متزايد من طرف القطاع الخاص لنشرها في المدارس والجامعات حول العالم، مما يخلق سوقا يتوقع أن تبلغ قيمته 6 مليارات دولار أمريكي في عام 2024، وهذا الوضع الجديد يستلزم اتخاذ مجموعة من الإجراأت على مستوى السياسة التعليمية لمسايرة التحولات الرقمية ونذكر منها ما يلي:
1) خلق شعب جديدة لدراسة الذكاء الاصطناعي على مستوى مراكز تكوين المدرسين وجميع الأطر التي لها علاقة بالتعليم والتكوين المهني؛
2) إدماج مشاريع جديدة في البحث التربوي تختص بكيفية الاستفادة من إدماج الذكاء الاصطناعي في التعليم على جميع مستوياته؛
3) إبرام شراكات مع مراكز البحوث في الجامعات الصديقة للتعاون العلمي في هذا المجال؛
4) تكييف القوانين الوطنية مع المستجدات الرقمية وما تفرضه من إجراأت الحماية للمتعلمين من المخاطر المحتملة وفقا لتوصيات منظمة اليونسكو؛
5) تطوير التدبير الإداري والتربوي بدمج آليات الذكاء الاصطناعي، مما سيساعد المؤسسات التعليمية على سرعة تحليل المعطيات الإحصائية والتربوية للكشف عن نقط الضعف والقوة لدى المتعلمين لصياغة المشاريع التكميلية واتخاذ القرارات الصائبة بأسرع وجه ممكن، وذلك بوضع خطة رئيسية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة التعليم وتقييمه؛
6) إدماج آليات استعمال الذكاء الاصطناعي في مصوغات التكوين المستمر لتطوير أساليب التدريس وتمكين المدرسين على استعمال بعض التقنيات الجديدة لحل المشكلات؛
7) تطوير البنيات التحتية الرقمية لتمكين التلاميذ من الاستفادة من التعليم عن بعد، واستغلال وسائل التعلم التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، وتسريع تعميم التعليم في المناطق النائية.
إن الانتقال من النموذج التربوي الحالي إلى نموذج جديد يعتمد على مبادئ المقاربة الحقوقية والإنصاف، يلزمنا التفكير في تطوير براديغم جديد يستفيد من التطور التكنولوجي المعاصر، ويمكن من فرص أخرى لتجديد المدرسة المغربية وتمكينها من الارتقاء بجودة التعليم مع تحقيق درجة أعلى من الإنصاف حتى لا يظل أحد على الهامش.