للنقاش | خرق الاتفاقيات الدولية عبر تجنيد الأطفال من طرف البوليساريو والجزائر

بالمعاينة وبالصورة وبجميع وسائل الإعلام المختلفة، شاهد العالم من أدناه إلى أقصاه، كيف قامت العصابة الإرهابية جبهة البوليساريو، والتي يحتضنها ويدعمها الحكم العسكري في الجزائر، بتجنيد أطفال لا يزيد عمرهم عن عشر سنوات، انتزعتهم من أحضان أمهاتهم، وأجبرتهم على ارتداء اللباس العسكري والقبعة الحديدية وحمل البندقية، وشحنت عقول هؤلاء الصغار الأبرياء بأن يتعودوا على البغض والكراهية، والقتل وسفك الدماء بدل أن يكونوا في المدارس يتلقون تكوينا علميا ليصبحوا جديرين بحمل المشعل ومتابعة ما بناه الآباء والأجداد، وفي صحراء قاحلة، وتحت أشعة شمس حارقة، يتلقون من الإرهابيين كيف يستعملون السلاح لإزهاق الأرواح بدون رحمة ولا شفقة، ولا اعتبار لرضيع أو مسن أو معاق.

من هيئة المحامين بالرباط
إن ممثل المغرب لدى هيئة الأمم المتحدة، عمر هلال، شرح الوضع المؤسف المحزن الذي يعيشه الأطفال في مخيمات البوليساريو، لممثلي جميع الدول، وقدم الحجج والصور كأدلة إثبات على تجنيد الأطفال من طرف الجبهة الانفصالية، ولم يصدر من العصابة الإرهابية أي رد فعل، لأنها وجدت نفسها أمام حجج مقنعة لا سبيل لدحضها.. إنها فعلا مأساة إنسانية وفاجعة لا يمكن للمجتمع الدولي أن يسكت عنها أو يغض النظر عنها، لأن جميع الشرائع مستقرة على حماية الأطفال من كل عنف أو استغلال، أو تسخيرهم في أعمال مضنية وشاقة، كما أن هناك اتفاقيات دولية تحرم إقحام الأطفال في المنازعات، ولاسيما النزاعات المسلحة التي تستخدم فيها الأسلحة الفتاكة، ومنها اتفاقية دولية وقعت عليها الجزائر وبواسطة من يمثلها، وهما مصطفى بن منصور وزير الداخلية والجماعات المحلية والبيئة، ومحمد أدمي وزير العدل، وهي الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، وجاء في فقرة من الديباجة ما يلي: ((إن الدول العربية الموقعة، رغبة في تعزيز التعاون فيما بينها لمكافحة الجرائم الإرهابية، التي تهدد الأمة العربية واستقرارها، وتشكل خطرا على مصالحها، والتزاما بالمبادئ الأخلاقية والدينية السامية، ولا سيما أحكام الشريعة الإسلامية، وكذا بالتراث الإنساني للأمة العربية التي تنبذ كل أشكال العنف والإرهاب وتدعو إلى حماية حقوق الإنسان، وهي الأحكام التي تتماشى معها مبادئ الدول وأسسها التي قامت على تعاون الشعوب من أجل إقامة السلام، فقد اتفقت على عقد هذه الاتفاقية داعية كل دولة عربية لم تشارك في إبرامها، إلى الانضمام إليها))، والجزائر بوفدها وافقت على الاتفاقية والتزمت بجميع بنودها، ومن المعلوم أن الاتفاقيات الدولية سابقة في التطبيق على التشريع الداخلي الوطني وهذه الاتفاقية حررت باللغة العربية بالعاصمة المصرية القاهرة، بتاريخ 1414.12.25 هجرية الموافق لـ 1998.4.22، من أصل واحد مودع بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية، ونسخة مطابقة للأصل تحفظ بالأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب، وتسلم نسخة مطابقة للأصل لكل طرف من الأطراف الموقعة على هذه الاتفاقية أو المنضمة إليها، وقد قام وزراء الداخلية والعدل العرب بتوقيع الاتفاقية نيابة عن دولهم، ومثل المملكة المغربية وزير الداخلية إدريس البصري ووزير العدل عمر عزيمان، وهذه الاتفاقية عرفت المقصود بالإرهاب، والجريمة الإرهابية، فـ((الإرهاب هو كل فعل أو التهديد به أيا كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر، أما العمل الإرهابي: فهو كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به لغرض إرهابي في أي من الدول المتعاقدة، أو على رعاياها أو ممتلكاتها أو مصالحها، يعاقب عليها قانونها الداخلي، كما تعد من الجرائم الإرهابية الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقيات التالية، عدا ما استثنته منها تشريعات الدول المتعاقدة أو التي لم تصادق عليها))، وقد عددت الفقرة رقم 3 من المادة الأولى تلك الاتفاقيات، وهذه الاتفاقية نصت على أسس التعاون العربي لمكافحة الإرهاب، وتدابير منع ومكافحة الجرائم الإرهابية، وفي المجال القضائي، أشارت الاتفاقية إلى مسطرة تسليم المجرمين، والإنابة القضائية، والتعاون القضائي، والأشياء والعائدات المتحصلة عن الجريمة والناتجة عن ضبطها، وتبادل الأدلة، وآليات تنفيذ القانون، وإجراءات التسليم، وإجراءات الإنابة القضائية، وإجراءات حماية الشهود والخبراء، ثم الأحكام الختامية، ومن أهم ما جاء في باب الأحكام الختامية، أنه ((لا يجوز لأي دولة من الدول المتعاقدة، أن تبدي أي تحفظ ينطوي صراحة أو ضمنا مخالفة لنصوص هذه الاتفاقية، أو الخروج عن أهدافها))، وطبعا، فإن النظام العسكري الحاكم في الجزائر ليس له وقت للاطلاع على تلك الاتفاقية، لأنه منهمك ومشغول بحبك المؤامرات ضد جاره المغرب، وحاولنا أن نذكره ببعض ما هو مهم وما جاء في الاتفاقية، وما يتعلق بالإرهاب ويدعمه، لعل الذكرى تحرك ما بقي لهم من مشاعر، ولكن لا يتذكر إلا أولوا الألباب، أما بخصوص الطفولة وحمايتها، فنذكر النظام العسكري الحاكم في الجزائر بالبروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة الموقع بنيويورك في 25 ماي 2000، وهذا البروتوكول نص في مقدمته على أسباب النزول، ومنها أن حقوق الطفل تتطلب حماية خاصة، وتستدعي الاستمرار في تحسين حالة الأطفال دون تمييز، فضلا عن تنشئتهم وتربيتهم في كنف السلم والأمن، وحتى لا يقع خلط وتضارب في مفهوم الطفل، فإن المادة 1 من اتفاقية حقوق الطفل تحدد أن المقصود بالطفل، هو ((كل إنسان يقل عمره عن 18 سنة ما لم يكن بلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المطبق على الطفل))، والمملكة المغربية الواعية بحقوق الطفل وحمايته، بادرت إلى المصادقة على ذلك البروتوكول، ونشر في الجريدة الرسمية عدد 5191 تاريخ فاتح مارس 2004 الصفحة 758، وتنص المادة 1 على أن ((تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الممكنة عمليا لضمان عدم اشتراك أفراد قواتها المسلحة الذين لم يبلغوا الثامنة عشر من العمر اشتراكا مباشرا في الأعمال الحربية))، والمادة 13 من البروتوكول تنص على أنه ((يودع ذلك البروتوكول الذي تتساوى نصوصه الإسبانية والإنجليزية والروسية والصينية والعربية والفرنسية في حجيتها، في محفوظات الأمم المتحدة، ويرسل الأمين العام للأمم المتحدة نسخا مصادقة من البروتوكول إلى جميع الدول الأطراف في الاتفاقية وجميع الدول الموقعة عليها))، كما أن المملكة المغربية صادقت على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء وفي مواد الإباحة، والموقع بنيويورك بتاريخ 25 مارس 2000، ونشر في الجريدة الرسمية العدد المذكور، وخصص البروتوكول للطفل المكفول حماية خاصة نظرا لهشاشة وضعيته، فنصت الفقرة 5 من المادة 3 على أن تتخذ الدول الأطراف كافة الإجراءات القانونية والإدارية الملائمة التي تكفل تصرف الأشخاص المشاركين في عملية تبني طفل تصرفا يتماشى مع الصكوك القانونية الدولية الواجبة التطبيق، وكل ما يتعلق بحماية الطفل، وإضافة إلى ما تنص عليه الشريعة الإسلامية في موضوع حقوق الطفل وهو جنين في بطن أمه، وأن المغرب صادق على الاتفاقية رقم 182 والتوصية رقم 190 بشأن حظر أسوء أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها المعتمدتين من طرف المؤتمر العام الدولي للشغل، ونشر الظهير الشريف المتعلق بنشر الاتفاقية في الجريدة الرسمية عدد 5164 تاريخ 27 نونبر 2003 الصفحة 3897 وما بعدها، لذلك فإن المجتمع الدولي والسفراء الدائمين لدى الأمم المتحدة، لما اطلعوا على الحجج والصور المتعلقة بتجنيد الأطفال في مخيمات تندوف ومن طرف عصابة البوليساريو وسنهم لا يتجاوز سبعة أعوام، واستمعوا إلى مداخلة سفير المغرب الدائم لدى الأمم المتحدة، تيقنوا أن الوضع يتعلق بعصابة إرهابية مسلحة ترتكب أخطر جريمة إنسانية، هي الاعتداء على براءة الطفولة وتسخيرها في أعمال قتالية بدعم ومساعدة عمياء من طرف النظام الجزائري، لذلك لن تكون تلك العصابة جديرة بحمل اسم دولة وهي متنكرة لجميع القيم التي يقوم عليها المجتمع الدولي وما صادقت عليه الدول الممثلة في هيئة الأمم المتحدة.

ونصل إلى اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة، وهي اتفاقية مهمة بين البلدان التي وعدت بحماية حقوق الأطفال، وجميع الحقوق في هذه الاتفاقية مترابطة وهي متساوية في الأهمية ولا يجوز حرمان الأطفال منها، وقد عرفت الاتفاقية الطفل بأنه هو شخص يقل عمره عن 18 سنة، ويجب عدم التمييز بين الأطفال، ويجب على الحكومات أن تفعل كل شيء ممكن للتأكد من أن كل طفل في بلدها يتمتع بكل حقوقه الواردة في الاتفاقية، وعلى الحكومات منع إخراج الأطفال من بلدانهم بشكل غير قانوني، مثلا في حالة حوادث الخطف أو عندما يقوم أحد الوالدين باحتجاز الطفل في بلد آخر دون موافقة الوالد الآخر، وعلى الحكومات حماية الأطفال من العنف، والإساءة، والتعرض للإهمال من قبل أي شخص مسؤول عن رعايتهم، وأكدت الاتفاقية على حق الأطفال في الحماية من القيام بالأعمال الخطرة التي تمنعهم من الحصول على التعليم أو تضر بصحتهم، وإذا عمل الطفل، فيحق له أن يكون آمنا في العمل وأن يحصل على أجر مناسب للعمل الذي يقوم به، ومما نصت عليه الاتفاقية أيضا، أنه على الحكومات حماية الأطفال من استخدام أو حمل أو بيع المواد الضارة والممنوعة، أما البند رقم 38 من الاتفاقية وعنوانه “الحماية أثناء الحروب”، فقد جاء فيه: ((يحق للأطفال الحماية أثناء الحروب، ولا يجوز إشراك الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة في الجيش أو في الحروب))، وإذا كان نظام العسكر في الجزائر قد ضرب تلك الاتفاقيات بعرض الحائط، فإن رجال القانون المتخصصين تنبهوا إلى جريمة تجنيد الأطفال في الحرب، حيث جاء في دفتر البحوث العلمية المجلد 8 العدد 1 ـ 2020 الصفحة 95ـ110 وتحت عنوان: “جريمة تجنيد الأطفال” ما يلي: ((إن تجنيد الأطفال في الحروب شيء محزن، فالأطفال الذين يؤدون هذه الأعمال يتعرضون لنفس الأخطار التي يتعرض لها المقاتلون الكبار، إلا أنهم يختلفون عنهم في أنهم لا يعرفون حق المعرفة نتائج الأعمال العدائية، وذلك لأن بعض الحكومات والكيانات غير الحكومية المسلحة تشجع وأحيانا تجبر الأطفال على المشاركة في الأعمال العدائية، كما أنهم قد يدفعون في بعض المناطق التي تدور فيها منازعات مسلحة، إلى الاشتراك في الأعمال العدائية بسبب عدم وجود وسائل أخرى لتلبية احتياجاتهم الأساسية من الغذاء والملبس والمأوى، أي أن الأطفال ليسوا فقط ضحايا للمنازعات المسلحة، ولكنهم أصبحوا يحملون السلاح ويلعبون دورا إيجابيا في المنازعات المسلحة التي تقع في كثير من مناطق العالم كجزء من آلة الحرب في العالم، في الوقت الذي يجب على الدول اتخاذ جميع التدابير الممكنة لكي تضمن أن لا يشترك الأشخاص الذين لم يبلغ سنهم خمسة عشر سنة اشتراكا مباشرا في الحرب)).
هذا هو رأي فقهاء القانون، أما حكام الجزائر، فآمل ألا يكون مصيرهم قاتما هم أو أحد أقاربهم كمصير أسرة المعارض أنور مالك، وما ذكره فقهاء القانون، هو الذي يروج ويدور الآن في الجزائر، أطفال صغار يجندون لخوض معركة قد يكونوا أول ضحاياها، ويشكلون ذرعا أماميا يحتمي به الجبناء والإرهابيون، غير عابئين بمشاعر وحزن أمهاتهم، وفي معركة خاسرة لا يجنون منها سوى الهزيمة الشنعاء، لا سيما وأن مسؤولا جزائريا صرح بأن المرتزقة لن يكونوا في يوم ما مواطنين جزائريين، وأنه لا توجد دولة قامت بتحرير دولة أخرى، وعلى من يريد الحرية أن يحمل البندقية ويخوض غمار الحرب من أجلها، من المؤسف أن “اليونيسيف” لم تقم بدور فعال لإنقاذ أطفال مخيمات تندوف وهي التي تدعي أنها عملت في أكثر من 190 بلدا وإقليما لحماية حقوق كل الأطفال، وفي أصعب الأماكن في العالم للوصول إلى الأطفال والمراهقين الأشد حرمانا ولحماية كل الأطفال في كل مكان، باستثناء أطفال مخيمات تندوف، وأنها بذلت كل ما يلزم لمساعدة الأطفال على البقاء على قيد الحياة والازدهار وتحقيق إمكاناتهم من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الطفولة المبكرة وحتى مرحلة المراهقة، وإذا كانت “اليونيسيف” تتمسك بالحياد، فإنها عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن حقوق الأطفال وحماية حياتهم ومستقبلهم، استثنت أطفال تندوف وتركتهم معتقلين وحياتهم في خطر، ومحرومين من التعليم وحتى من التنقل من أجل العلاج، وها هم يجندون ليكونوا حطب نار حرب ضروس لا قدر الله.
ولقد تشدد المشرع المغربي في موضوع حماية الأطفال، من ذلك أن القانون الجنائي ينص على حماية الطفل وهو جنين في بطن أمه، ابتداء من الفصل 449 إلى الفصل 478، بالإضافة إلى الفصول المتعلقة بإهمال الأسرة: الفصل 479 إلى الفصل 482، وكذلك حماية الطفل خلال المنازعات المتعلقة بين الزوجين كما هو منصوص عليه في مدونة الأسرة التي تنص على عدم المساس بحق الطفل، وعلى شروط تمس تربيته وتعليمه إضافة إلى سكناه وزيارته والرعاية الاجتماعية المعروفة، وكل من اعتدى على طفل ولو كان من الوالدين يعاقب بعقوبة قاسية إذا نتج عن الاعتداء إزهاق روحه، كما نظم المشرع موضوع الإجهاض وحرمه إلا في حالة استثنائية وبشروط مشددة وتحت مراقبة طبية مكثفة.
إن وضعية أطفال تندوف تقع مسؤولياتها على عاتق نظام الحكم في الجزائر، وعلى عاتق تلك العصابة الإرهابية التي تحتضنها، وعلى المجتمع الدولي أن يتخذ الموقف الحازم لإنقاذ هؤلاء الأطفال عن طريق حل أزمة مفتعلة والحل الذي قدمه المغرب ووجد فيه المجتمع الدولي الحل المقبول الذي يتمتع بالمصداقية والحكمة والرزانة وضمان العيش الكريم.