كواليس الأخبار

تحت الأضواء | مدونة الأسرة تفتح باب صراع جديد بين الحداثيين والمحافظين

الرباط. الأسبوع

    أعادت الرسالة الملكية التي وجهها الملك محمد السادس إلى رئيس الحكومة قضية مدونة الأسرة للساحة السياسية والحقوقية، بعدما أعطى تعليماته للحكومة بفتح مشاورات لإعادة النظر في مدونة الأسرة المثيرة للجدل لمدة 19 سنة، والتي خلقت صراعات وخلافات بين الحداثيين والمحافظين حول العديد من المواضيع المرتبطة بالأسرة، والأزواج، والأبناء، وزواج القاصرات، والإرث، والولاية، والحضانة.

وحمل بلاغ الديوان الملكي مقاربة جديدة في إصلاح مدونة الأسرة، من خلال إسناد الإشراف العملي بشكل جماعي ومشترك لكل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وذلك بالنظر لمركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع، بالإضافة إلى إشراك الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، مع الانفتاح أيضا على هيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين والمختصين، كما حدد البلاغ مدة ستة أشهر لتوسيع المشاورات حول إصلاح مدونة الأسرة قبل رفع المقترحات والتعديلات التي ستنبثق عن هذه المشاورات التشاركية إلى الملك محمد السادس، وذلك قبل قيام الحكومة بإعداد مشروع القانون المتعلق بالمدونة وعرضه على البرلمان للمصادقة عليه.

تتمة المقال تحت الإعلان

وقد فتح القرار الملكي الباب أمام الإشراف الجماعي على إصلاح المدونة لأول مرة، عوض تعيين لجنة ملكية كما كان في السابق، لفتح المشاورات مع السياسيين والحقوقيين والمجتمع المدني، حيث أن إشراك المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة إلى جانب وزارة العدل، يأتي من الجوانب القضائية، لكون هذه المؤسسات الدستورية لديها تجربة في الميدان من خلال القضايا التي تعالجها في مختلف محاكم المملكة والمرتبطة بحياة الناس في المجتمع.

ويرى العديد من المتتبعين أن القرار الملكي بخصوص مراجعة مدونة الأسرة، تنبيه إلى وزير العدل عبد اللطيف وهبي، الذي سبق أن أعلن أنه ماض في الإصلاحات القانونية للمدونة لوحده دون الاهتمام بالنقاش العمومي حولها، مما أثار استياء المحافظين والجمعيات الحقوقية، وخلق خلافات داخل التحالف الحكومي بسبب رفض الاستقلاليين للمقاربة التي يفرضها وزير العدل بخصوص مشاريع العديد من القوانين.

وبهذا الخصوص، تقول بثينة قروري، أستاذة جامعية وناشطة في العمل النسائي، أن المغرب راكم تجربة متميزة في تدبير مختلف الآراء والتيارات الفكرية والسياسية التي تناقش موضوع مدونة الأسرة، حيث أن الجميع يتذكر التدبير الملكي الذي نتج عنه صدور مدونة الأسرة سنة 2004، من خلال إحداث لجنة ملكية استشارية قامت بالمشاورات اللازمة وكانت تشكيلتها متنوعة تضم جميع المختصين، وقامت بالمشاورات مع جميع الأطياف الفكرية والسياسية والمجتمع المدني، لتخرج في الأخير مدونة الأسرة التي لاقت رضى الجميع، مضيفة أن نفس المنهجية متبعة اليوم وإن كانت بآلية أخرى، إذ نلاحظ أن اللجنة مشكلة حتى من السلطة القضائية التي تسهر أساسا على تنفيذ وتنزيل ما يتعلق بمدونة الأسرة، لكونها على دراية بالإشكاليات الميدانية لهذا الموضوع.

تتمة المقال تحت الإعلان

ويؤكد البلاغ الملكي على قضية أساسية ألا وهي المشاورات، التي وردت أكثر من مرة، وإشراك المجلس العلمي الأعلى بحكم أنه معني بالمجال الديني وله الحق في إصدار الفتوى، ثم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والوزارة الوصية، والباحثين ومختلف أطياف المجتمع المدني، وهذه المنهجية متوازنة، فقط يبقى على الساهرين على تنزيل هذه المنهجية وفق هذه الآلية، السهر على إنجاحها، من خلال إشراك حقيقي لجميع الآراء ودراستها، لأن موضوع مدونة الأسرة ليس بالموضوع السهل، بل هو حساس جدا، يرتبط بالشق المدني، لكنه يتضمن شقا شرعيا كبيرا جدا، وبالتالي، فهو يتطلب تعاملا دقيقا قبل إقرار البنود، تقول قروري، مؤكدة أنه لدينا تجربة مختلفة عن تجربة ما قبل دستور 2011، بوجود سلطتين: التنفيذية، والقضائية التي تشرف على هذا الأمر، حيث أن قانونا من هذا الحجم لا يمكن أن يضعه قطاع حكومي معين.

من جانبها، أكدت السعدية بنسهلي، عضو المكتب السياسي ومنظمة النساء الاتحاديات، أن الرسالة الملكية بخصوص فتح مشاورات حول المدونة، جاءت في سياق مهم وفي ظل دينامية وتحولات مهمة تعرفها المملكة في جميع المستويات المجتمعية لإقلاع تنموي جديد، وفي إطار تصور ناظم لإعادة بناء المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، حيث أن قضية المرأة ظلت في عمق هذا التحول، قائلة أن الرسالة الملكية تتطلب من الحكومة أن تستنفر كافة جهودها ومكوناتها، وتستدعي الهيئات المعنية لتوسيع المشاورات وإشراك المجتمع المدني وفق ديمقراطية تشاركية، لكونه فاعل أساسي في إعطاء اقتراحات مهمة جدا لكي نكون في مستوى الحدث.

وأضافت بنسهلي، أن “هذه المدونة جاءت بعد نضالات مهمة جدا اعتبرت أن قضية النساء هي قضية مجتمعية، وأن جميع الأهداف الكبرى التي يمكن تحقيقها في إطار النماء والارتقاء بالإنسان المغربي، لا يمكن أن يكون إلا بإنصاف هذه الفئة، لأنها بطبيعة الحال من قيم كونية إنسانية: المساواة، المناصفة، الإنصات، وتكافؤ الفرص في جميع المجالات، والرسالة هي امتداد لمبادرة الملك في إطار مراجعة مدونة الأسرة التي كانت محطة مفصلية في هذا المسار الإصلاحي الكبير الذي عرفه المغرب، وعرفته قضية المرأة المغربية، وهو استمرار بعد 19 سنة على تطبيق المدونة”، ذلك أن هناك تراكمات والعديد من الاختلالات التي شابت تطبيق المدونة في الفترة السابقة، بالرغم ما جاءت به المدونة من قفزة نوعية في هذا المسار بفضل المسار النضالي النسائي، إلا أنه على مستوى التطبيق العملي، ظهرت اختلالات كبيرة في المجال القضائي تتعلق بـ: الولاية، الحضانة، الطلاق، ومجالات أخرى، تركت تأثيرا بالغا على الأطفال والأسرة. وقد كان الملك محمد السادس واضحا في خطابات عديدة عندما تحدث عن الأسرة وليس المرأة فقط، باعتبارها مكونا أساسيا للمجتمع، لأنها كلما تمكنت هذه الأسرة من كافة حقوقها كلما توفرت شروط الحياة الكريمة للمرأة وللأطفال وتحققت المساواة، وبالتالي، نضع أساسا متينا لتطور المجتمع المغربي.

تتمة المقال تحت الإعلان

إن توسيع المشاورات مع جميع الهيئات المعنية بشكل مباشر أو غير مباشر بقضية المرأة والأسرة، تعتبر خطوة مهمة، خاصة وأن النيابة العامة لديها اطلاعا وملفات حول الاختلالات الموجودة في المجتمع، وكذلك الشأن بالنسبة للسلطة القضائية، التي بدورها لديها العديد من القضايا الشائكة والاختلالات التي يقف عندها القضاة ووكلاء الملك والوكلاء العامون والتي تشوب تطبيق المدونة، وذلك قصد القيام بتشخيص حقيقي وموضوعي تكون فيه الاقتراحات مبنية على الإجراءات العملية وتشخيص تطبيق المدونة والآفاق لتطويرها بما يتناسب والتطور المجتمعي لبلادنا، واعتبار تمكين المرأة والطفولة من كافة الحقوق، هو حجز الزاوية لتحقيق التنمية المجتمعية، مع ضرورة إشراك فعلي وحقيقي لجميع الهيئات قصد إخراج مدونة في مستوى تحديات ورهانات المجتمع المغربي.

وسبق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان أن طالب – في تقريره السنوي – بمراجعة مدونة الأسرة بما يكفل المساواة بين الجنسين داخل الأسرة وحماية السلامة الجسدية للأطفال، بإلغاء الاستثناء الوارد في المادة 20، والذي يسمح بتزويج الأطفال، مركزا ضمن أولوياته على موضوع المساواة ومناهضة التمييز المبني على النوع وعيا منه بأن تمكين المرأة وتحقيق المساواة الفعلية القائمة على التمتع الفعلي بجميع الحقوق، شرط أساسي لبناء مجتمع عادل يصون كرامة كافة أفراده دون أي تمييز، وداعا إلى إدخال تعديلات على مدونة الأسرة لملاءمتها مع الدستور ومع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وحذف كل النصوص التمييزية بما في ذلك التمييز الذي يعاني منه الأطفال المزدادون خارج مؤسسة الزواج والأمهات العازبات، والتمييز الذي يواجه النساء في موضوع الولاية على الأبناء، والتبعية للأب في الحماية الاجتماعية دون مراعاة المصلحة الفضلى للطفل كما هو منصوص عليه في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، وحذف المقتضيات المتعلقة بتزويج الطفلات ومراجعة نظام المواريث الذي تسهم بعض تطبيقاته في تعميق ظاهرة تأنيث الفقر.

وسجل المجلس الوطني لحقوق الإنسان تفشي ظاهرة تزويج الطفلات بمجموعة من الجهات، وخاصة بجهتي درعة تافيلالت ومراكش أسفي، ورغم أن الإحصائيات الرسمية تؤكد انخفاض عدد عقود تزويج الطفلات المسجلة بالمحاكم، إلا أن هناك مخاوف جدية من أن تأخذ هذه الزيجات صورا أخرى ملتبسة، من قبيل “زواج الفاتحة”، أو “زواج الكونترا”.

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى