مع الحدث

مع الحدث | لماذا رفض المغرب المساعدات “الملغومة” ؟

بقلم: ذ. عبد الواحد بن مسعود
من هيئة المحامين بالرباط

    في إطار التضامن الإسلامي، عبرت عدد من الدول الشقيقة والصديقة، والمرتبطة مع المملكة المغربية بعلاقات طيبة واحترام متبادل، عن رغبتها في تقديم المساعدة الممكنة على إثر زلزال الحوز، وذلك وفق ما تنص عليه التقاليد والأعراف وممارسة السيادة، ووفق الاحتياجات التي يتطلبها الموقف، ونذكر بأن قبول الدولة المنكوبة تلك المساعدات، ونظام قبول المساعدات، وتنظيم وصولها، وبيان نوعها.. يخضع لنظام وبرنامج دقيقين، يشمل كيفية وصولها ونقلها وتخزينها ومسطرة توزيعها، وليس من الضروري أن تقبل الدولة المنكوبة جميع أنواع المساعدات وما تحتوي عليه، ومن أي جهة كانت، بل يمكن للأمة المنكوبة بعد شكر الدولة التي عبرت عن أسفها وحزنها وتنكيس أعلامها، أن تعتذر عن  وصول تلك المساعدة، وتبقى العلاقات في مستواها العادي والطبيعي، والدولة التي حاولت استغلال هذه المأساة، غير عابئة بحزن وألم من فقد زوجته وجميع أولاده، وآلام اليتيم، ولا معاناة الجرحى، ورفضت مجرد تنكيس الأعلام، وهي أقل إشارة لمشاطرة أحزان الضحايا، ومن باب الخبث والنفاق والتبجح، أعربت عن رغبتها في تقديم المساعدة المسمومة الملغومة، لذلك، فإن أي فرد من الشعب المغربي له غيرة على وطنه، يرفض رفضا قاطعا أن يقبل أي مساعدة من مستعمر حاقد وسياسي مراهق، لا زال يحن للعهد الاستعماري، كما أن الشعب المغربي تحت قيادته الحكيمة، وقف بتعبئة كاملة وبما يتوفر عليه من إيمان وتضامن، وبرهن على أنه بوسائله الخاصة وبالتحام جميع مكوناته قادر على التغلب على الأزمة وتطويقها واحتواء ما خلفته من أثار قاسية كما حدث في أزمات حادة سابقة، ويرفض مساعدة من المستعمر ومن يكن له العداء بدون سبب، والرفض نعلله بما يلي: بالنسبة لمن لا يزال يفكر بعقلية استعمارية، وهذا الرفض تمسك به المغاربة وعبروا عنه، ونشرته الصحافة الوطنية، ومن ذلك مثلا ما عبر عنه الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بفرنسا، حيث شرح للفرنسيين أن وطنية المغاربة ليست محلا للمساومة، وقال أن أي طلب بخصوص المساعدات الخارجية أو غيرها، يجبل أن تقدم حصريا لممثل البلاد الشرعي والدستوري وليس لغيره، لأن المغرب لا يعيش في حالة فراغ السلطة.

وكمواطن أنعم الله عليه بأن يكون من ضمن رعايا هذه البلاد المحاطة بحفظ الله ورعايته، وبناء على أن الدستور المغربي ينص على أن حرية التفكير والتعبير مكفولة بكل أشكالها، فإنني أعبر عن رفضي القاطع لكل مساعدة تأتي من يد ملطخة بدماء الشهداء المغاربة، ومن دولة استعمارية عانى الشعب المغربي من بطشها وسرقتها صنوفا من المعاناة والظلم وإزهاق أرواح المناضلين، وأعلل سبب رفضي بما يلي: أولا، أقول لـ”السياسي المراهق”، يجب أن ترسخ في ذهنك أن محمد السادس هو المغرب، وأن المغرب هو محمد السادس، ولا تكن وقحا وجسورا وتخاطب مباشرة أي جهة كانت، فإنها لن تسمع ترهاتك، ولن تهتم بأقوالك، لأنك غير مؤهل وليست لك أي صفة لتخاطب الشعب المغربي، كما أن ديننا لا يسمح لنا بأن تكون لك علينا أي سلطة؟ وسأستعرض معك أسباب الرفض الأخرى: إن فرنسا منذ توقيع ما سمي بالاتفاق الودي المبرم بين الدول الاستعمارية التي وافقت على توزيع البلدان العربية والإسلامية، والتي ستكون تحت نير الاستعمار، كان الاستعمار الفرنسي عن طريق التضليل – كما ورد في  عقد الحماية سنة 1912- يزعم أن له اهتماما بتأسيس نظام مضبوط مبني على السكينة الداخلية والراحة العمومية، وإدخال إصلاحات، وإثبات النشر الاقتصادي بالمغرب، وأن الإصلاحات ستشمل المجال الإداري والعدل والتعليم والاقتصاد والمالية والعسكرية مع احترام حرمة السلطان وشرفه العام، وكذلك احترام الحالة الدينية والشعائر الإسلامية ونظام الأحباس، لكن ما لبث الاستعمار الفرنسي أن طبق عكس ما التزم به، طبق سطوته وبطشه بشدة وقوة وعنف واعتقال وإعدام، ومحاربة لغة البلاد، والاستيلاء على خيراتها وتغيير النظام القضائي، وإدخال تشريعات نابليون، وقانون نزع الملكية، وقوانين لكل منطقة لإحداث الميز والتفرقة بين أبناء الأمة الواحدة، مثل “الظهير البربري”، وقتل المقاومين ونفي زعماء الحركة الوطنية، والاعتداء على الشرعية بنفي ملك البلاد محمد الخامس وأسرته الشريفة.. فكيف نقبل المساعدة وهذه الصور القاتمة لا زالت راسخة في أذهاننا؟ ويتمادى الطائش المغرور وينحاز لأعداء الوحدة الترابية، ويتجاهل الأعراف والتقاليد الدبلوماسية، فسولت له نفسه توجيه خطاب مباشر للشعب المغربي ظنا منه أنه سيتفاعل مع حماقته، وغاب عنه أن للمغرب  قائدا واحدا هو ملك البلاد، وهو من يمثل الشعب المغربي، وهو الوحيد الذي يقع التحاور معه، وصاحب ذلك الخطاب لم يتعظ بنصح برلمانه وقيادة بلاده، وأنه يجر وطنه إلى الهاوية، لأن سياسته الفاشلة تسببت في طرد فرنسا من القارة الإفريقية، وفرنسا تعهدت في فصل من معاهدة الحماية، بإعطاء جلالة السلطان الإعانة المستمرة ضد كل خطر، بينما كانت بحكامها العسكريين الطغاة أول من اعتدى على السلطان، وتعرض من حاول أن يحل محله لمحاولة اغتيال قام بها الفدائي الشهيد علال بنعبد الله تغمده الله برحمته.. فكيف نطاوع مشاعرنا ونقبل هذه المساعدة الملغومة، لقد أمدنا الله بالصبر والثبات، وأيقظ فينا روح التضامن والتكافل وتقديم المساعدات لبعضنا البعض، وتغلبنا على ما أصابنا والحمد لله ولا يحمد على مكروه سواه، والخير في ما اختاره الله، حيث شاهدنا أنه بعد الزلزال، تفجرت الصخور والجبال وتدفقت منها شلالات المياه، وأعتقد أن الله سبحانه وجه لنا رسالة تدل على رضاه نتيجة صبرنا على قدره، ولأنه بصيغة التوكيد ذكر أنه مع العسر يسرا، أما بمساعدة من حشرنا الله معهم في الجوار، فلا يمكن أن نقبل ولو أصابتنا المجاعة.

إن جريدة “الأسبوع” نشرت (في عدد 23 شتنبر 2023) ملفا عن “الأزمات المغربية الفرنسية بين ملكين.. من دوغول إلى ماكرون”، نشرت الأزمات الخانقة مع فرنسا، التي كدرت صفو عيشنا، وعرقلت مسيرة نمونا وتقدمنا، وأن فرنسا تعتقد أن المغرب لا زال من ضمن مستعمراتها، وتلك الأزمات وقعت في سنوات 1965 و1981 و2014 و2020، وأزمات سنة 2023.. أزمات مست شخصية ملكنا وحرمة الساهرين على أمننا، والاستهانة بوطنية المغاربة وإخلاصهم لله وللوطن وللملك، لقد سئمنا حتى أصبحنا لا نطيق سماع كلمة فرنسا، ونود أن نضع حلا وحدا نهائيا مع كل نظام يعتدي على مقدساتنا، فلا خوف ولا حزن يساورنا، ولم تكن فرنسا عبر تاريخ المغرب من مقومات وجوده.

تتمة المقال بعد الإعلان

مساعدة ماكرون لا نثق فيها، ولسنا في حاجة إليها، ورب البيت يحميه، وستكون مساعدته سما مدسوسا، ولن نقبل مساعدة من يسعى للمس بوحدة وطننا، واستعان بالمرتزقة ومدهم بالمال والسلاح للاعتداء على أراضينا، وعلى حماة حدودنا، وشنت صحافته هجمات شرسة كاذبة وأخبار مزيفة، وقدم الرشوة لبعض المنظمات لتشوه كفاحنا من أجل استكمال وحدتنا الترابية ورجوع المغرب لحدوده الحقة التي كانت له قبل السيطرة الاستعمارية، فلن نقبل مساعدتكم لأنكم تضمرون لنا العداوة والنفاق ليس إلا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى