
سيظل زلزال الحوز راسخا في أذهان المغاربة بعد زلزال أكادير 1960، نظرا للمآسي والجروح التي خلفها في نفوس أقرباء وأهل الضحايا، الذين سقطوا في جماعات قروية وأقاليم مختلفة، على صعيد أقاليم الحوز وشيشاوة وتارودانت وورززات، والذين لازالت فرق الإنقاذ ورجال القوات المسلحة والسلطات والجمعيات يعملون من أجل نقل الجرحى واستخراج الموتى من تحت الأنقاض، وتقديم الإيواء والتغذية للناجين في ظروف مناخية صعبة ومسالك طرقية مدمرة.
إعداد: خالد الغازي
قصص إنسانية مؤثرة
هي قصص إنسانية كثيرة خلفها زلزال الحوز، تثير الحزن وتدمي القلوب بسبب كثرة الضحايا، الذين خلفوا وراءهم يتامى صغار وأرامل وشيوخ بدون مأوى، من ضمنها قصة الشاب رشيد ذي 22 سنة، الذي جاء بسرعة من مدينة أكادير إلى إقليم شيشاوة إلى دوار “تكخت” بجماعة أداسيل يوم السبت، بعدما فقد الاتصال بوالدته ثم اتصل عضو بالمجلس الجماعي بوالده، ليخبره أن المنزل سقط عليهم، مما جعله يشد الرحال إلى بلدته للبحث عن أهله وإخوته.
يقول رشيد والحزن يملأ صوته: “فقدت أعز ما أملك، والدتي ووالدي، الذي كان سندي، سقط عليهم المنزل، ماتوا جميعا ولم يتبق لي سوى أخي الصغير عمره 5 سنوات وشقيقي عمره 12 سنة تعرض لكسر في رجله، لا أعرف ماذا أفعل وعمري 22 سنة، هل سأعود لأكادير للعمل أو أظل في الدوار، إخوتي في حاجة ماسة لي، فقدنا الكثير من الأفراد نصف سكان الدوار ماتوا في هذا الزلزال”.
ويضيف رشيد: “الدوار يسكن فيه 160 شخصا تقريبا نصف سكان الدوار ماتوا جراء الزلزال الذي دمر جميع البيوت والمنازل، لا يوجد مأوى والناس تفكر من الآن في فصل الشتاء والبرد القادم، بالنسبة لنا نطلب فقط بناء منازل للاستقرار فيها، ونطلب مساعدات من المحسنين لأن الناس هنا فقدوا كل ما يملكون بعد انهيار بيوتهم، كاين دواوير أخرى تابعة للجماعة لازالت تنتظر المساعدات لأن الطرق صعبة، هناك دوار توفي فيه 19 شخصا”.
شاب آخر اسمه إبراهيم من نفس الجماعة أداسيل، مازال تحت تأثير الصدمة، بعد فقدانه لـ 12 فردا من أسرته دفعة واحدة، يقول: “مشات لي عائلتي كلها 12 واحد ما بقى عندنا والو، كلشي العائلة ماتوا”، بعد وفاة أمه وأخته ذات الـ 13 سنة وأخيه ذي الـ17 سنة وجده، ووفاة عمته وزوجها”.
وأردف إبراهيم والدموع محصورة في عينيه، بأنه كان خارج البيت مع أصدقائه ليشاهدوا الدمار الذي خلفه الزلزال في دوارهم الذي تحول إلى ركام، مشيرا إلى أنه فقد والدته قبل الزلزال، والآن فقد جميع الأقرباء ليظل وحيدا، قائلا: “لم يعد لنا مكان لنعود إليه الآن، لأننا كنا نشتغل طيلة السنة لنعود لنفرح مع عائلاتنا في المناسبات”.
بدوره، لم يكن يتوقع الشاب عمر آيت مبارك أن يفقد خطيبته في قرية “تيخت”، التي وعدها بالزواج منها في الأسابيع المقبلة، قبل أن تنتهي المحادثة بينهما على وقع الزلزال وتكون تلك الليلة آخر مكالمة بينهما، يروي أنه كان يتحدث ليلة الزلزال عبر الهاتف مع مينة آيت بيهي، فسمع ضجيج أواني المطبخ تسقط على الأرض قبل أن ينقطع الخط، ليتأكد أنها توفيت وتركت هاتفها مفتوحا.
يقول عمر والحسرة بادية عليه، أنه فقد القدرة على الكلام بعدما رأى رجال الإنقاذ يحملون خطيبته في بطانية إلى المقبرة المؤقتة، التي دفن فيها حوالي 68 شخصا، ليسلموه هاتفها الذي يحمل محادثات وذكريات بينهما.
قرى منكوبة وفقدان لأعز الناس
قرية تنزيرت من القرى المدمرة بشكل كامل، توجد بإقليم الحوز على بعد 80 كلم من مدينة مراكش، جميع المنازل تقريبا دمرت ومسحت من الخريطة، فالقرية كانت تضم نحو 110 منازل، جلها مبنية بالطين والحجر، وعدد سكانها لا يتجاوز 600 شخص، لقي حتى الآن 22 منهم حتفه مباشرة خلال الزلزال، في حين أصيب نحو 24 شخصا بكسور وإصابات حرجة، تم نقل بعضهم إلى مستشفيات مراكش.
ومن القصص المؤثرة أيضا بهذه القرية، سيدة فقدت ابنتيها ليلة الزلزال فأصبحت حالتها مزرية، تبدو مصدومة وتائهة لا تشعر بمن حولها ولا تأبه لحديث الناس بسبب حالتها بعدما أصبحت وحيدة، وفقدت البنتان والجد، بعد انهيار المنزل فوق رؤوسهم، وهناك قصة أخرى لأسرة انتهت ولم يعد لها وجود في القرية، تركت طفلا عمره 15 سنة فقط توفي الأب والأم وكل إخوته فوجد نفسه وحيدا بعد الزلزال.
مئات الدواوير وعشرات القرى تضررت أو اختفت كليا عن الخريطة، من بينها قرية “تفكاغت” التي تبعد عن مدينة أمزميز بـ 15 كلم، توفي تقريبا نصف سكان الدوار، مما خلف مأساة حقيقية وحزنا عميقا وسط أقرباء وأهل الضحايا، يحكي عبد الرحيم، أنه هرع لإنقاذ والدته ثم أخيه المجاور لمنزله، لكنه علم بوفاة اثنتين من بناته واثنتين من حفدته، بالإضافة إلى أم زوجته، مضيفا أنه ظل يتجول ليلا للبحث عمن يمكن إنقاذه من الأقرباء والجيران بعدما خلف الزلزال دمارا كبيرا في الدوار على غرار بعض الناجين الذين حاولوا مساعدة المتضررين والجرحى.
في قرية “تفكاغت” التابعة لمنطقة أمزميز، تم العثور على رضيع عمره 13 يوما بعد وفاة أمه تحت أنقاض المنزل، يقول عمه عبد الرحيم: “سمعنا صوت أنين امرأة وصراخ رضيع تحت الأنقاض، بدأنا مع بعض الأقارب في إزالة الأنقاض والنبش بأيدينا في اتجاه منبع الصوتين، وبعد إزالة الحجارة، ظهرت زوجة أخي خديجة، لكنها للأسف جثة هامدة، إلا أنها كانت تحتضن رضيعها، الذي نجا من الموت في ما يشبه المعجزة “.
معظم البيوت هُدِّمت
دوار إميل تالا جماعة أنكال إقليم الحوز توفي فيه 84 شخصا تقريبا ومعظم البيوت والمنازل هدمت.. وأصبح الناجون بدون مأوى. يقول محمد من شباب القرية: “الزلزال جانا في ثلاثة ثواني، ملقيناش فرصة باش نخرجو كاملين، كان في الدار والدي ووالدتي وزوجتي وابنتي، خرجت بسرعة من تحت القصب، لكن سقف المنزل سقط على والدي، بديت كنسمع صوت الزوجة قمت بالحفر لاستخراجها فاستطعت إخراج ابنتي الصغيرة ثم زوجتي، وجدتي”، وأضاف محمد والحزن يملأ وجهه: “لم أستطع إخراج والدتي ووالدي لأن السقف سقط عليهم، توفي إخوتي التوأم، قمت بإنقاذ عمتي فقط، وقمت بنقلهم إلى مكان آمن تحت الدوار بعيدا عن الحجارة التي كانت تسقط، كلشي دمر والناس تكرفسات”.
مولاي إبراهيم من القرى الجبلية المنكوبة في إقليم الحوز، سجلت عشرات الوفيات في صفوف السكان، وصرح حسن أحد الناجين بأنه فقد 12 شخصا من عائلته كلها، والديه وبناته وزوجته وأخته وأخيه، يقول والدموع في عينيه: “فاش وقعات الفاجعة كنت كنشهّد، وبسبب الردم مبقيتش نشوف، من بعد مشيت نقلب على أهلي، بناتي ومراتي وأختي كانوا في واحد البيت، وكنت نعيط لكني لم أسمع صوتهم، مللي ما جاوبونيش عرفت بللي ماتو، مشيت نعيط على الواليد والوالدة، كنسمع صوت ضعيف مقدرتش ندير والو بسبب الردم، فقدت 12 شخصا ولادي ووالديا وخويا وأولادو، بقيت بوحدي، من بعد مشيت نعاون جاري يخرج مراتو”.
عمر، طفل يبلغ 15 سنة، فقد أسرته، والده وأمه وأخواته وعمه، لم يعد لديه قريب وأصبح وحيدا، انتشرت قصته في مواقع التواصل الاجتماعي بعدما وجه أحد سكان الدوار الذي يقطن به، نداء للمحسنين للتكفل به، وسرعان ما جاء الجواب من نادي الرجاء البيضاوي الذي قرر مكتبه المسير احتضان هذا الطفل وتسجيله في أكاديمية النادي لإكمال دراسته وممارسة كرة القدم.
صدمة الأساتذة بعد وفاة 40 تلميذا
في ظل المعاناة والخوف والصدمة التي خلفها زلزال الحوز، برزت شجاعة بعض الأساتذة والمعلمين في جماعة أغبار بتاوريرت، يقول أحد الأساتذة بجماعة أغبار، أنهم عاشوا لحظات عصيبة وصدمة مهولة، بعدما انتشلوا جثث 40 تلميذا من تحت الأنقاض رفقة أهلهم، حيث يقول: “خرجنا بعد انهيار المنزل في الدوار والحجارة تتساقط ليلا، لم نكن نعرف الطريق واحد الشخص من السكان هو من أدلنا على الطريق للخروج من المنطقة المنكوبة، هناك أساتذة مفقودين، وكاين إصابات وكسور خلات البعض يبقى في ضواحي الدوار، شدينا الطريق ساعتين نحو مركز أغبار لطلب الإسعافات الأولية والمواد الغذائية للعالقين”، مضيفا أن “الأساتذة لوحدهم من قاموا بعملية الإنقاذ ومساعدة سكان الدوار من تحت الركام وانتشالهم، لكن أغلبية التلاميذ الذين يدرسون لدينا ماتوا جراء انهيار المنازل، مما خلف صدمة كبيرة في نفوس الأساتذة”.
أستاذ آخر للتعليم الابتدائي من فرعية مدارس “أمسفيوي”، قال: “الناس مكرفسين في الدوار، حسينا بحال شي رعدة، كاين وفيات في دوار أمسفيوي وصلوا 32 ضحية، وفي دوار أكادير أجناتن، الأساتذة هما اللي قاموا بانتشال الضحايا من تحت الأنقاض، وصلوا 52 ضحية وعثروا على 40 تلميذا، كانوا مصدومين مقدروش باقي يكملوا بسبب غياب الإسعافات الضرورية والطريق مغلقة”، مضيفا: “في دوار تنامرت جماعة أغبار الناس هناك تقريبا في عزلة من بعد انهيار المنازل والمسجد، يتجمعون قرب الوادي بعد انهيار بيوتهم، على بعد 18 و20 كلم من مركز أغبار، وكاينين ناس شاركوا في انتشال الضحايا، يبحثون عن الأحياء، التلاميذ كانت حالاتهم الصحية صعبة جدا، والمدارس مغلقة بين ثلاث نيعقوب ومن جهة أولاد برحيل بسبب انهيار الجبل والحجارة في تيزنتاست والطريق كلها مقطوعة”.
عائشة تنحدر من ثلاث نيعقوب، مركز الزلزال، تقطن خارج القرية، فقدت 18 شخصا، أختها وأبناءها وأخاها وأولاده وأحفاده، تؤكد أن الفاجعة كانت قوية على العائلة بسبب فقدان الجميع في الدوار، وخاصة أختها وأخاها الذي كانت تزوره باستمرار خلال المناسبات الدينية وغيرها، قائلة: “الناس بزاف من العائلة ماتوا خلاو أطفال يتامى، وكاين اللي مات هو وأولادو ما بقى فيهم حتى واحد، الله يرحمهم جميعا، ويصبرنا جميع”.
الحسين من أبناء المنطقة، قال: “المشكل الذي تعاني منه دواوير مناطقهم يكمن في صعوبة المسالك الطرقية التي تتطلب مجهودات كبيرة لأجل فتحها بالجرافات، الشيء الذي حال دون وصول المساعدات وفرق الإنقاذ في الأيام الأولى”، مضيفا أنهم “قضوا أوقاتا صعبة في انتشال الضحايا”، وأن “عملية تعبيد وفتح المسالك الطرقية تتطلب مجهودات جبارة وتحتاج إلى أسابيع لإزالة الحجارة، وإصلاح الطرق المؤدية إلى دواوير أخرى بعيدة عن مركز الجماعة”.
عرس أنقذ ساكنة دوار
أنقذ حفل زفاف سكان قرية إيغيل نتلغومت من الموت المحقق، بعدما دمر الزلزال جميع منازلهم المبنية من الحجر والطوب في الوقت الذي كانوا يستمتعون فيه بالموسيقى الشعبية الأمازيغية في الهواء الطلق.
وساهم العرس في إنقاذ دوار “كطو” والمدعوين من دواوير أخرى، حيث كشف شريط فيديو لحظة وقوع الهزة الأرضية، لتتوقف الفرقة الموسيقية، ويعم الصراخ والفوضى والركض نحو خارج الخيمة، حيث ظهر الناس في مقطع الفيديو وهم يصرخون وينادون على أفراد أسرهم وقد استبدلوا إضاءة الكهرباء بأنوار الهواتف المحمولة.
وقال سكان المنطقة، أن قرية أجدير الفقيرة، وإيغيل نتلغومت، تحولت إلى أنقاض، وأصبح الكثير من سكانها بلا مأوى، لكن رغم نجاتهم فهم في حاجة ماسة إلى منازل تأويهم لأنهم يبيتون في العراء.