الرباط | المتقاعدون ومصيرهم المحتوم
الرباط. الأسبوع
يعيش المتقاعدون وضعية مزرية اعتبارا لهزالة المعاش الذي يتقاضونه، وبذلك هم مظلومون منسيون فاقدون للهوية الدالة على وجودهم ما دامت البرامج السياسية والمخططات الحكومية والانشغالات النقابية “لا تعترف” بهم كقوة عاملة مفكرة مؤطرة مناضلة ومضحية، أفنوا عمرهم وشبابهم وصحتهم وكفاءاتهم لخدمة بلادهم، وعندما ذابت هذه القوة بوصولها مرحلة التقاعد، سلموهم معاشا كان يقتطع شهريا من أجورهم وتركوهم لمصيرهم المحتوم بدون مؤطر ولا موجه ولا مرشد، ومن خلال “همسات” المنخرطين في صندوق التقاعد، فقد بلغهم فك الارتباط النهائي مع مشغليهم، وأن الاحتياطات المالية التي ساهموا بها طيلة حياتهم العملية، والتي وظفها الصندوقان – دون شك – في استثمارات مربحة ويتبرعان بقسط من الأرباح في صيغة معاش يمنح للمشارك في النظام المعاشي، فأما ما استثمره في عمله من خدمات وما أعطاه من مجهودات وما بذله من تضحيات وما قضاه من عقود في شغل من أجل الآخر، فلا إشارة اعتراف ملموس لهذا الاستثمار، فلماذا يعامل المتقاعدون بهذا الجحود وهذه القسوة وهذه اللامبالاة وكأنهم عالة على المجتمع وهم الذين يستثمرون في تزويد المالية العامة بضرائب ورسوم من معاشهم المتواضع؟ فحتى هذا المعاش للعيش تطمع فيه الحكومة وتخصم منه لـ”تبرع” به من لا يحتاجون إليه، وحتى الهيكلة الحكومية اهتمت بالطفل والشباب والمرأة، وذوي الاحتياجات الخاصة، والموظفين والشغالين والمقاومين وقدماء المحاربين، ومرضى السرطان، والمهنيين، وغيرهم، إلا المتقاعدين، فلا رابط يربطهم مع أي إدارة أو مؤسسة أو مديرية، تتابع مسارهم المزري بكل آلامه وأحزانه، فهم تائهون دون تأطير من وزارة أو كتابة الدولة، خصوصا وهم اليوم يعدون بالملايين وكلهم يئنون تحت وطأة الأمراض والحاجة، وكلهم في حاجة إلى حقوقهم على الأقل من الأقسام الاجتماعية للصندوق الوطني الاجتماعي والتعاضديات العامة والخاصة، من أجل تمتيعهم بالمرافقة لعيادات الأطباء وبالمواكبة لتحضير الملفات الطبية، وبالتدخل لتوفير الآليات الخاصة بالترويض الطبي، وغير ذلك.
فالمتقاعدون يبحثون عن وضعهم الاعتباري، هل هم أحياء “تنزل” عليهم الزيادات المهولة في الأكرية وفي الكهرباء والماء وفي مختلف لوازم المعيشة، وفي التطبيب؟ وكيف يحرمون من أي زيادة في معاشاتهم؟ فهم اليوم غارقون في الديون، محرومون من العلاج، ومعاشاتهم لم تعد تؤمن لهم حتى العيش، بل فقط تؤمن مداخيل للضرائب والرسوم المفروضة عليهم، فأنقذوهم بحذفها إن لم تتمكنوا من رفع المعاشات.. إنها صرخة المتقاعدين بسبب هزالة تقاعدهم.