الرباط يا حسرة

حديث العاصمة | هل تردع الجدية فساد التصاميم ؟

بقلم: بوشعيب الإدريسي

 

    منذ 24 غشت الماضي، انتشرت بلاغات كل من الوكالة الحضرية المحلية ومجلس الجماعة، يطلعان العموم على انطلاق التحضير لـ”مشروع التهيئة المعمارية لمدينة الرباط”.. هكذا مجردة من ألقابها الدولية والوطنية والدستورية، لتبقى كل تلك الألقاب عبارة عن تعبير شفهي لتكوين جمل تستكمل نعت المدينة بنعوت ليست مزاجية أو عاطفية كما يتصورها المتلقي من المعبر، ولكنها ألقاب أقر بها دستور المملكة وصادق عليها قرار مؤتمر قاري، وفرضها مرسوم تشريعي، فهي إذن عاصمة المملكة، ومركز الثقافة الإفريقية والوطنية، ومدينة الأنوار، ومدينة التراث الإنساني، ومقر الحكومة والبرلمان والدبلوماسية والسياسة الحزبية… إلخ.

فلأول مرة في تاريخ مدينة الرباط يظهر مشروع تهيئة معمارية وصف في مذكرة التقديم بأنه من “بحث علمي”، وبالتالي، قد يكون المشروع ينتمي إلى هذا البحث بحكم أن مدينة عملاقة للعلوم ستشيد في القريب على مساحة 300 هكتار، وقد أشير إليها في عرض المشروع الملكي أمام جلالة الملك سنة 2014.

فالوكالة الحضرية تقترح مشروعا خاصا بخطوط عريضة، ومجلس الجماعة بخبرائه ومهندسيه وتقنييه وسياسييه، موكول إليهم تشريح ذلك المشروع لاكتشاف أسباب نزوله، هل لسد ثغرة غياب “حقوق العاصمة”؟ فيبادروا إلى تمتيعها بهذه الحقوق، ويجتهدوا بتوفير الآليات والنصوص الجماعية المنظمة لهندسة البنايات هندسة مقننة على كل واجهاتها بحكم أنها مدينة التراث الإنساني على غرار عدة عواصم أوروبية يخضع معمارها لتقنين تصاميم بناياتها المطلة على الشوارع، وأيضا في تشريع إقامة المحلات الصناعية والمتاجر والحرف غير المنظمة… إلخ، فـ”حقوق العاصمة” اليوم بين يدي المنتخبين، وقد داسها بعضهم بأبشع الكوارث الإنسانية التي كلفت عقودا من التأخر للنهوض بها ولا تزال رواسبها إلى اليوم في مقاطعة غربية بالأخص.

فالوكالة الحضرية حضرت مشروعا واعتمدت في إنجازه على التحولات العميقة التي قطعتها العاصمة في ترتيب مجالها الترابي، فكانت معركة ضد الفساد المستشري في أرجائها والمرسخ في دواليب مجالسها، وكانت معركة للقضاء على “البراريك” التي كانت بداخلها قوات ضغط على شكل “فيتو” على كل إصلاح أو تطور أو تجديد، ومنها كانت تصنع خريطة الانتخابات وتوفر الإتاوات اليومية للفاسدين بمقدار 50 مليونا يوميا لفوضى الباعة المتجولين و”الجوطيات”، ومثلها لتشويه تصاميم العاصمة بالبنايات الصندوقية والعشوائية.

وفي عهد “الجدية”، ينبغي أن يتحمل كل مسؤول في الرباط السائرة إلى الأمام لتلتحق بركب العواصم العالمية المتقدمة، مسؤوليته دون اجترار كوارث الماضي أو إعادتها، أو فتح تحقيقات في شأنها، فنعم للحوار والنقاش والاستماع والإنصاف، وأيضا للتسوية، وأولها “حقوق العاصمة”، والموضوع بين يدي مجلس الجماعة، لمحو الصورة القاتمة ومعالجته لأي مشكل يفرخ منه مشاكل لضمان الغنائم.. فهل تردعه “الجدية” التي نادى بها الخطاب الملكي ؟

النشرة الإخبارية

اشترك الآن للتوصل كل مساء بأهم مقالات اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى