كواليس الأخبار

تحت الأضواء | هروب جماعي للسياسيين من النقاش العمومي ينذر بالخطر

فراغ غير مقبول في زمن الأوبئة والحروب

الرباط. الأسبوع

    أضحى غياب النقاش السياسي إشكالية حقيقية وسط المشهد السياسي الوطني في ظل اختفاء النخبة السياسية القديمة والعديد من القيادات السياسية التي فضلت التواري عن الأنظار والأضواء، مفضلة الصمت وعدم الحديث في القضايا السياسية والاجتماعية الوطنية، بعدما كانت حاضرة في جميع المناسبات والبرامج التلفزية والمؤتمرات والمنتديات، وكانت تعطي للساحة السياسية مكانة مهمة في صفوف الرأي العام الوطني.

فغياب النقاش السياسي حول أهم القضايا الاجتماعية التي تشغل المواطنين والمجتمع المدني، يجعل النخبة السياسية أمام مسؤولية كبيرة تجاه المواطنين، ويطرح العديد من التساؤلات حول سبب اختفاء بعض القيادات السياسية من الواجهة، وتراجع بعض الوجوه السياسية المعهودة للوراء، فهل أصبحت سياسة اليوم تخيف سياسيي الأمس، أم أن النقاش السياسي ممنوع حتى يرفع عنه الحظر من قبل الحكومة؟

تتمة المقال تحت الإعلان
محمد جدري

في هذا الإطار، يرى محمد جدري، محلل سياسي ومدير مرصد العمل الحكومي، أن النقاش السياسي في المغرب خلال السنتين الماضيتين، تعتريه مجموعة من الاختلالات الراجعة للانتخابات الأخيرة، التي أسفرت عن أغلبية مريحة جدا للحكومة من طرف الأحزاب الثلاثة التي يشكلها كل من حزب الأحرار والأصالة والمعاصرة والاستقلال، وبالتالي، فهي تتوفر على أغلبية مريحة في مجلس النواب، وكذلك في مجلس المستشارين، معتبرا أن المعارضة لا تتوفر على مقاعد كبيرة في المجلسين وتعيش على وقع التشرذم، بحيث إذا كانت الأغلبية لديها ميثاق يجمعها فالمعارضة منقسمة ومتفرقة، فهناك معارضة للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وهي منفردة، وهناك معارضة لحزب التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية والعدالة والتنمية، بالإضافة إلى معارضة ثالثة مشكلة من اليسار الاشتراكي الموحد وفيدرالية اليسار، وأعتقد أن هذه التفرقة تضعف المعارضة.

وقال نفس المتحدث، أن “الحكومة اليوم لا تتواصل كثيرا، وبالتالي، هذه الأمور هي التي تترك النقاش السياسي ليس بالدرجة التي كان عليها خلال فترة حكومة بن كيران وحكومة سعد الدين العثماني، وهناك أمور أخرى خاصة في ظل تراجع القدرة الشرائية للمواطنين وتضرر معظم الأسر بشكل كبير جراء التضخم العالمي، حيث تبقى الأمور الاقتصادية مؤثرة، وبالتالي، لا يوجد نقاش سياسي كبير حول هذه القضية، لأن الناس اليوم ترى النقاش السياسي أمرا ثانويا لأن الأساسي بالنسبة لهم هو توفير لقمة العيش.

وأوضح المحلل السياسي جدري، أن النقاش اليوم أصبح موسميا، لأن الأوراش الكبرى عليها إجماع، لذلك لا يوجد نقاش كبير حول الأمور التي عليها إجماع من مختلف الفرقاء السياسيين، من قبيل الحماية الاجتماعية، وإشكالية الماء، والطاقة، والاستثمار، والحوار الاجتماعي، وهي كلها مواضيع لا تحظى بنقاش سياسي كبير، مشيرا إلى أن الأمور التي تناقش هي المواضيع التي حولها اختلاف ما بين المحافظين والحداثيين، من بينها تلك المتعلقة بمدونة الأسرة، والقانون الجنائي، وبالتالي، فهذه الأمور يحصل فيها نقاش سياسي، خاصة وأن مدونة الأسرة اليوم تتضمن نقاشا في الإرث حول المساواة بين الرجل والمرأة، وفي الطلاق والتعدد، وأيضا على مستوى القانون الجنائي، هناك نقاشا حول الأمور المتعلقة بالحريات الفردية، وكل ما يتعلق بشبهة الاغتناء الفاحش، وهذه كلها أمور تترك للنقاش”.

تتمة المقال تحت الإعلان

واعتبر المتحدث ذاته أن مستوى النقاش السياسي تراجع بسبب تراجع نسبة تأثير النقابات والأحزاب السياسية في الرأي العام، إلى جانب المجتمع المدني، الذي لا يقوم بدور كبير، وأيضا على  مستوى الإعلام بعد غياب مجموعة من البرامج السياسية التي كانت خلال السنوات الماضية، في عهد حكومتي بن كيران والعثماني، والتي كانت تتناول مواضيع سياسية تناقش في الإعلام العمومي على مدار الأسبوع، بينما اليوم هناك برنامج أو برنامجين فقط، وهذا التراكم هو الذي يجعل النقاش السياسي لا يصل للمستوى الذي كان عليه خلال العشر سنوات الماضية.

محمد الغلوسي

من جانبه، يرى محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن المشهد السياسي بالمغرب موسوم بالانتظارية في بنية ولعبة سياسية، استطاع التوجه المحافظ أن يجعلها مغلقة مستفيدا في ذلك من ضعف وتشتت القوى الديمقراطية والحداثية، معتبرا أن هذا المشهد غير طبيعي، لأنه يقوم على ركيزة إضعاف مختلف الفاعلين في الحقل السياسي والمدني، الذين يدافعون عن أطروحة الإصلاح الديمقراطي، وتقوية المؤسسات وجعلها تلعب وظائفها كاملة، وذلك عبر تدشين إصلاحات سياسية وقانونية ومؤسساتية لتجاوز حالة الانحباس السياسي.

وأكد الغلوسي، أن هذا لا يعني أن النخب السياسية الديمقراطية بالخصوص ليست مسؤولة عن هذا الوضع، بل على العكس من ذلك، فمسؤوليتها في هذا الجانب ثابتة وإن بنسب متفاوتة، لأنها نخب مرتهنة للتقليدانية السياسية ومشدودة للماضي بكل حمولاته وعاجزة عن الإبداع والمبادرة واستيعاب التحولات الحاصلة على كافة المستويات، موضحا أن هذه النخب متمسكة بالقيادة وتؤمن بأن المشكلة ليست فيها، بل في الآخر، وتتقن دائما خطاب التبرير والهروب إلى الأمام، لذلك انفضت من حولها أجيال من خيرة الأطر والشباب الذين لم تترك لهم الفرصة لحجز مقعد مستحق في القيادة، وهم الذين أفنوا زهرة شبابهم في النضال وتدرجوا عبر مختلف المستويات التنظيمية ويتمتعون بكفاءة فكرية وسياسية عالية، وقال: “يحدث ذلك بسبب هيمنة النزعة التاريخية والشرعية النضالية على الحياة الحزبية، وسيادة فلسفة تنظيمية تفضي إلى مؤتمرات تعيد إنتاج نفس القيادات التقليدية المتمسكة بهاجس الاستمرارية على رأس الحزب، وتحصينه من الانزلاقات دون أن تشعر بأي حرج أخلاقي أو سياسي من استمرارها في تقلد نفس المهام وبنفس الخطاب لعقود من الزمن”.

تتمة المقال تحت الإعلان

وأوضح نفس المتحدث، أن هذا الوضع غير طبيعي ويدفع نحو الفراغ، وستكون له تكلفة كبيرة، ومن المفروض أن يستنفر كل الإمكانيات الفكرية والسياسية على الأقل من طرف النخب الإصلاحية والتقدمية، من أجل فتح نقاش سياسي واسع حول ما يحصل مصحوبا بمبادرات سياسية ونضالية جريئة في المجتمع، تضع حدا للخلط والغموض في المشهد السياسي، لكن للأسف، لا شيء من ذلك حصل لحدود الآن.

فالنقاش السياسي في عهد حكومة أخنوش شهد تراجعا كبيرا على المستوى التواصل والإعلام، ولم تعد له أرضية لتقارب وجهات النظر وتبادل الأفكار ووجهات النظر بين الفرقاء السياسيين، وما يؤكد ذلك الصراع الحاصل على مستوى البرلمان بين المعارضة والحكومة وغياب التواصل بينهما، مما يزيد من إضعاف المؤسسة التشريعية وتقييد العمل البرلماني، وبالتالي، فإن تغييب النقاش السياسي يؤكد أن الحكومة ليست لديها إرادة لتقارب المشهد السياسي وتفسير ما تقوم به ومناقشة برامجها ومشاريعها مع الرأي العام والمجتمع المدني، مما يبرز ضعفها التواصلي.

أمين السعيد

وفي نفس الصدد، يرى أستاذ العلوم السياسية أمين السعيد، أن المشهد السياسي يعاني من ترهل كبير، سواء على مستوى الخطاب السياسي أو على مستوى العلاقة مع المجتمع، علاوة على اتساع الهوة بين المؤسسات التمثيلية والمواطنين، وهناك نزوع مجتمعي غير مسبوق نحو المنصات الرقمية مقابل التعبير عن المطالب والتصورات من داخل الهياكل المؤسساتية والحزبية، مضيفا أن مخرجات النتائج الانتخابية لسنة 2021 على مجريات النقاش السياسي في المغرب، أبرزت مشهدا سياسيا ضبابيا تغيب فيه التقاطبات الحادة، سواء بين اليسار واليمين، أو بين من يمكن تسميتهم بـ”الإسلاميين” في مواجهة “العلميين”، وتقلص مكانة حزب العدالة والتنمية وتراجع جزء كبير من شبيبته وقطاعاته الموازية، كان من بين العوامل المؤثرة في خفوت النقاش السياسي في المغرب، وأوضح أن هناك عوامل أخرى ساهمت في تراجع النقاش السياسي في المغرب، من بينها استنفاذ الوعود الإصلاحية الكبرى التي برزت ما بعد دستور 2011، حيث استهلكت المضامين الخطابية المتعلقة بهذه المرحلة (تفعيل الدستور/ تنزيل الدستور/ المناصفة…)، لكن في المقابل من ذلك، ساهمت بعض الخطب الملكية في إحياء جزء من النقاش السياسي من خلال ورش الحماية الاجتماعية، غير أن هذا الورش الاجتماعي تعاملت معه الأحزاب السياسية بشكل سلبي، وذلك من خلال إجماعها حول تنزيله في ظل غياب تصور سياسي صلب، ومن ثم، أصبحت جميع الأحزاب تعيد إنتاج نفس الخطاب السياسي المتعلق بتفعيل الحماية الاجتماعية، وتجتر نفس المفاهيم والمصطلحات التقنية.

تتمة المقال تحت الإعلان

وأكد نفس المصدر، أنه في ظل التحولات الخطيرة التي تعرفها إفريقيا، والاحتقان المجتمعي وتنامي الشعبوية، والعودة المحتملة لوباء جديد، أصبحت الحاجة ملحة إلى إعادة تجديد النقاش السياسي، وذلك من خلال تجديد النخب وإصلاح الهياكل الحزبية، والقيام بإصلاح عميق للقوانين الانتخابية والإطار القانوني للهيئات الحزبية والنقابية، وكذا جمعيات المجتمع المدني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى