روبورتاج

ربورتاج | تقرير رسمي يكشف “اختلالات خطيرة” في سوق التأمين

قال مجلس المنافسة، الذي يترأسه أحمد رحو، في تقرير جديد حول “وضعية المنافسة في سوق التأمين بالمغرب”، أن سوق التأمين المغربية تتسم بعدم تناسق المعلومات وغياب الشفافية في تحديد التعريفة ومعالجة الحوادث التي قد تشكل عاملا يؤثر على ثقة المستهلكين ويعيق المنافسة بين مقاولات التأمين.

 

إعداد: خالد الغازي

 

    حسب فاعلين في مجال التأمينات جرى الاستماع إليهم في إطار تقرير مجلس المنافسة، فإن تقدير قسط التأمين مسبقا صعب للغاية، وقد يفضي إلى سوء في تقدير المخاطر أو الإفراط فيه بالنظر إلى خصوصية صناعة التأمين المتسمة بدورة الإنتاج معكوسة، ومن الناحية الفعلية، يجري تحصيل القسط في بداية الفترة ثم تصرف التعويضات حسب واقع الحوادث (سعر التكلفة غير معروف)، وبالتالي، ينطوي تحديد التعريفة على مخاطر في حد ذاتها بالنسبة للمؤمن، وللحد منها، قد يعتمد هذا الأخير على المفاهيم الأربعة المتعلقة بتحديد أسعار قسط التأمين، منها: إجراء تحليلات إحصائية للمعطيات التاريخية للتكاليف المتوسطة، وبرمجة الأسعار مستقبلا باستخدام نماذج رياضية تقوم على متغيرات مرتبطة بالتعريفة ومحددة بوضوح، إرساء مبدأ خلوص التأمين، والمتمثل في الحصة التي يتحملها المؤمن له عند وقوع حادثة بغية تحميله المسؤولية وتخليق المخاطر، دمج هامش من السلامة في القسط لتغطية التكاليف الزائدة مقارنة مع التوقعات، وتعاضد المخاطر بين المؤمن لهم لجعل مستوى قسط التأمين قابلا للتحمل من طرفهم من الناحية الاقتصادية.

وكشف تقرير المجلس عن وجود جملة من الاختلالات في سوق التأمين بالمغرب تحول دون تطويره وانفتاحه، تتمثل في وجود حواجز دخول عالية تمنع ولوج مقاولات التأمين وإعادة التأمين والوسطاء إلى سوق التأمين بشكل مزدوج، غياب الوضوح بشأن آجال معالجة طلبات منح الاعتماد لتمكين مقاولات التأمين وإعادة التأمين من مزاولة عمليات التأمين، شروط خروج تخول لهيئة التقنين القطاعية سلطة تقديرية وغير متناسبة، نظام هجين لمنح الاعتماد يخول أفضلية تنافسية مهمة للمؤمنين المختلطين، عرض لا يتلاءم مع التأمين الشمولي، عرض تأمين يفتقر للابتكار، وجود فروع تأمين هشة، إمكانيات غير مستغلة لشبكة التأمين البنكي، سوق شديدة التركيز على الصعيد الاجتماعي وعلى مستوى بعض منتجات التأمين، سوق غير تنافسية بالنسبة للمسؤولية المدنية المتعلقة بالعربات ذات المحرك، تدخل المهنيين في مسار اتخاذ القرار من لدن هيئة التقنين، مستهلك يعد بمثابة الحلقة الأضعف في العلاقة التعاقدية التي تجمعه بالمؤمن، عقود تأمين شديدة التعقيد، مسار مرهق في معالجة ملفات الحوادث، ووساطة في التأمين ذات قيمة مضافة ضئيلة، ثم وجود شركات غير مطورة بما يكفي في مجال مقارنة لأسعار التأمين.

وانتقد التقرير وجود تركيز في سوق التأمين بالمغرب وسيطرة بعض الشركات على القطاع، ووجود تفاوت بين أحجام مقاولات التأمين وإعادة التأمين، حيث تتمتع الشركات الست الأولى الفاعلة في المجال، بحجم إجمالي تجاوز 79 في المائة من إجمالي الأقساط الصادرة في القطاع برسم سنة 2021، ومن جهة أخرى، تتميز سوق التأمين بتواجد مقاولات تأمين وإعادة تأمين صغيرة ومتوسطة الحجم تنشط في مجالات معينة، منها الخبرة أو ترتكز على فروع خاصة من السوق (كأمين القرض أو الإسعاف أو تخصصات أخرى)، مساهمة بالتالي، في تنوع السوق، وفي سنة 2021، لم تتجاوز حصصها الفردية 4.7 في المائة، مشيرا إلى أن الوضعية في سوق التأمين قد تتفاقم مستقبلا بسبب وجود حواجز تنظيمية مرتبطة بالولوج إلى السوق، حيث تشهد السوق استقرارا في عدد مقاولات التأمين وإعادة التأمين منذ عدة سنوات، ولم يتم إحداث سوى مقاولة واحدة فقط ما بين سنة 2018 إلى 2021، ينضاف إلى ذلك التقارب في السوق والذي ساهم في تموقع بعض الشركات مع تقليص الاختيارات بالنسبة للمستهلكين.

وحسب مجلس المنافسة، فإن المقاولات المختلطة مثلث 70 في المائة من إجمالي الأقساط الصادرة على الصعيد الوطني برسم سنة 2021، وترجع أسباب هذه الأفضلية أساسا إلى عدم تنصيص الإصلاح القانوني لقطاع التأمين – الذي تم إدراجه سنة 2006 وأرسى إلزامية التخصص بالنسبة للمؤمنين – على مقتضيات انتقالية إزاء شركات التأمين المختلطة والمحدثة قبل هذا الإصلاح، مما جعل الشركات تقوم باكتتاب منتجات “التأمين على الحياة” و”التأمين على غير الحياة” في ممارسة نشاطها المختلط، الأمر الذي منحها أفضلية تنافسية هامة، مؤكدا تطور درجة تركيز السوق الخاصة بالشركات المختلطة التي تراجعت من 9 مقاولات إلى 7 في الفترة ما بين 2005 و2021، حيث أنجزت أربع شركات منها أزيد من 71 في المائة من الإنتاج في السوق سنة 2005، فيما تقاسمت بقية الشركات نسبة 29 في المائة فقط.

وأبرز التقرير أن سوق “التأمين على غير الحياة” تضم 19 مقاولة تأمين وإعادة تأمين بالمغرب، وتتسم بدرجة تركيز عالية للغاية في الواقع، وتتمركز بنسبة 75 في المائة من حصص السوق بيد الشركات الخمس الأولى، فيما لا تتجاوز حصص الشركات الأربعة عشر المتبقية نسبة 4.4 في المائة لكل منها، كما أن التأمين المتعلق بالعربات، أبان عن نسبة تركيز كبيرة في سنة 2021 حسب مؤشر “هرفندال-هيرشمان”، مما يشير إلى استقرار ملموس في الفترة ما بين سنة 2017 و2021، إذ تتمركز نسبة 75 في المائة من حصص السوق بيد خمس شركات فاعلة فقط، أبرزها شركة “سانلام ماروك” (سهام سابقا)، التي تتمتع باستقرار كبير باعتبارها رائدة في السوق، كما تتمتع الشركات الفاعلة الأخرى باستقرار نسبي.

وتحدث ذات التقرير عن وجود اختلالات وحواجز تقف أمام باب الاستثمار المحلي والأجنبي في القطاع، لأن الإطار القانوني والتنظيمي المنظم لقطاع التأمينات لا يحدد أجلا قانونيا يمنح لهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي من أجل الرد على طلبات الاعتماد المقدمة من قبل مقاولات التأمين وإعادة التأمين، لمزاولة أنشطتها، ويشكل غياب هذا المقتضى على مستوى الإطار القانوني حاجزا يحول دون الولوج إلى السوق بالنسبة للمستثمرين الجدد، الذين يحتاجون إلى الرؤية والشفافية والسلامة القانونية فيما يتعلق بنظام الاعتماد، منتقدا شرط اجتياز الامتحان المهني الذي يعد حاجزا لدخول سوق وساطة التأمين، إذ ينطوي على عدة أوجه قصور إزاء مقاولات التأمين وإعادة التأمين والأشخاص الراغبين في الولوج إلى هذه السوق، لأن هذا الامتحان هو بمثابة عقبة قانونية تحول دون تطوير استراتيجية توزيع مقاولات التأمين وإعادة التأمين من حيث شبكة الوسطاء التي تمثل دعامة حيوية للسياسات التجارية الخاصة بها، علاوة على أن عارضي التأمين البنكي المعتمدين لعرض عمليات التأمين وفق مدونة التأمينات، يستفيدون من أفضلية تنافسية في مجال التوزيع، حيث لا تخضع نقاط البيع التابعة لهم لنفس شروط الاعتماد المطبقة على مقاولات التأمين وإعادة التأمين، كما أن شرط امتلاك ما لا يقل عن 50 في المائة من الرأسمال من قبل أشخاص ذوي جنسية مغربية أو أشخاص اعتباريين خاضعين للقانون المغربي، يعد عائقا ويحول دون الولوج إلى سوق وساطة التأمين، مما يحرم هذه السوق من الاستثمار الأجنبي ومن المهارة التي يمكن أن تساهم في ديناميتها.

وأكد تقرير مجلس المنافسة غياب الابتكار في مجال التأمين من حيث المنتجات والكيفيات العملية للبيع والتدبير، إذ تم رصد مجموعة من الثغرات فيما يخص الاكتتاب عن بعد لعقد التأمين من بدايته إلى نهايته، ونزع الصفة المادية عن شهادات التأمين، وإحداث وتطوير منتجات تأمين جديدة تستجيب للحاجيات الجديدة، وهذه الثغرات تحرم المستهلك من إمكانيات هامة في مجال تبسيط مساطر اكتتاب عقود التأمين وتنفيذها، وتطوير منتجات جديدة تستجيب لحاجيات معينة، مشيرا إلى وجود نظام اعتماد هجين يمنح أفضلية تنافسية كبيرة للمؤمنين المختلطين إلى جانب عرض لا يتلاءم مع التأمين الشمولي، وعرض التأمين غير مبتكر بما يكفي، مع وجود فروع تأمين هشة وإمكانيات غير مستغلة لشبكة التأمين البنكي.

وأوصى مجلس المنافسة – في تقريره – بمراجعة الشروط القانونية لولوج سوق التأمين ودمجها في النصوص التنظيمية بغية تسهيل التعديلات، وإجراء مراجعة شاملة لمنظومة منح الاعتماد لوسطاء التأمين، مع إعادة النظر في مهام الجامعة المغربية للتأمين على ضوء الدور الحاسم الذي يضطلع به في القطاع.

وشدد المجلس على ضرورة مراجعة شاملة لمنظومة منح الاعتماد لوسطاء التأمين، خاصة ما يتعلق بالامتحان المهني الذي يعد عقبة قانونية تعيق ولوج المترشحين مباشرة إلى السوق، وتحول دون تطوير الاستراتيجية التجارية من لدن مقاولات التأمين، إلى جانب اشتراط الحصول على دبلوم مسلم من قبل مؤسسة جامعية وطنية، أو على شهادة معترف بمعادلتها، مما يشكل عائقا يحد من ولوج الأشخاص المتوفرين على أنواع أخرى من الدبلومات لسوق التأمين.

وطالب المجلس بإدراج مقتضى قانوني يحدد الأجل الممنوح لهيئة مراقبة تأمينات الاحتياط الاجتماعي، للرد على طلبات منح الاعتماد لممارسة عمليات التأمين وإعادة التأمين، لكون غياب هذا المقتضى على مستوى الإطار القانوني المنظم لقطاع التأمينات يشكل حاجزا من حواجز الدخول إلى السوق بالنسبة للمستثمرين الراغبين في وضوح الرؤية بشأن منظومة منح الاعتماد والشفافية والسلامة القانونية، كما طالب بفتح تدريجي لـ”التأمين على غير الحياة” فـي وجه القطاع البنكي، مع العمل على الترخيص للبنوك ببيع منتجات التأمين وإسناد تدبير ملفات الحوادث للوسطاء، وإخضاع نقاط البيع البنكية لنفس الشروط المطبقة على وسطاء التأمين.

ودعا التقرير ذاته إلى وضع آليات للمراقبة تتيح صون حق المستهلك وحمايته في اختيار المؤمن في سياق بيع منتجات التأمين المقرونة بالمنتجات البنكية، مع ضرورة إعداد فضاء خاص ببيع منتجات التأمين على البنوك، والعمل على تقوية وضعية المستهلك في علاقته التعاقدية مع شركة التأمين وتجويد خدمات التأمين، كما دعا المجلس لتعزيز التنافسية في قطاع تأمين المسؤولية المدنية المتعلقة بالعربات ذات محرك، وسن إلزامية الأداء المباشر للقسط لفائدة مقاولة التأمين وإعادة التأمين، و تأمين توزيع منتجات التأمين ونزع الصفة المادية عن عقود التأمين.

ونصح مجلس المنافسة بتطوير عرض تأمين شامل ومبتكر، ورقمنة عقود التأمين، وبذلك أوصى – من خلال تقريره الصادر مؤخرا – بتطوير عرض تأمين شامل ومبتكر وموجه لجميع الشرائح السكانية، مثلا عـن طريق تعزيز حضور مؤسسات الأداء في فرع التأمين الشمولي، والتخفيف أكثر مـن الإجراءات المعتمدة مـن لدن هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي للمصادقة على منتجات التأمين الجديدة، كما أوصى بتأطير تدخل الجمعيات المهنية على مستوى الهيئات الاستشارية لهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، وإعادة النظر في مهام الجامعة المغربية للتأمين على ضوء الدور الحاسم الذي تضطلع به في القطاع مع تعزيز شفافية تعيين الجمعية الممثلة لوسطاء التأمين.

النشرة الإخبارية

اشترك الآن للتوصل كل مساء بأهم مقالات اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى