للنقاش | تحالف أمريكا وإنجلترا والمغرب ضد تحالف روسيا والصين والجزائر
المتغيرات الدولية الجديدة

بقلم: نزار القريشي
إن الانقسام الحاصل في الجيش الروسي والتطور الداخلي بروسيا، ما بين جناح وزير الدفاع سيرغي شويغو، وجناح “القوميون الروس” بزعامة يفغيني بريغوجين، والذي سينعكس لا محالة على الوضع في أوكرانيا، والمتغيرات والتطورات الدولية المستجدة ذات الارتباط بالحرب الروسية الأوكرانية، وفي مناطق عدة من العالم، وذلك بغرب وشرق المتوسط، ومنطقة الصحراء الكبرى والساحل، ومالي، مرورا إلى المحيط الهندي والهادي فالمحيط الأطلسي، في تشتيت كبير لقدرات الجيش الروسي المنهك والحرب المستعرة فوق الأراضي الأوكرانية، وذلك ما تجلى بعد تدمير الجسر الرابط بين جزيرة القرم وأوكرانيا، والذي أنهى طموح الجيش الروسي بالسيطرة على ميناء أوديسا، مما جعل التواجد الروسي بالقرم في عزلة تامة، خصوصا والمناورات المستمرة لبحرية الجيش الأمريكي بالبحر الأسود وامتدادها نحو البوسفور، وهو ما يؤكد حقيقة ما صرح به رئيس الاستخبارات العسكرية الأوكرانية كيريلو بودانوف، والرد المحتمل للجيش الأوكراني على قطع وحدات الجيش الروسي، بالتقدم نحو استعادة بعض الأراضي المقتطعة من الأراضي الأوكرانية انطلاقا من الفراغ الذي تركته قوات “فاغنر” بإقليم باخموت إزاء انحسار وانكماش الجيش الروسي.
إلى ذلك، يحدث هذا والإحباط قد أصاب الجيش الجزائري بعد الاختراق الإماراتي لصالح إسرائيل، والمناورات التي شهدتها مدينة طانطان، إحدى كبريات مدن الصحراء المغربية، والمناورات التي تفرعت عنها بعد إقدام الجيش الأمريكي على خطوات هامة إزاء استفزازات الجيش الجزائري للجيشين البريطاني والأمريكي بغرب المتوسط، وهو ما دفع باستخبارات البنتاغون “دي. آي. إي” للدعوة إلى إشراك ثلاث قيادات للجيش الأمريكي في هذه المناورة، وهي “سنتكوم” و”أوكوم” و”أفريكوم”، مع تحريك للمقنبلة “بي وان بي” من الأراضي البريطانية، وذلك في رد حازم على الشراكة الاستراتيجية بين الجزائر وروسيا، والتي تستهدف التضييق على مجرى الملاحة للجيش البريطاني بجبل طارق، في استهداف مباشر للشراكة الاستراتيجية التي تجمع وتوحد ما بين بريطانيا والولايات المتحدة والمملكة المغربية، وهو ما يؤكد أن الجسارة الجزائرية لا تتساوى وقدرات الجيش الجزائري، وستجلب الكوارث للمنطقة وعموم إفريقيا، في ظل امتلاك الجيش الأمريكي لسلاح “الهارب” (H.A.A.R.P) وقدرات عسكرية سرية غير معروفة مصنعة من علوم ما وراء الطبيعة، وهو ما تدور حوله أنشطة القاعدة 51 بصحراء نيفادا، وتؤكده المملكة المغربية في دفاعها عن مصالح الدول الإفريقية وزعاماتها وأمنها، وهو ما عبر عنه أيضا الملك محمد السادس في أكثر من مناسبة، حين شدد جلالته على أن “المغرب إنما يلتزم التزاما كاملا بانتمائه الطبيعي لإفريقيا الذي ظل يلازمه على امتداد تاريخه”، ومقابل ذلك، يرى المغرب أن الوقت حان للابتعاد عن التلاعب وتمويل النزعات الانفصالية، والتوقف عن دعم خلافات تجاوزها الزمن، وذلك بالتوجه لتدعيم خيار واحد، هو خيار التنمية البشرية والمستدامة، ومحاربة الفقر وسوء التغذية، والنهوض بصحة شعوبنا، وبتعليم أطفالنا، والرفع من مستوى عيش الجميع.
ويسجل المغرب أن الرهان الذي يتعين على القارة الإفريقية ربحه اليوم، بعد مرور أكثر من عقد من الزمن على ميلاد الاتحاد الإفريقي، هو رهان الوحدة والتماسك على أساس أن إفريقيا، التي لطالما تم إهمالها، أصبحت اليوم فاعلا لا يمكن تجاهله، وعلى أساس أنه قد ولى الزمن الذي لم تكن فيه القارة السمراء أكثر من مجرد موضوع في العلاقات الدولية، بل إنها صارت تؤكد وجودها وتتقدم وتتحمل مسؤولياتها على الساحة الدولية كطرف فاعل وجدير بالاحترام في النقاش الدائر حول الحكامة العالمية.
وفي سياق ذي صلة، فإن تكريس طرد الجزائر لفرنسا من مالي وإدخال روسيا للمنطقة ذات الصلة بمنطقة الصحراء الكبرى والساحل، وتكرار نفس المحاولات بنجامينا، هو ما انعكس سلبا على العلاقة بين روما وباريس، بعد الانحياز الواضح لرئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني، للحلف الروسي-الجزائري، في خطوة غير مسؤولة ولا تتناسب مع أدبيات الاتحاد الأوروبي، وهو ما أكدته تصريحاتها ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهو ما يؤكد أيضا الصعوبات التي ستواجهها أوروبا إن صعد اليمين المتطرف ليحكم بعضا من حكوماتها، إذ تجد إيطاليا بزعامة ميلوني نفسها في وضع ستطول معه الأزمة الليبية، وهو ما فشلت معه إيطاليا في المناورة والملف الليبي، وانعكاسه على الإقليم امتدادا للحدود الغربية لمصر، ثم الحدود الجنوبية لها، إذ أن تموقع “قوات الدعم السريع” شمال السودان، والصراع بينها وبين الجيش السوداني سيؤدي إلى ذلك، وهو ما يؤكده الصراع بين حفتر والجزائر، مما جعل قصر الإليزيه يبحث عن اختراق واللقاء الذي جمع بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وإيمانويل ماكرون، في بحث فرنسي عن تموقعات جديدة بشرق المتوسط، بعد الخسائر التي منيت بها فرنسا نتيجة العلاقة الاستراتيجية بين الجزائر وروسيا، ونشاط الاستخبارات العسكرية الجزائرية بباماكو الداعم للانقلاب فيها، وهو ما تحاول الاستخبارات الخارجية الفرنسية تجاوزه في ملفات أخرى وبلبنان، حيث تظل الترشيحات لملء الفراغ بقصر بعبدا الغير متوافق عليها، وتسمية رئيس جديد للبنان، والذي إن طال أمده، فإنه قد يُحدث انفلاتا بالإقليم في ظل تصريح “حزب الله” بأن “الحرب مع إسرائيل مؤجلة ليس إلا”، ويظل اسم أمين نجيب العرم، قائد أركان الجيش اللبناني مرشحا فوق العادة للمنصب في ظل عدم اتفاق اللبنانيين على مرشح يقود البلاد، في ظل اللاتقاطع والاستقطاب الدولي للبنان، مما سيجعل الإقليم يربح المرحلة في اتجاه السلام، ويلغي مؤديات شرارة الحرب، وخاصة بعد وصول بن غفير للوزارة في حكومة بنيامين نتنياهو، وهو شخصية اتضح أنها مرفوضة من مجتمع الاستخبارات العربية، يضاف إلى ذلك قدرات “حزب الله” التي يجب عدم الاستهانة بها.
هذا، ويشكل استوزار بن غفير – حسب محللين إعلاميين – عرقلة لمسار “اتفاقات أبراهام”، ورغبة نتنياهو في تطبيع العلاقة مع المملكة السعودية، حيث أكدت الرياض أن لها شروطا، إن تحققت فإنها ستلتحق بهذا المسار، غير أن ضخ 20 مليون برميل من النفط السعودي لاحتياطات حرب افتراضية بين مصر وإسرائيل هو ما أحدث حالة من الطوارئ داخل استخبارات “أمان” الاسرائيلية، ويطرح مزيدا من الغموض والشكوك والسياسة الجديدة التي تخوضها السعودية، خصوصا بين انقلابها على روسيا والصين والزيادة في ثمن البرميل من داخل “أوبيك” ورفضها الممنهج للتبعية لأمريكا أو للصين.
ومن جهة أخرى، فإن الخطوة التي أقدم عليها قائد “فاغنر” المدعوم من “القوميون الروس” ومهما اتجه إليه تطور القضية المعروفة بتمرد بريغوجين وصراعه مع وزير الدفاع شويغو، فإن انقساما في العقيدة القتالية للجيش الروسي قد حدث، وتنبأ بانقسامه مستقبلا على المدى المتوسط أو البعيد إن صعدت الصين أكثر، وبتغييرات وتعيينات قد تحدث قريبا في مناصب بالجيش الروسي، وذلك في خطوة قد يقدم عليها فلاديمير بوتين لامتصاص استياء وغضب “القوميون الروس” من وزارة الدفاع الروسية، والحركة التي أقدم عليها يفغيني بريغوجين.
وفي سياق آخر، فإن خلط الأوراق الدولية من اللاعبين الإقليميين بالشرق الأوسط، والساحة الأوكرانية، وغرب إفريقيا، مرورا للمحيط الأطلسي فالبحر الهادي والهندي والأسود إلى بحر البلطيق.. نقول إن الخلط المتكرر لهذه الأوراق سيفرض حتما إعادة ترتيبها من المبادرات المشتركة للندن وواشنطن، وهو ما سيستدعي من البنتاغون إدخال أسلحة من المستقبل في خدمة الجيش الأمريكي لحسم هذه الأوراق، ويؤدي للتراجع عن المواقف التي تعلنها طهران والجزائر والرياض وموسكو، وكبحا لطموح وجماح الصين، وهو ما يؤكد مما لا يترك مجالا للشك، أن السياسة تظل رهينة الظروف.