للنقاش

للنقاش | هل يؤدي الجمع بين المال والسلطة إلى تغول الفساد ؟

عودة إلى زمن المهدي المنجرة وعبد الله إبراهيم

إن قوة الأمة ومجدها وعظمتها تتجلى في جودة تعليمها ونزاهة قضائها وحسن اختيار قادتها ومحاربة الفساد والمفسدين على جميع المستويات، أما الإصلاح فيصعد من الأدنى إلى الأعلى، وهناك بعض الصفات التي لا يستطيع الإنسان شراءها بالمال أو الحسب والنسب، مثل الأخلاق والشرف والصدق والنزاهة والقيم الرفيعة ونقاء الضمير، الضامن الأساسي لتقدم وازدهار الدولة، والفساد يأتي من تحول الصدق إلى ألفاظ ومظاهر خادعة، وتحول العمل السياسي إلى شعارات ومصالح ومنافع شخصية، وتحول كرسي المسؤولية إلى أصل تجاري لجمع المال الحرام وتكديس الثروة عن طريق الفساد والريع والرشوة.

بقلم: حسوني قدور بن موسى
محامي بهيأة وجدة

    المفسدون مثل الديناصورات التي لا تعرف معنى القناعة والشبع، فكلما كشرت أنيابها على فريسة والتهمتها ازدادت شهيتها إلى المزيد من الأكل حتى ولو كانت بطونها منتفخة بأكل الجيفة، لهذا يعتبر الفساد أخطر الأسباب التي تؤدي إلى الفقر والتخلف في جميع مجالات الحياة، لأن المفسدين يسرقون حقوق المواطنين ويحولونها إلى جيوبهم، وهذا يؤدي حتما إلى تدني مستوى المعيشة.. فقد أثبتت الدراسات والأبحاث وجود علاقة قوية بين الفقر وجرائم الفساد، فعدم توفير الأمن الاقتصادي وسوء التغذية وغياب الرعاية الصحية والاجتماعية وتدني مستوى التعليم وتدهور القدرة الشرائية، هو نتيجة تفشي الرشوة واختلاس ونهب وسرقة المال العام، الأمر الذي يؤدي إلى صعوبة سد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وبدون وجود مؤسسات رقابية قوية في الدولة، يستطيع المفسدون الإفلات من العقاب بسهولة ويزداد الفساد انتشارا في المجتمع بسبب عدم وضوح القوانين وعدم صياغتها بشكل دقيق وواضح وانعدام الشفافية فيها، مما يجعلها قابلة للتفسير بشكل خاطئ فيصبح القانون مثل عش العنكبوت الذي لا تعلق به إلا الحشرات الصغيرة التي لا تقدر على الإفلات منه، إلا أن تلك القوانين قد تمنح لبعض المسؤولين صلاحيات واسعة وكبيرة، مما يجعل المجال مفتوحا لتزايد وانتشار الفساد، ويتضح هذا في أن المسؤول الفاسد الذي يجد أمامه قدرا كبيرا من حرية التصرف في المال العام دون مراقبة ولا محاسبة ولا عقاب، سوف يستغل وظيفته للحصول على أكبر منفعة ممكنة من منصبه الحكومي، كما أن متابعة الصحفيين الملتزمين بالدفاع عن قضايا الشعب والمناهضين لظاهرة الفساد ومتابعتهم قضائيا لمحاولة إسكات أصواتهم، هي معضلة أخرى تحول دون الوصول إلى المعلومات عن الفساد في السلطة، ولهذا لا يوجد حل وسط عندما يتعلق الأمر بالفساد، فعلى المواطنين الشرفاء محاربته بجميع الوسائل، والتاريخ شاهد على مواقف نضالية لشخصيات مغربية سياسية أمثال الدكتور المهدي المنجرة، الذي طلب منه الملك الراحل الحسن الثاني، ضمن خمسة أشخاص، تحرير دستور المملكة، لكنه رفض ذلك وانسحب من الساحة السياسية، لأنه كان لا يؤمن بالدستور الممنوح الذي لا يعبر عن طموحات وآمال الشعب المغربي وظل يناضل من أجل مؤتمر تأسيسي منتخب من طرف الشعب لإعداد الدستور، وهناك شخصيات مغربية قليلة جدا رفضت تولي المسؤولية أمثال المرحوم عبد الله إبراهيم الذي عبر عن رفضه القاطع تشكيل الحكومة في عهد محمد الخامس، حيث قبل هذا المنصب تحت الضغط والإكراه، لكن اليوم نلاحظ أن المفسدين ينفقون المال الحرام من أجل تولي المناصب الحكومية ليس من أجل خدمة المصلحة العامة، لكن من أجل نهب وسرقة المال العام. 

المهدي المنجرة

ويعتبر الفساد من أكبر معوقات التنمية وهو المسؤول الأول عن تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، إضافة إلى أنه يؤثر بشكل كبير على العدالة التوزيعية والفعالية الاقتصادية لارتباطه بإعادة توزيع بعض السلع والخدمات لصالح المفسدين في المجتمع ممن يحتكرون السلطة والنفوذ السياسي والمالي في الدولة، هذا فضلا عما يسببه المفسدون من إضعاف قيمة العملة الوطنية نتيجة الاستيلاء على أموال البنوك في قروض بلا ضمانات حقيقية وتهريب المال العام إلى الخارج، لذلك فإن الفساد أكبر من أن يكون مسألة اقتصادية، بل إنه داء خطير يقضي على البنية الاجتماعية والثقافية، وفي هذا المجال أصدرت منظمة الشفافية الدولية تقريرا حول مؤشر “مدركات الفساد في العالم”، الذي يقيس درجة الفساد في القطاع العام والحكومي في 180 دولة حول العالم ويضم التقرير فصلا خاصا عن العالم العربي تبين منه أن إجمالي مؤشر الفساد في المنطقة ظل ثابتا عند 34 من أصل 100 درجة للعام الرابع على التوالي، ولم تحقق أي من دول المنطقة العربية تقدما في أوضاع الفساد، وفي المغرب، يبدو أن يوم القضاء على الفساد بعيد التحقيق ما دامت تقارير المجلس الأعلى للحسابات تعج بالاختلالات والتجاوزات التي صارت مجرد حبر على ورق دوخت رؤوس المواطنين بالتقارير التي لا تطبق على أرض الواقع، ويظل المفسدون المشتبه فيهم باختلاس المال العام في مراكز القرار جاثمين على كراسي السلطة غير مهتمين بما يجري حولهم من فضائح تهز البلاد.

إن انتشار الفساد يؤدي حتما إلى إضعاف قواعد وأجهزة الدولة ويحول دون تحقيق الأهداف الرسمية وضعف الهياكل الإدارية، الأمر الذي يفضي إلى فشل النظام الإداري في الدولة، وبما أن الفساد يعتبر من أخطر الجرائم التي تدمر أركان الدولة، فقد وضعت بعض الدول الديمقراطية قوانين صارمة شديدة العقوبة لمواجهة هذه الظاهرة الإجرامية لدرجة عقوبة الإعدام، حيث تم الحكم بهذه العقوبة على بعض المرتشين في الصين وسنغافورة، إلى جانب ذلك وضعت حوافز تدفع الأفراد والمسؤولين إلى الابتعاد عن الرشوة واستغلال النفوذ، من خلال رفع دخل المواطنين وتحسين مستوى المعيشة، وتعتبر سنغافورة وهونغ كونغ وإيسلاندا والدانمارك، رائدة في مجال محاربة الفساد، وفي المغرب، فلقد كشف المؤشر العالمي لمدركات الفساد الصادر عن “ترانسبرانسي إنترناشيونال”، أن المغرب حل في المرتبة 94 عالميا من أصل 180 دولة استنادا إلى مؤشرات الفساد المتراكمة سنة 2022، الأمر الذي يعطيه المرتبة الثانية في شمال إفريقيا بعد تونس وقبل الجزائر ومصر وليبيا وموريتانيا، وقال تقرير المنظمة أن “31 في المائة من مستخدمي الخدمات العمومية بالمملكة دفعوا الرشوة خلال سنة 2022، في حين أن 53 في المائة يعتقدون أن الفساد ارتفع خلال هذه السنة”، وأمام انتشار الفساد في الدول العربية، تتصاعد موجة الإضرابات والاحتجاجات والتظاهرات الشعبية في الدول العربية التي تتجه نحو تركيز الثروة والسلطة في أيدي أقلية من رجال المال والأعمال وتجويع المواطنين وإحكام قبضتها الحديدية عليهم والتحكم في مصيرهم عن طريق فرض القوة وشراء أصوات الناخبين من أجل السيطرة على البلاد سياسيا واقتصاديا، فإذا أردت أن تفسد السياسة فأنفق عليها من المال بلا حساب، فهذه السياسة لا تضمن نهاية سعيدة، وللأسف الشديد، لا يمكن القضاء على المفسدين الانتهازيين عن طريق الانتخابات الفاسدة، لأن الشعب لم ينتخبهم أصلا وليس أخطر على الدولة من الخلط بين السياسة والمال، فالتاريخ شاهد على فشل مثل هذه الأنظمة ونهايتها المؤلمة.

عبد الله إبراهيم

إن ظاهرة الاحتجاجات الشعبية ضد سيطرة رجال المال على السلطة ليست جديدة على المجتمعات الحديثة وإن كانت وسائل الإعلام المأجورة التي تسير في الاتجاه المعاكس لإرادة الشعب تحاول تلميع صورة حكومة رجال المال والأعمال للاستفادة هي كذلك من توزيع الغنيمة، ورغم المنع والقمع والاضطهاد ضد الرافضين لسياسة التجويع ورفع أسعار المواد الغذائية الأساسية والمحروقات والاعتداء على القدرة الشرائية للمواطنين، فإن المحتجين يزدادون قوة وصمودا ليس في المغرب فقط، وإنما في كل الدول العربية التي يسيطر عليها الطغاة والعسكر ورجال المال والأعمال، فهذا النوع من العلاقات المشبوهة بين رجال المال والسلطة تحيط به كثير من الشبهات وعلامات الاستفهام، وكثيرا ما تنتهي هذه العلاقة بخسائر مادية جسيمة تصيب الشعب في جميع متطلبات عيشه، ويقال ما اجتمعت السلطة والمال إلا وكان الفساد ثالثهما، ويرى البعض أن العلاقة بين السلطة والمال جريمة كاملة الأركان، وفي هذا الصدد اعتقلت السلطات التونسية عددا من رجال الأعمال لتورطهم في تهريب أموال وقضايا فساد وتبييض أموال، وكانت الحكومة قد أطلقت في شهر ماي الماضي حملة ضد رجال الأعمال المتورطين في الفساد والتهريب وأوقفت العشرات منهم في وقت تعهدت فيه رئيسة الحكومة، نجلاء بودن رمضان، بأن حكومتها ستكون حكومة حرب ضد الفساد والمفسدين في الوقت الذي تعهد فيه رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش بـ”إعادة تربية المغاربة” لأنهم يحتجون ضد الفساد وغلاء المعيشة وارتفاع ثمن المحروقات، وفور تنصيب حكومة أخنوش، تعالت أصوات المطالبين بالتراجع عن الزيادة في سعر البنزين والغازوال والمواد الغذائية الأساسية وإعادة الأسعار إلى سابق عهدها والمطالبة برحيله من الحكومة باعتباره المسؤول الأول عن تدهور معيشة المواطنين والاضطرابات الاجتماعية، ويظهر أن العلاقة بين رجال المال والأعمال والسلطة علاقة متكررة ومتجددة في الدول العربية التي تلعب دورا أساسيا في الاقتصاد عن طريق الزواج بين السلطة والمال لاعتقادها أن المصدر الأساسي للدخل يأتي من قطاعات تسيطر عليها الدولة، ويظل رجال المال والأعمال في حاجة دائمة لعلاقة مع السلطة لحماية مصالحهم للحصول على قروض للإنتاج وحماية ثرواتهم الهائلة، لأن الأنظمة السياسية في الدول العربية ما زالت مصدر القوة والثروة معا، وقد كشف تقرير دولي عن حجم الأموال المهربة من المغرب إلى الخارج بلغ 50 مليار دولار على الأقل، ما يعادل 431 مليار درهم، وأن المغرب – حسب التقرير – يعتبر من بين الدول التي وصل فيها حجم الأموال المهربة رقما قياسيا بينما يعيش الشعب المغربي في أوضاع اجتماعية مزرية.

استطاعت الشعوب المضطهدة، عن طريق النضال المستمر والاحتجاجات الشعبية في كثير من الدول، إقالة عدد من الرؤساء والمسؤولين الكبار من مناصبهم السياسية بسبب غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وتفشي الفساد والرشوة، في حين اضطر آخرون لتقديم استقالاتهم طوعيا خوفا من المحاكمة، وشهدت العديد من الدول العربية منذ السبعينيات موجة تظاهرات شعبية قوية في الشارع احتجاجا على سياسة رفع الأسعار في غالبية المواد الغذائية والمحروقات فكانت احتجاجات عارمة واجهتها الأنظمة الحاكمة المستبدة بالاعتقالات التعسفية الواسعة، مما أسفر عن سقوط العديد من القتلى والجرحى، هذه هي السياسة المتبعة في الأنظمة المستبدة في البلاد العربية التي تقوم على الاستغلال والقمع،  يسجن فيها المظلوم والبريء وأبناء الشرفاء ويطلق سراح المفسدين الذين سرقوا ونهبوا أموال الشعب، يضطهد فيها الأحرار ويكرم فيها الجهلة والمنافقون والمفسدون، تسند إلى الجاهل والأمي والمرتشي أعلى المناصب في الدولة ويقصى أصحاب الكفاءات العلمية، تمنح الشواهد الجامعية للفاشلين في الدراسة عن طريق الوساطة والجاه والمال ويقصى الطلبة الباحثون المجتهدون، الأمر الذي يجعلهم يختارون الهجرة إلى الدول الغربية التي تعترف لهم بمبدأ “تكافؤ الفرص”، وتسند مهمة الوعظ والإرشاد إلى الزنادقة والسفهاء وتجار الدين لتنويم الشعوب بالخرافات والخزعبلات التي تبعث على السخرية والضحك، وهذا ما أدى عبر العصور إلى سقوط العروش ونهاية الدول، وفي هذا الصدد، قال العلامة ابن خلدون: “لا تولوا أبناء السفلة والسفهاء قيادة الجيوش ومناصب القضاء وشؤون العامة، لأنهم إذا أصبحوا من ذوي المناصب اجتهدوا في ظلم الأبرياء وأبناء الشرفاء وإذلالهم بشكل متعمد، لشعورهم المستمر بعقدة النقص والدونية التي تلازمهم وترفض مغادرة نفوسهم مما يؤدي في نهاية المطاف إلى سقوط العروش ونهاية الدول”.

ومن أجل انتزاع الحقوق المشروعة، ظهرت جماعات مناضلة من المواطنين تنتمي إلى مختلف الطبقات الاجتماعية التي تعاني من الاضطهاد والتهميش والاستغلال بجميع أشكاله، تشكل ما يسمى بالجماعات الضاغطة عن طريق الاحتجاجات في الشارع العام وعن طريق وسائل الاتصال للدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية لمعظم المواطنين من أجل التأثير على السلطة الحاكمة التي يتحكم فيها مجموعة من الأثرياء وأرباب الشركات الرأسمالية، فهذه الجماعات الضاغطة تشكل وحدة في عدة صفات تجمع أفرادها وهم لا يهدفون إلى تحقيق أرباح تجارية أو الاستيلاء على السلطة كما هو الحال بالنسبة لرجال المال والأعمال وأصحاب الشركات التجارية الكبرى وزعماء الأحزاب السياسية الانتهازيين، ولا زال النضال من أجل العزة والكرامة مستمرا منذ فجر الاستقلال إلى يومنا هذا، ففي يوم 18 ماي 1981، أعلن رئيس الحكومة المعطي بوعبيد، عن الزيادة في أسعار المواد الغذائية الأساسية بضغط من المؤسسات المالية الدولية، وعلى إثر ذلك دعت الكونفدرالية المغربية للشغل إلى شن إضراب عام يوم 20 يونيو 1981، احتجاجا على تلك القرارات، فقامت قوات الأمن بقمع المحتجين مما أدى إلى اندلاع مظاهرات شعبية في مختلف الأحياء الشعبية بمدينة الدار البيضاء تدخلت فيها عناصر الجيش بالقمع والاعتقالات بواسطة الدبابات والسيارات العسكرية، ووصل عدد القتلى إلى 1000 تم دفنهم في مقابر جماعية حسب بيانات المعارضة، وبلغ عدد الجرحى 110، واشتهروا باسم “شهداء الكوميرا” التي أطلقها عليهم إدريس البصري استهزاء بهم بسبب مطالبهم الاجتماعية، وهو ما أثار سخط عائلات الضحايا، ورغم مطالبة المعارضة بتشكيل لجنة تقصي الحقائق، امتنعت السلطات عن ذلك وتم التضييق على وسائل الإعلام الوطنية والدولية لتغطية تلك الأحداث المؤلمة، التي أجبرت الحكومة على التراجع عن الزيادات التي فرضتها على الأسعار، وكعادتها بررت الحكومة تدخلها الدموي العنيف بوجود عناصر متآمرة من الخارج تحاول التشويش على لقاء المغرب في مؤتمر نيروبي حول قضية الصحراء المغربية، وفي المقابل، وصفت المعارضة تلك الأحداث بأنها “مجزرة حقيقية في حق المغاربة”، وظلت الانتفاضات الشعبية مستمرة ضد سياسة التفقير والتجويع وارتفاع كلفة المعيشة والزيادة في ثمن المحروقات.. انخرطت فيها جميع شرائح المجتمع وما رافق ذلك من احتقان اجتماعي.

المعطي بوعبيد

يرى البعض أن الجمع بين السلطة والمال جريمة كاملة مكتملة الأركان، فمقابل الثروة تتنازل السلطة عن أعز ما تملكه “الأمانة والشرف”، فإذا أردت إفساد أي مجتمع فما عليك إلا فتح باب الزواج بين السلطة والمال، أي تسمح لرجل الأعمال أن يكون رجل سياسة: عضوا في البرلمان أو وزيرا أو رئيس حكومة أو حتى رئيس دولة، وهنا يشارك رجل الأعمال في صنع القرارات التي تخدم مصالحه المالية أولا وأخيرا، لأن هدفه هو الربح السريع على حساب المواطنين الفقراء والضعفاء، وتظهر رغبته الجامحة في خطاباته وفي الألفاظ التي يستعملها رجل الأعمال المتعطش إلى تراكم الثروة والتي غالبا ما تكون مصحوبة بالتهديد والوعد والوعيد وتخويف المواطنين بأنه الرجل القوي الذي لا يقدر على منافسته أحد، معتقدا أن ثروته المالية هي التي أوصلته إلى أعلى هرم في السلطة وأن المواطنين الأغبياء الذين صوتوا عليه في الانتخابات، لا يحق لهم الاحتجاج ضده لأنهم باعوا أصواتهم. هذه هي سياسة رجل المال والأعمال عندما تسند إليه مهمة تدبير الشأن العام.

ويظهر أن المغرب، بعد تنصيب حكومة أخنوش، يعود بنا إلى عهد الستينيات عن طريق ظهور أحزاب تعتمد على الثروة والمال للوصول إلى كراسي المسؤولية، وهذا لا يضر فقط بالشعب المغربي، بل يدمر أسس الدولة، ومن خلال نسبة المشاركة الضعيفة لانتخابات 8 شتنبر 2021، يظهر جليا الرفض الشعبي لهذه الأحزاب الانتهازية التي تعتمد على المال لاستمالة الناخبين.

وتكشف لنا الكثير من الدراسات والتجارب الدولية أن الفساد الإداري يتفشى بشكل كبير في السلطات التنفيذية التي يغلب عليها رجال الأعمال، لأن هؤلاء يعملون على خدمة استثماراتهم بدلا من خدمة مصالح المواطنين، فهم لا تهمهم المصلحة العامة بقدر ما تهمهم خدمة مصالحهم الاستثمارية، والدول العربية تشهد مثل هذه المصائب، حيث تعاني معظمها من مظاهر الإفلاس والفقر المدقع والحرمان والبطالة وانعدام السكن والأمراض والجهل وهجرة الأدمغة.

العلاقة بين السلطة والمال لا تكون نظيفة، فرجل الأعمال إن لم تكن لديه تقوى وأخلاق فإنه قد يتحول إلى شيطان يستخدم ماله للوصول إلى مركز صنع القرار السياسي، بهدف انتزاع تسهيلات غير مشروعة وتحقيق أرباح شخصية خارج القانون لم يكن يحلم بها ولم يكن باستطاعته الحصول عليها إلا من خلال تواجده في السلطة، والأمر الذي يغيب عن أهل السياسة، هو أن المردود المادي الذي يحصده رجال المال والأعمال يفوق بكثير المقابل الذي يتقاضاه رجال السلطة السياسيين، وإعفاء رجال الأعمال من دفع مستحقات كبيرة للدولة يؤدي إلى تعاظم ثرواتهم على حساب المواطنين الذين تثقل كواهلهم الضرائب والزيادة في المواد الغذائية والمحروقات، والخاسر في هذه الحالة هو الشعب، الذي صوت على رجل الأعمال والمال في الوقت الذي نشاهد فيه نسبة البطالة في تزايد كبير خاصة في صفوف الشباب خريجي الجامعات، الذين اختاروا الهجرة بدلا من العيش في الفقر والحرمان.

النشرة الإخبارية

اشترك الآن للتوصل كل مساء بأهم مقالات اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى