متابعات | فشل الوزير الميراوي في أول امتحان تشريعي
النظام الأساسي للتعليم العالي "من الخيمة خرج مايل"

بعد سنوات من الانتظار من طرف الأساتذة الباحثين، وعدة لقاءات مع الوزارات السابقة، أفرجت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، برئاسة عبد اللطيف الميراوي، عن مشروع النظام الأساسي الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين بمختلف جامعات المملكة، إلا أن هذا القانون الجديد لم يعالج العديد من القضايا والإشكاليات المطروحة في التعليم العالي والعالقة منذ عهد الوزير سعيد أمزازي.
إعداد: خالد الغازي
عرف التعليم العالي بالمغرب صدور 4 أنظمة أساسية سابقا، الأول سنة 1959 في شكل مرسوم لكل فئة أستاذ للتعليم العالي وأستاذ محاضر ومساعد الكلية، والثاني كان سنة 1970، والذي احتفظ بنفس الهيئات، والثالث سنة 1975، ويضم أساتذة التعليم العالي والأساتذة المحاضرين والأساتذة المساعدين والمساعدين، والرابع سنة 1997، ويشمل أساتذة التعليم العالي والأساتذة المؤهلين وأساتذة التعليم العالي المساعدين، وتم وضع مرحلة انتقالية للأستاذ المساعد والمساعد في طور الانقراض.
فمشروع النظام الأساسي الذي قامت الوزارة بتسريبه إلى الرأي العام، جاء في وقت حساس جدا ودقيق بعدما أثار مشروع الهندسة البيداغوجية أو ضوابط الدفاتر البيداغوجية، جدلا كبيرا وسط الأساتذة الباحثين والمسالك الجامعية، وجر انتقادات كثيرة على الوزارة الوصية والحكومة، بسبب عدم استشارة مجالس الجامعات وشبكات الشعب، حيث يبدو أن الوزارة تسعى لربط مشروع الإصلاح البيداغوجي مع مشروع النظام الأساسي قصد تمريره في البرلمان.
وقد أثار مشروع النظام الأساسي الجديد الذي تسربت مضامينه، العديد من التساؤلات وسط الأساتذة الباحثين، واعتبرت إحدى النقابات أنه خرج بمضامين ورؤية القرن الماضي، إذ بتراجعاته الكثيرة عن المكتسبات يحيل على المجهول في غياب النصوص التنظيمية، كما يحمل في طياته أسس ودعائم خوصصة ونهاية الجامعة العمومية، كما حافظ على نفس الأرقام الاستدلالية التي تعود إلى 26 سنة، بعدما استسلم أمام “الفيتو” الذي رفعته وزارة المالية لاعتبارات مالية، وخرج ببنية إدارية معقدة ومعرقلة لتطور المسار المهني للأساتذة الباحثين، وتجريد الشعب من محتواها وتقليص مهامها، وخرج بقيود انتقائية لولوج المهنة.
واعتبر فاعلون نقابيون وأساتذة جامعيون، أن مشروع النظام الأساسي لم ينصف بعض الفئات داخل الجامعة المغربية، سواء الأساتذة المساعدين والحاصلين على دبلومات الدراسات العليا، وكذلك الأساتذة المتقاعدين الذين قدموا خدمات جليلة للجامعة وتضحيات كثيرة خلال مسارهم المهني، كما أن القانون لم يستحضر الاتفاقات السابقة، مما يجعل الإصلاح أمام إشكالات متعددة لا يمكن حلها إلا في إطار المقاربة التشاركية، عوض نهج سياسة المشاريع الفوقية.
فمشروع النظام الأساسي المقترح من قبل الوزارة – حسب المهتمين – لا يختلف كثيرا عن النظام الحالي، وبالتالي، لم يأت بأي جديد كفيل بحل المعضلات الحالية، وعلى رأسها التراجع المهول في نسبة التأطير الناتج عن تزايد أعداد الطلبة، ومغادرة أفواج من الأساتذة الباحثين بسبب الإحالة على المعاش، وشح صبيب إحداث المناصب المالية الجديدة الكفيل بتعويض تلك المغادرات.

وفي هذا الإطار، اعتبر محمد الدرويش، رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين والكاتب العام السابق للنقابة الوطنية للتعليم، أن النظام الأساسي الخاص بهيئة الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي بدون روح ولا فلسفة رغم أن الحكومة قدمت فيه مجهودا ماليا محترما، لكن المشرع أغفل فئات أخرى فكان غير منصف لها، وهو الأمر الذي قد يتسبب في عدم استقرار المنظومة، وعدم الانطلاقة الجيدة للإصلاح المقرر تنزيله في شهر شتنبر المقبل دون التوفر على الحد الأدنى للإمكانيات المطلوبة ودون تقديم ضمانات على ذلك”، مضيفا أن “نسخة المشروع تسربت بشكل غير مألوف وفي وقت حساس ودقيق تم اختياره بعناية كبيرة، وبحسابات قد تكون ضيقة تؤكد أن الوزارة ترهن هذا المشروع بمشروع الإصلاح البيداغوجي”.
وانتقد نفس المصدر المشروع الجديد لأنه لم ينصف كفاءات وأطر عالية، ولم يتم التنصيص في هذا المشروع على إحداث إطار أستاذ فخري كما هو معمول به في مجموعة من الدول المتطور تعليمها العالي، والتي تحتفظ بأساتذتها حتى يقرروا هم التوقف، والذي غالبا ما يكون لأسباب صحية، ونضرب مثالا بعالم اللسانيات الأمريكي نعوم تشومسكي الذي فاق سنه 85 سنة وما زال يحتفظ بمكتبه بـ”الم. آي. تي” (M.I.T)، عوض أن نترك مجموعة من الجامعات تقرر إسناد هاته الصفة لبعض أساتذتها وبعض الأساتذة يسندون لأنفسهم هاته الصفة، والجهتان معا تفعل ذلك دون سند قانوني ولا امتيازات تذكر.
وتساءل الدرويش عن مصير محضر الاتفاق الذي تم بين النقابة الوطنية للتعليم العالي وقطاعات التعليم العالي والمالية والوظيفة العمومية الموقع يوم 29 أبريل 2011، والذي تضمن مادة بمقتضاها حل “مشكل المساعدين الحاصلين على دبلوم الدراسات العليا، وذلك بتفريغهم في إطار أستاذ مساعد ثم أستاذ التعليم العالي مساعد”، مضيفا أنه بمقتضى ذلك الاتفاق تم إعفاء حملة دبلوم الدراسات العليا أو السلك الثالث، من شرط الحصول على شهادة الدكتوراه، وهو ما تم بالفعل وترجم إلى نص تشريعي ضمن المرسوم كما هو مبين في المادة 33 من المرسوم، حسب ما تم تغييره وتتميمه وما نصت عليه المادة 37 من المرسوم، حيث تم وضع هذين الإطارين في طريق الانقراض، وما زلت أتذكر حالتين بجامعة القاضي عياض وحالة بجامعة الحسن الثاني، وحالات أخرى سويت جميعها.. فلا وجود لأي حالة اليوم لإطار أستاذ مساعد وحتى المساعد، وإن وجدت إحدى الحالات وهو أمر مستبعد، فإما أن الادارة لم تقم بواجبها في تطبيق مقتضيات الاتفاق والمرسوم وإما أن توظيفات جديدة تمت، وهو أمر مستحيل”.
وقال المصدر ذاته: “نحن نتحدث عن نقص كبير في التأطير للأسباب المعلومة لدى الجميع، ونتحدث عن جلب كفاءات الخارج، وعن جيل جديد من الطلبة الدكاترة الباحثين، لماذا لم يتم التنصيص على هاته الفئة في إحدى مواد المرسوم، حتى يكون ذلك مؤطرا قانونا ومحفزا لهم ومشجعا على العطاء وبذل المجهودات المطلوبة وأكثر دون أن يكون لهم وضع إداري قار، والذي سيحصلون عليه بعد الاستجابة لمقتضيات التوظيف”، مستغربا كيف قبل المشرع أن يبدأ الأستاذ الباحث (8 سنوات على الأقل بعد البكالوريا) بالرقم الاستدلالي 509 وهو نفس الرقم الاستدلالي الذي خوله المشرع للأطباء (6 سنوات بعد البكالوريا) ويقارب الرقم الاستدلالي الخاص بفئة المهندسين (5 سنوات بعد البكالوريا) وهؤلاء جميعهم يفترض أنهم طلاب أساتذة التعليم العالي”، وتساءل عن الخلفية التي يساوي بها المشرع بين الأستاذ المحاضر والأستاذ المحاضر المؤهل، وهما إطاران مستقلان في المهام وعدد ساعات العمل ويميز بينهما في الأرقام الاستدلالية والأجور؟ موضحا أن كل نص تشريعي له روح وفلسفة، فالنصوص الأربعة الخاصة بهيئة الأساتذة الباحثين، لها فلسفة وروح لمسناها ونحن نشرحها ونفاوض بشأن بعضها خلال السنوات الماضية، والسؤال المطروح: ما هي الفلسفة التي قام عليها مشروع المرسوم المنتظر؟ وكيف هي روحه؟

بدوره، يرى محمد بنجبور، الكاتب العام للنقابة المغربية للتعليم العالي، أن مشروع مرسوم النظام الأساسي للأساتذة الباحثين “خرج من الخيمة مايل”، خرج “وحيدا”، خرج “عاريا” من الشرعية والإسناد في اتجاه مجلس الحكومة للمصادقة والتأشير عليه، ومُتسللا في جبة “المقايضة النازلة”، مخيبا لكل الآمال، ودون الانتظارات بكثير، من غير اكتراث ولا اعتبار للمهام والمسؤوليات الجديدة التي أناطها الإصلاح بالأساتذة الباحثين والتي ظلت شعارا “نضاليا” للاستهلاك والتخدير ليرهن مصيرهم سنوات طوال، مشيرا إلى أن نقابته رفضت التوقيع على الاتفاقية مع الوزارة لكونها غامضة ومجهولة المحتوى، والتي كانت تتضمن موضوع الإصلاح بمحاوره الثلاثة المتمثلة في النظام الأساسي للأساتذة الباحثين والإصلاح البيداغوجي ومراجعة القانون المنظم للتعليم العالي.
وأوضح بنجبور، أن مشروع النظام الأساسي الذي تسرب مؤخرا يلزم الوزارة وحدها، لأن النقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي لم تشارك في إعداده ولا في إنجازه ولا المصادقة عليه، بعدما اشتغلت النقابة منذ أربع سنوات مع الوزارات السابقة على وضع مشروع لنظام أساسي يليق بالأستاذ الباحث ويستجيب للتحديات المفروضة والتحولات المعاصرة، منتقدا ما قام به الوزير عبد اللطيف الميراوي، من إيقاف للنقاش وللجن التقنية التي كانت تضم ممثلين عن النقابة والوزارة، وإلغاء الخلاصات الأساسية التي تم التوصل إليها والمقترحات التي تقدمت بها النقابة بخصوص النظام الأساسي والتي لم يهتم بها وفضل الاشتغال لوحده، وقال أن “النظام الجديد خرج من غيبوبته القسرية التي قضاها في ردهات الظلام بالوزارة، وإقامته الإجبارية لدى السيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، الذي اختار الإقصاء والتهريب كسياسة في إدارة المشروع، بعيدا عن أعين وأنظار الأساتذة الباحثين ومقترحاتهم وملاحظاتهم، وبعيدا عن ممثليهم في النقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي، وهي أحد الأعطاب البنيوية التي يمكن تسجيلها على المشروع الشارد عن المقتضيات الدستورية والمسيء لهيئة البحث والتعليم العالي”، مضيفا أنه كان يفترض أن يشكل النظام الأساسي لهيئة الأساتذة الباحثين لسنة 2023، قطيعة تتجاوز كل الثغرات والأعطاب التي أفرزتها الأنظمة الأساسية السابقة، وخاصة نظام 1997، وأن يشكل نقطة تحول وتجاوز واستيعاب لمختلف التحولات التي تشهدها منظومة التعليم العالي والبحث العلمي في سياقاتها المعاصرة.
وأكد ذات المصدر، أن النظام الأساسي المسرب لم يطلع عليه الأساتذة، ولا يوجد في موقع الوزارة ولم تشارك فيه النقابة، ويتضمن مجموعة من الملاحظات، منها إضافة مجموعة من المهام للأساتذة الباحثين رغم أن الأستاذ الباحث يشتغل ويقوم بمهام كثيرة جدا، والتي ينبغي أن تشمل نوعا من التحفيز، لكن – مع كامل الأسف – وجدنا أنفسنا أمام نظام تراجعي سيؤثر بشكل كبير على مستقبل الأستاذ الباحث، وإذا أخذنا التطور الذي عرفه المسار المهني للأساتذة الباحثين اليوم أمام نظام أساسي ذي بنية معقدة تعيق تطور الأستاذ الباحث بكل يسر وبكل سهولة، نظام أساسي قلل من هياكل الشعب ومن حجمها، محملا المسؤولية للوزير في إصدار نظام لا يستجيب لانتظارات الأستاذ الباحث، اعتبارا لكونه لم ينهج مقاربة تشاركية التي تعتبر خيارا استراتيجيا لمواجهة مختلف الإشكالات والوصول لنوع من التوافق، حيث خرج نظام تراجعي فيه مجموعة من الإشكالات، مخيب لكل الآمال وسيخلق حالة من الاحتقان داخل الساحة الجامعية.
وتابع نفس المصدر، أن النظام الأساسي الجديد، خرج بمضامين ورؤية القرن الماضي متجاهلا كل التحولات، فهو حافظ على ثلاثية الإطار بعدما كانت المطالبة بإطارين فقط، كما حافظ على نفس الأرقام الاستدلالية التي تعود إلى 26 سنة، بعدما استسلم أمام “الفيتو” الذي رفعته وزارة المالية لاعتبارات مالية، فخرج ببنية إدارية معقدة ومعرقلة لتطور المسار المهني للأساتذة الباحثين، وتجريد الشعب من محتواها وتقليص مهامها، خرج بقيود انتقائية لولوج المهنة، ليفتح بذلك الجامعة على “العشائرية”، وبالتالي الإقصاء الاجتماعي بعدما كانت الجامعة فضاء للارتقاء الاجتماعي، كما خرج المشروع بتراجعاته الكثيرة عن المكتسبات، يحيل على المجهول في غياب النصوص التنظيمية، كما يحمل في طياته أسس ودعائم خوصصة ونهاية الجامعة العمومية.
وتساءل المصدر ذاته: لماذا اختار وزير التعليم العالي هذا الخيار الذي هو خيار فاشل؟ وبطبيعة الحال لا يمكن أن نأتي بإصلاح في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي خارج الدوائر التشاركية، مشيرا إلى أن الوزير لم يلتزم بتوجيهات رئيس الحكومة خلال اجتماع سابق يوم 7 أكتوبر 2022، والذي تطرق لمسألة الحوار وضرورة تزويد النقابة بجميع الوثائق المتعلقة بالإصلاح، سواء النظام الأساسي، أو الإصلاح البيداغوجي، والنصوص التنظيمية وتسريع وتيرة الحوار.
وحسب عدد من الفاعلين، فإن مشروع النظام الأساسي لم يعالج العديد من الأمور والملفات العالقة على مستوى التعليم العالي، بل إنه يحتاج إلى مناقشة واسعة بين جميع الفرقاء النقابيين، ودراسة واجتماعات قصد مراجعة العديد من المحاور والتفاصيل التي جاء بها، والتي لا تستجيب لانتظارات الأساتذة الباحثين والأطر الجامعية.