الرباط. الأسبوع
منذ سنوات تقوت وزارة الصحة العمومية – سابقا – بالإشراف على الصحة العمومية والخاصة وربطها بالشؤون الاجتماعية، وهي الهيكلة الملائمة للتدبير الصحيح لمرافق تمتزج فيها الشؤون الاجتماعية بالتقنية العلمية والتدبير الإداري والتسيير المالي، ولن نغوص في بحورها، بل نكتفي بمعاينة الوضع من سواحلها، من العاصمة السياسية والإدارية، التي ستتعزز في القريب بأكبر برج صحي في القارة الإفريقية، بأمهر أساتذة الطب وأجود التقنيات اللازمة لتأمين مهامهم الإنسانية.. فهل اتخذت التدابير اللازمة لاستقبال هذا المولود الجديد؟ وقبلها، هل تم تشخيص الأعطاب التي يشكو منها القطاعان الصحي والاجتماعي؟ فلا حاجة إلى دراسة أو تحليل لفك رموز هذا التشخيص، فالوضع كارثي بكل المقاييس، وضحاياه مرضى وأطباء وصيادلة وجراحو أسنان وممرضون ومروضون طبيون وكل من يشتغل في المجال الطبي.
فالمرضى وعائلاتهم متذمرون من فوضى تضارب واجبات معالجتهم، وغلاء الأدوية والمواد الصحية، وممارسات لاأخلاقية ولاإنسانية يمكن وصفها بالنصب والاحتيال من بعض “ملائكة الرحمة”، يقابلها من يدعون التطوع لتنزيل الشؤون الاجتماعية، وهي في صورة ملاك تحمل المساندة والمساعدة والتآزر والتعاضد مع المنتسبين إليها بعقد بينها وبينهم، عقد يؤمن تأمينا على الأمراض ظل منذ زهاء قرن يحمل معه تخلفا في الخدمات وعجزا في الوفاء بالالتزامات وغيابا في الوقت الذي يجب حضوره بكل ثقله التعاضدي والاجتماعي، فالمؤمن عليه الأداء ليس ببطاقة انخراطه في التعاضدية أو الصندوق كما هو سائد في سائر البلدان، بل من جيبه وعليه، إذا أطال الله عمره، انتظار قسط من نفقات استشفائه إذا كان ملفه تاما وراقبه وأشّر عليه – ويا لسخرية القدر – ممثلوه في تلك التعاضدية ونوابه في ذلك الصندوق، فأين دور الشؤون الاجتماعية والنقابات والجمعيات والجماعات؟
وكما يعاني المرضى المنخرطون في التعاضديات، تقاسي هيئات الأطباء على مختلف تخصصاتهم في القطاع العمومي والخصوصي، ومن المضحك أن يتقاضى نائب رئيس مجلس تعويضا ويتمتع بسيارة وهاتف وأسفار على حساب الرباطيين لمجرد مشاركته في 3 جلسات في السنة، وكل واحدة تستغرق بضع ساعات فقط، ويوقع على وثائق معدودة ليكون تعويضه يساوي أجر طبيب، الذي عليه قانونيا وأخلاقيا إنقاذ الأرواح بالتنقل من منزله إلى مقر عمله بوسائله الخاصة في الليل والنهار وأيام الأعياد والمداومات، أما ظروف العمل وإمكانياته فشبه منعدمة، بينما النائب المحترم في المكتب الفاخر و”رزمة” من الامتيازات فقط لفترة دقائق من التوقيت الإداري ثم يغادر إلى شغله اليومي، أما الأطباء، فجلهم يعانون من الضرائب والرسوم وأجور العاملين ونفقات التسيير والصيانة وغلاء المعدات الطبية.
ويقع هذا في العاصمة أمام أنظار وزارة الصحة والشؤون الاجتماعية، وها نحن نبسطها أمامكم بكل إكراهاتها ومصائبها، وهذا ما يجب تداركه قبل تدشين البرج الصحي المنتظر حتى لا يسقط في وحل الفوضى والإهمال، وهذا من واجبات منتخبينا الغائبين عن همومنا.