تحت الأضواء | هل هي مؤشرات صراع المؤسسات داخل الدولة ؟
أخنوش ضد العدوي والجواهري ضد الحليمي
الرباط. الأسبوع
سبق للأمين العام لحزب الاستقلال، أن اتهم قضاة المجلس الأعلى للحسابات بممارسة الإرهاب، وكان ذلك في عهد الرئيس السابق(..)، لكن هذه هي المرة الأولى في عهد الرئيسة زينب العدوي، التي تجرأت فيها الحكومة على التفاعل السلبي مع ما يصدر عن هذه المؤسسة الرقابية، حيث قال الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس، منبها إلى توظيف هذه التقارير في حملات محاربة الفساد: “إن تقارير المجلس الأعلى للحسابات يجب أن لا تُربط بقضايا الفساد بشكل مباشر”، معتبرا أن “الغاية منها هي تقويم الأداء والتدبير العمومي خدمة للفعل الحكومي والعمومي”، غير أن أقوى رد على المجلس الأعلى للحسابات هو الذي ورد على لسان الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب، وهو زميل بايتاس في حزب الأحرار، حيث اعتبر رشيد الطالبي العلمي أن تقارير المجلس الأعلى للحسابات تصور البلاد على أنها كلها فساد.. وأكد العلمي، خلال جلسة عمومية لمناقشة تقرير المجلس الأعلى للحسابات يوم الثلاثاء الماضي، أن “المجلس يصدر الاختلالات فقط في تقاريره، ولا يتحدث عن كل الأشياء الجميلة الأخرى”، كما اعتبر أنه “لا يجب إعطاء تصور بأن بلادنا فيها الفساد فقط”، قبل أن يخلص رئيس مجلس النواب إلى أنه “كما توجد اختلالات توجد إيجابيات، لذلك لا يجب أن نعطي تصورا على أن بلادنا كلها فساد”.
الطالبي العلمي يوجد على رأس إحدى أكبر المؤسسات في المغرب وهي مجلس النواب، ويهاجم المجلس الأعلى للحسابات بكل حرية، ما يعني أنه أخذ الضوء الأخضر للرد، وإذا أخذنا بعين الاعتبار ردة فعل حزب التجمع الوطني للأحرار ككل، فإنه يكون على الأقل قد أخذ الضوء الأخضر من رئيس الحكومة عزيز أخنوش.. ففي نفس السياق، رد فريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس المستشارين على خلاصات وتوصيات التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2021، بشأن مظاهر الاختلالات والقصور على مستوى التدبير العمومي، معتبرا أنها تنطوي على “معطيات غير واقعية”، ورغم اللغة الدبلوماسية التي يمثلها القول بـ”تثمين التقارير”، إلا أن هذه العبارة لا معنى لها في وجود عبارة أخرى تقول أن “تركيز التقرير على مظاهر الاختلالات والقصور على مستوى التدبير العمومي، وتقديم التوصيات لمعالجتها، يعطي الانطباع لدى القارئ باستفحال ظاهرة الفساد الإداري والمالي، وبالتالي، الترويج لاستنتاجات غير واقعية تعطي صورة قاتمة عن واقع التدبير العمومي”.. أليس هذا هو نفس كلام الرئيس الطالبي العلمي؟
نفس الفريق قال مهاجما تقارير زينب العدوي، أنه “كان يمكن تفادي هذه المغالطات لو اعتمدت تقارير المحاكم المالية نوعا من التوازن من خلال إبراز مظاهر جودة التدبير العمومي بالمرافق والإدارات موضوع التدقيق والافتحاص قبل استعراض مظاهر الاختلال.. فالثابت من تقرير المجلس الأعلى للحسابات هو أن الحزب (التجمع الوطني للأحرار) كان من الأحزاب الثمانية عشر التي التزمت بالإدلاء بحساباتها داخل الآجال القانونية، وبادر إلى إرجاع مليون و71 ألف درهم برسم الدعم الممنوح له، ما يثبت الالتزام والرقي بالحكامة التدبيرية للحزب إلى مستوى الأحزاب الجادة ببلدنا”.
إن تقارير المجلس الأعلى للحسابات هي التي تجعل المدبرين العموميين بمثابة متهمين في حالة سراح، هذا ما عبر عنه الفريق المذكور قبل أن يدعو إلى حذف كلمة تبديد من التقارير، لأنها تكون غير دقيقة في تقارير المحاكم المالية، و”عادة ما تتعلق بأخطاء في التدبير وليس بمخالفات ذات طابع جنحي أو جنائي، وتجعل المدبرين العموميين بمثابة متهمين في حالة سراح، ويطاردهم شبح الاعتقال في أي وقت”.
الخلاف الظاهر بين القائمين على مؤسسات عمومية والذي أخذ طابع “الجدال” والرد والرد المضاد، لم يقف عند حدود المجلس الأعلى للحسابات والحكومة، بل إن تناقض التقارير هو الذي سبب خلافا متواصلا إلى حدود اليوم بين والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري، وأحمد الحليمي الذي يوجد على رأس المندوبية السامية للتخطيط.. فقد كتبت الصحافة أن والي بنك المغرب عبر عن غضبه واستيائه من التصريحات التي أدلى بها في وقت سابق المندوب السامي للتخطيط أحمد الحليمي، والتي رفض فيها الأخير ربط ارتفاع معدل التضخم بتقلبات الأسعار على مستوى الأسواق الدولية، مؤكدا أن التضخم أصبح عاملا هيكليا في اقتصادنا وعلينا التعود على التعايش معه.. وقال والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، إنه لم يسبق له أن أدلى بتصريح ينتقد فيه الحليمي أو أي مؤسسة أخرى، معبرا عن استيائه عما صدر من مندوب التخطيط، وأضاف في لقاء صحفي عقده في أعقاب الاجتماع الفصلي الثاني للبنك المركزي، أنه يتعامل مع المندوبية السامية للتخطيط منذ توليه منصبه ببنك المغرب، مضيفا أن “كل واحد يحلل ويقول ما يريد، لكن هل هناك دراسات مستوفية وتصل لهذه النتائج التي يتحدث عنها الحليمي؟” موضحا: “نجلسو للأرض، أنا موجود.. تا واحد مكينزل عليه الوحي(..)، كاينين دراسات مستوفية تتقول بأن التضخم داخلي وليس مستوردا، وتوصل لهذه النتائج، وتتوصل لهذه الخاتمة، مرحبا: نحن منفتحين، ماشي غير المندوبية السامية للتخطيط” (مقتطف من عدة قصاصات).
يمكن للتقارير أن تكون متناقضة، لكن أن يبادر القائمون على المؤسسات العمومية للرد على بعضهم البعض، فهو يعني أن الخلاف قد يتحول إلى صراع مؤسسات، وهذه ليست هي الغاية من وجودها، إذ لا يعقل أن توضع على مؤسسات الرقابة مؤسسات أخرى لمراقبتها، ويكون هناك مراقب للمراقب !؟