مع الحدث

مع الحدث | المعارضة “تتملق” للعدوي في جلسة كشفت أعطاب الحكومة

شكلت جلسة مناقشة مجلس النواب للتقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات، الذي تترأسه الوالي زينب العدوي، مناسبة للفرق البرلمانية وخاصة المعارضة، لتوجيه انتقادات لسياسة الحكومة “الفاشلة” في تدبير العديد من القطاعات العمومية، ومعالجة المعضلات والمشاكل التي رصدها تقرير مجلس العدوي بخصوص المالية العمومية، والاستثمار، والتغطية الصحية، وغيرها من المجالات الأساسية، غير أن العديد من التدخلات صبت في خانة “مدح” الرئيسة العدوي(..).

الرباط. الأسبوع

    استغلت المعارضة جلسة يوم الثلاثاء الماضي بمجلس النواب، لتوجيه انتقادات للحكومة وأعضائها بسبب غياب الوزراء ونواب الأغلبية عن مناقشة تقرير المجلس الأعلى للحسابات، الذي يتعلق بعدة محاور أساسية مرتبطة بقطاعات حكومية: صندوق المقاصة، المالية العمومية، الاستثمار، القطاع الصحي، الاقتصاد، والتعليم، وغيرها من القطاعات المرتبطة بالشأن العام.

وقد أكد عبد الصمد حيكر، عضو المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، أن النظام الداخلي لمجلس النواب يقتضي مناقشة التقرير السنوي لمجلس الحسابات بحضور الحكومة، التي يمكن لها أن تدلي بالبيانات اللازمة، منتقدا غياب عدد من الوزراء المعنيين قائلا: “عدد الوزراء المعنيين بالحضور محدد، لم نر سوى وزيرين، وإذا كانت الحكومة متفقة مع نواب الأغلبية ولا تحتاج سماعهم، فعلى الأقل عليها أن تسمع للمعارضة وتدلي بالبيانات اللازمة”.

كما رفض البرلماني عن نفس الحزب، مصطفى الإبراهيمي، عدم احترام وزراء الحكومة لدور المؤسسة التشريعية، من خلال كثرة غيابهم وعدم حضورهم لمناقشة مضمون تقرير المجلس الأعلى للحسابات، عوض أن ينوب وزير في مداخلته عن قطاعات وزراء آخرين، فـ”ما نحتاجه هو النقاش، الحكومة لا تسمع ولا تتحاور ولا تناقش، فهل البرلمان تحول لمقر لقراءة الكلمات؟”، يتساءل الإبراهيمي.

ورغم أن الجلسة كانت لمناقشة تقرير المجلس الأعلى للحسابات وتقديم الفرق البرلمانية لعروضها وملاحظاتها حول ما رصده التقرير من اختلالات وتجاوزات في العديد من القطاعات الحكومية، والمؤسسات العمومية، والتي تتطلب حلولا ومقترحات من قبل البرلمانيين، سواء من الأغلبية أو المعارضة، إلا أن الظاهر أن غالبية النواب لا يهتمون بالانتقادات التي وجهها التقرير لهم ولأحزابهم بخصوص تدبير محطة الانتخابات التشريعية والجماعية، والخروقات التي شابت عملية صرف الدعم العمومي المخصص لتمويل حملاتهم، بالإضافة إلى تهرب بعضهم من التصريح بمصاريف الانتخابات، وفي هذا السياق، تطرق رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية، لظاهرة غياب النواب عن الجلسة العامة المتعلقة بمناقشة التقرير، معتبرا أن الغياب الكبير لعدد من النواب يمثل إهانة للمؤسسة التشريعية ولتقرير المجلس الأعلى للحسابات.

وخلال مداخلته، أكد الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية، على أهمية الأدوار المهمة التي يقوم بها بالمجلس على مستوى تتبع وتقييم السياسات والبرامج العمومية، ووقوفه على الاختلالات المرتبطة بتدبير المال العام والتي تعرفها عملية تنفيذ وتنزيل هذه السياسات، وذلك بهدف تخليق الحياة العامة ومحاربة كل أشكال وصور الفساد، مشددا على ضرورة تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، لكن من دون توجيه تفعيل هذا المبدأ ضد من لا يتجاوز حجم تدبيره 5 في المائة من ميزانية الدولة، في مقابل من يدبرون 95 في المائة منها، مضيفا: “نحن بهذا الموقف الواضح لا ندافع عن أي صورة من صور الفساد، بل ندعو إلى مواجهتها كلها بنفس الحزم، وإلى عدم استغلال الطموح الجماعي في محاربة جميع صور الفساد، والعمل على تبخيس الممارسة السياسية من خلال التركيز على بعض الشوائب التي تعتريها”.

وسجل حميد الدراق، عضو الفريق الاشتراكي، التجاوب المحدود لجل القطاعات العمومية مع ملاحظات وتوصيات المجلس الأعلى للحسابات، ذلك أنه غالبا ما يكون محكوما بمنطق التجاوب التقني المفروض واللازم وكأن الأمر لا يعدو أن يكون ممارسة وإجراء روتينيا فقط، غايته الرفع من نسب إنجاز التوصيات، تماما كما يكون تعاطيها دائما مع مواقف واقتراحات المعارضة، في حين أن الواجب هو السهر على تجويد النشاط العمومي انطلاقا من هذه الملاحظات، وهو ما يجب أن ينعكس بشكل مباشر على حجم ونسب الاختلالات المرصودة اضطرادا مع توالي تقارير المجلس، مؤكدا أن نتائج التقرير تتطلب الوقوف عندها بكل جدية، ليس فقط من أجل استخلاص الدروس من أجل الارتقاء بتدبير الشأن العام وتعزيز الشفافية والنزاهة، ولكن أيضا من أجل تفعيل المبدأ الدستوري المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة حفاظا على المال العام وصونا للمصلحة العامة.

وكشف فريق المعارضة الاتحادية عن الاختلالات والمشاكل التي يعرفها موضوع التجميع الفلاحي، وهو ما أكدته معطيات تقرير مجلس الحسابات، بفشل برامج التجميع الفلاحي، وفشل رهان تنمية حلقة أو حلقات من السلاسل الإنتاجية، سواء كانت إنتاجا أو توضيبا أو تلفيفا أو تخزينا أو تحويلا أو تسويق المنتوجات الخاصة بهذه السلاسل، وهو ما يتطلب بذل مجهود إضافي في ما يتعلق بالسهر على تنفيذ البرامج الموقوفة، وكذا بتقييم وتتبع مشاريع التجميع المحدثة.

وقد دعا أحمد العبادي، عضو فريق التقدم والاشتراكية، الحكومة، إلى الاجتهاد في تمويل ورش الحماية الاجتماعية عبر ضمان توفير 51 مليار درهم سنويا، والأخذ بالملاحظات التي نبه إليها المجلس والمتعلقة بإشكالية المستشفى العمومي والخدمات الصحية، والتي يتعين معالجتها بقرارات عملية إلى جانب إصدار التشريعات، وذلك بالموازاة مع تحيين التعريفات المرجعية للعلاجات، مشيرا إلى أن تقرير مجلس الحسابات كشف عن أرقام مقلقة بخصوص الموارد البشرية للصحة، وخاصة على مستوى التفاوتات المجالية في توزيعها، مما يتطلب من الحكومة البحث عن الحلول من أجل ضمان جاذبية المهن الصحية، وخلق شروط الإبقاء على الأطر في المنظومة الوطنية، تفاديا لنزيف هجرتها نحو الخارج، حسب قوله.

وتطرق العبادي للوضع الاقتصادي والاجتماعي الوطني الصعب، سواء بفعل عوامل خارجية أو داخلية، والذي لم تتفاعل معه الحكومة بما يلزم من إجراءات من شأنها تقوية الاقتصاد الوطني وحماية القدرة الشرائية للمواطنين التي تضررت كثيرا، مشيرا إلى أن أشكال الدعم التي تنهجها الحكومة ليس لها أثر اجتماعي واقتصادي على المواطنين، وينبغي عليها الاستثمار في حماية القدرة الشرائية، كما أنه لا تستقيم معالجة التضخم بإجراءات نقدية فقط، بل بمخطط اقتصادي واضح المعالم، وأكد على الدور الاستراتيجي للدولة، وللقطاع العمومي، إلى جانب قطاع خصوصي مكمل ومسؤول ومواطن، وذلك كله وفق قواعد الحكامة والنجاعة والمردودية، وتوقف عند التأخير في تنزيل السجل الاجتماعي الموحد على مجموع التراب الوطني، وخاصة في مجال التحديد الموثوق للفئات غير القادرة على تحمل واجبات الاشتراك، والعمل على تحيين المعطيات ذات الصلة بصفة منتظمة.

وتحدث العبادي عن معيقات الاستثمار، خصوصا غياب الالتقائية وتشتت النظام التحفيزي، علاوة على الصعوبات الإدارية بما يؤدي إلى انبثاق جيل جديد من المراكز الجهوية للاستثمار بممارسات ناجعة، ومن جهة أخرى، مسألة تضريب الشركات ومن دعوة صريحة إلى ضرورة مراجعة الضريبة على الدخل، وتحديد آجال للضريبة على القيمة المضافة، مؤكدا على أهمية مباشرة الحكومة لإصلاح جبائي قوامه ترشيد التحفيزات الجبائية ومحاربة الغش والتملص من أدائها، وإعمال مبدأ المساواة، ثم إصلاح الجباية المحلية.

من جانبه، قال الفريق الحركي بمجلس النواب: التقارير التي يصدرها المجلس الأعلى للحسابات عموما تشكل رافعة أساسية في مجال تقييم السياسات العمومية وتقييم التدبير العمومي، مؤكدا على أهمية تتبع تنفيذ التوصيات التي يصدرها المجلس من أجل تقييم مدى تفاعل الأجهزة المعنية مع هذه التوصيات.

وانتقد الفريق الحركي عجز الحكومة عن معالجة أنظمة التقاعد وتراجع الاحتياطات بالنسبة للنظام المدني لمعاشات التقاعد والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مضيفا أنه لا يرى أي أفق أو مبادرات إصلاحية لهذه الأنظمة التي تهدد المتقاعدين.

وأكد نفس المصدر، أن المطلوب هو القيام بإصلاح هيكلي جذري لهذه الأنظمة بشكل يراعي ظروف هذه الفئة، لاسيما في أفق توسيع الانخراط سنة 2025، لفائدة الأشخاص الذين يمارسون عملا ولا يستفيدون من أي معاش في إطار ورش الحماية الاجتماعية.

وتساءل الفريق الحركي عن أثر الدعم المالي الذي تخصصه الحكومة لفائدة مستوردي الأضاحي ولأرباب النقل والسياحة في ظل غياب الاستفادة من قبل المواطن، مشيرا إلى أن “تراجع أسعار غاز البوطان والقمح اللين والمواد الأولية على الصعيد الدولي وفرت هوامش إيجابية، كما أن المداخيل الضريبية حققت بدورها مداخيل مهمة، ومع ذلك، فإن سؤال الأثر على المواطنين يظل مطروحا، وبالتالي، لا يمكن الاطمئنان لكذا إجراءات إذا لم تضع حدا للمد التضخمي الجارف على المواطنين”.

بدوره، تناول إبراهيم حنين، عضو المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، إشكالية أنظمة التقاعد التي جاء بها تقرير المجلس الأعلى للحسابات، والتي مازالت تعاني من اختلالات متفاقمة وتراجع في احتياطاتها، داعيا إلى الإسراع بحزم في مواصلة ورش الإصلاح الهيكلي لأنظمتها، علما أن المغرب سبق وأن طبق عدة حلول لهذا الإصلاح، منها رفع سن التقاعد، وتوسيع قاعدة المساهمين، خصوصا مع الحكومتين السابقتين، اللتين قامتا بالإصلاحات المقياسية التي همت النظامين سنوات 2016 و2021، وهو ما ساهم في تأخير العجز لسنوات، وأشار إلى وجود معيقات وإشكالات تواجه تنزيل ورش الحماية الاجتماعية، كالتغطية الصحية، والحماية الاجتماعية للمهن الحرة، وغياب اعتماد المقاربة التشاركية من طرف الحكومة في تنزيل هذا الورش، إضافة إلى التأخر في تنزيل السجل الاجتماعي الموحد، باعتباره البوصلة الحقيقية لإحصاء دقيق للفئات الهشة والمعوزة، ثم التفاوت في الجدولة الزمنية بين تنزيل نظام الاستهداف وبرامج الحماية الاجتماعية، بالإضافة إلى مشكلة التمويل، حيث أن البرنامج يحتاج إلى مبلغ 51 مليار درهم سنويا، موزعة بين 28 مليارا يؤديها المساهمون، و23 مليار درهم تتكفل بها الدولة.

النشرة الإخبارية

اشترك الآن للتوصل كل مساء بأهم مقالات اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى