كواليس الأخبار

تحت الأضواء | هل ما زالت الدولة خارج المجتمع ؟

واحد من كتاب دستور 2011 يقول: ابتعدوا عن "المخزن" وارتاحوا

الرباط. الأسبوع

    قال محمد الطوزي، أستاذ العلوم السياسية والاجتماعية، أن التأمل في قضية الدولة الاجتماعية يحيل إلى قراءة علاقة الدولة مع المجتمع في إطار علم الاجتماع التاريخي، حيث أن الدولة في التاريخ المغربي غالبا ما كانت قادمة من خارج المجتمع، كأن تأتي عن طريق دعوات إسلامية، وهو ما جعل مسؤولياتها الاجتماعية غير حاضرة.

واعتبر الطوزي، الذي يعد واحدا من كتاب دستور 2011 ضمن اللجنة الملكية التي تكلفت بذلك(..)، خلال مشاركته في ندوة حول موضوع: أفق إرساء الدولة الاجتماعية.. المتطلبات والإكراهات”، والمنظمة مؤخرا على هامش المعرض الدولي للكتاب، (اعتبر) أن علاقة الدولة بالمجتمع في المخيال المغربي حتى اليوم هي علاقة نفور، فالدولة في التاريخ المغربي غالبا ما كانت خارج المجتمع، إما عن طريق مشروع دعوي، أو عن طريق استدراج الأقليات للحكم، ثم إن طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم ينظر إليها من معيار الفلسفة الدينية الإسلامية، إذ أن مسؤوليات “الحاكم تأتي في إطار الاستخلاف، والإطار الرعوي، حيث يوفر الراعي للرعية الأكل والشرب والحماية من الذئاب، ولكن يمكن أن يذبحها ويأكلها”، بحيث لا زال الاعتقاد سائدا بأنه كلما ابتعدت عن الدولة المحصورة في مفهوم “المخزن”.. كلما ارتحت.

تتمة المقال تحت الإعلان

وقال الطوزي: “قد ما بعدتي عن الدولة، وقد ما بعدتي على المخزن قد ما ترتاح، فعندما تترك المغرب وتذهب إلى فرنسا تجد الثقافة السياسية مغايرة، وعندما يكون لديك مشكل في المغرب فإنك تحاول حله بنفسك، لكن في فرنسا تلجأ للدولة ليس من باب الإيجابي أو السلبي، وإنما على مستوى المرجعيات، فهذه الثقافة السياسية التي تحكم علاقة الحاكم بالمحكوم داخل المغرب لا تنفي أن الدولة من قديم، منذ بدايتها في المغرب بمواصفات الدولة في القرن 16 و17، كانت تحس أن عليها مسؤوليات تجاه الناس، ولكن هذه المسؤوليات محكومة في إطار الرعاية، وليس في إطار حقوقي”.

وأوضح أن المغرب بعد الاستقلال عرف توجهات للدولة الحامية ولكن دون بعد مفاهيمي فلسفي، وتوالت الأحداث التي فرضت على الدولة تحمل مسؤوليات تجاه المجتمع، لكن على المستوى المؤسساتي والقانون، فإن التحول هو دستور 2011، الذي جاء بمسألتين مهمتين لتغيير تصورنا لعلاقة الدولة بالمجتمع والمواطن، وهو الجانب الحقوقي، الذي ورغم حضوره في دساتير سابقة، إلا أنه أخذ مكانة جد مهمة خاصة في ما يتعلق بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى الحكامة والخدمات العمومية ومسؤوليات الدولة في هذه الخدمات، مبرزا أن المغرب بعد الاستقلال عرف توجهات نحو الدولة الحامية، ولكن بدون بعد مفاهيمي ولا اقتناء مفاهيمي فلسفي من فلسفات أخرى، بحيث أن التحول الذي وقع على مستوى المجتمع وعلى المستوى المؤسساتي والقانوني، هو دستور 2011، حيث حصل تغيير في تصورنا الفلسفي والنظري لعلاقة الدولة بالمجتمع وبالمواطن، وبرز الجانب الحقوقي ليأخذ مكانة جد مهمة، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك الحكامة والخدمات العمومية، ثم مسؤولية الدولة للقيام بهذه الخدمات.

وتحدث الطوزي عن شرعية الدولة انطلاقا من الدستور، من خلال العلاقة بين السيادة الوطنية ومسؤولية الدولة، التي لم تعد في إطار الرعاية، بل في إطار دولة تستمد سيادتها من الشعب والانتخابات، وهو ما يقدم مفهوما جديدا للمسؤولية (ليس جديدا، ولكنه لم يكن واضحا بشكل كاف) قائلا: “الجانب الكبير من شرعية الدولة يستمد بطريقة واضحة من السيادة الوطنية، وهذه العلاقة بين مسؤولية الدولة والسيادة الوطنية تتغير، لذلك، لم نعد في إطار الرعاية أو الاستخلاف، ولكن في إطار دولة تستمد شرعيتها من الشعب وحسب الدستور، يتكلم عنها بوضوح كبناء جديد لمفهوم المسؤولية مرتبطة بالانتخاب ومرتبطة بالبرنامج السياسي وعدة مسائل، وهذا الشيء جديد لم يكن فيه الوضوح الكافي، هناك إكراهات في اتخاذ القرارات لجعل هذه العلاقة محورية وعلاقة الدولة بالمجتمع، وهناك إطار تعمل فيه الدولة وكلنا نشتغل فيه، هو طغيان نيوليبرالي لدور الدولة، وأظن أن المسألة الأساسية هي مفهوم الإطار ومفهوم النجاح أو الإخفاق. هي إذن، مسؤولية فردية وليست مسؤولية نسق أو مجتمع”، وأشار إلى أن “النموذج التنموي الذي جاء في سياق إخفاق نسبي للسياسة العمومية ومرحلة كوفيد، جعل المواطن في صلب سياسات الدولة، الدولة الحاضنة، كما أكد على قضية الثقة كمسألة مؤسسة لعلاقة الفرد بالدولة، فغياب الثقة بين الدولة والمجتمع له نتائج وخيمة على التدبير العمومي”.

تتمة المقال تحت الإعلان

وخلص الطوزي إلى التنبيه إلى أن الدولة الحامية بمفهومها الجديد جد مهمة، لكنها بانتظارات قوية وإمكانيات ضعيفة، لذلك ينبغي أن يكون هناك نقاش عومي كبير وصريح بعيدا عن الشعبوية ليكون منتجا.

عبد الله ساعف

بدوره، ربط عبد الله ساعف، أستاذ العلوم السياسية والوزير السابق، بين مفهوم الدولة الاجتماعية بالكرامة الإنسانية وبالعدالة الاجتماعية، حيث قدم شرحا مفصلا لمفهوم الدولة الاجتماعية في القاموس المغربي في عدة نقط محددة، في مقدمتها التعليم والسكن والصحة والشغل، ثم معنى آخر مرتبطا بالمؤسسات الحكومية، فالاجتماعي يبرز في قانون المالية من خلال أظرفة وميزانيات مخصصة لمعالجة القضايا الاجتماعية المختلفة، والمعنى الثالث مرتبط بالنقابات، حيث الاجتماعي يدور حول ملف مطلبي بمطالب مادية ومعنوية، مبرزا أن موضوع العدالة الاجتماعية بالمغرب يغلب عليه توجهان: الأول مبني على إعادة التوزيع، من زيادة في الأجور أو خفضها، والسياسة الضريبية، وتعزيز بعض القطاعات، والثاني مبني على التعويض، ارتباطا بضرر ما، مثل الزلازل والفيضانات والجفاف.

وحسب ساعف، فإن الدولة تطرقت للمسألة الاجتماعية وكانت مسألة مركزية في تدابيرها، إضافة إلى ما جاء على إثره من تغطية صحية وغيرها، هذه المعاني المتعددة تجعل الاشتغال على الدولة الاجتماعية يصطدم بالقاموس المركب والمعقد لهذا المفهوم، لكن قضية الدولة الاجتماعية اكتست أهمية كبرى منذ حوالي خمس سنوات، وأصبحت مسألة مركزية في الانشغالات المغربية، خصوصا وأن هناك التقاء مع ما حدث من تحولات سياسية في العشرية الأخيرة، منذ سنة 2011 إلى اليوم، والمكانة التي أخذتها، إشكالية الكرامة الإنسانية التي جعلتنا نكتشف إشكاليات جديدة لم نكن نضعها في المركز، وفجأة أصبحت في الشعارات والبرامج والخطاب السياسي، وبات البحث عن الكرامة الإنسانية موجها رئيسيا في السياسات، وأضاف أن “المعنى الذي يمكن أن يعطى للدولة الاجتماعية في ثقافتنا وفي الممارسات التي حولنا، من خلال توجهين اثنين: توجه مبني على إعادة التوزيع، سواء الزيادة في الأجور أو العكس، السياسة الضريبية، المنح عبر تعزيز قطاع خلافا لقطاع آخر، حيث يبدو أن محور الممارسة الاجتماعية أساسي، وهناك مثال عرفناه في العدالة الانتقالية، والنمط الآخر متمثل في التعويض عن الضرر في بعض الحوادث، مثل الزلازل والفيضانات أو الأوبئة.. ويقع هذا التوجه لتعويض ما كان ممكنا تسلمه من حقوق”.

تتمة المقال تحت الإعلان

وأكد عبد الله ساعف، أن الجانب المرتبط بالعدالة الاجتماعية المبني لحدود اليوم على التوزيع والتعويض، يجب تقويته بأبعاد أخرى، من قبيل تقليص الفوارق وإدخاله بشكل أقوى في السياسات العمومية.

ويجري الحديث بقوة عن الدولة الحامية أو دور الدولة في القطاع الاجتماعي، بمعنى الدولة الاجتماعية، أولا نتيجة جائحة “كوفيد 19″، وما خلفته من جمود في النشاط الاقتصادي للبلاد، وكانت انعكاساته كارثية على الفئات الاجتماعية الهشة، وثانيا، بسبب ارتفاع الفقر خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي جعل المواطن يدق باب الدولة.

الحبيب بلكوش

من جانبه، اعتبر الحبيب بلكوش، رئيس مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية، أن موضوع الدولة الاجتماعية ظهر مع ظهور الأزمة على مستوى سياسات الدولة التي ترجمت من خلال الحركات الاحتجاجية، وكذا من الخصاص في عدة قطاعات اجتماعية، والتي تؤكد ما طرحته أزمة “كوفيد” من تحديات أبرزت هشاشة الحماية الاجتماعية داخل البلد، ومخاطر هشاشة قطاعات لم تكن تحظى بالاهتمام، والتي لها ارتباط كبير بالدولة الاجتماعية، خاصة قطاعي الصحة والتعليم، حيث طرحت عدة إشكالات في ظل الأزمة ومدى متطلبات مواجهتها، ثم الإقرار بفشل النموذج التنموي وطرح التفكير في نموذج جديد.

تتمة المقال تحت الإعلان

وشدد بلكوش على ضرورة تحصين الدولة الاجتماعية بمراعاة تقوية الطبقة المتوسطة كحاملة لهذا المشروع، وموسعة لقاعدة التنشيط الاقتصادي، والحامية لمشروع الدولة الاجتماعية، قائلا: “في اعتقادي تحصين مشروع الدولة الاجتماعية لا بد أن يراعي – كما في دول تعمل بهذا النظام تتطلب تقوية طبقة متوسطة كحاملة لهذا المشروع – توسيع قاعدة التنشيط الاقتصادي المطلوب والفئة الحامية لمشروع الدولة الاجتماعية”، وأوضح أن مشروع الدولة الاجتماعية يستدعي تحصين البناء الديمقراطي داخل البلاد، لأن بناء السياسات واعتماد الخطط، يستوجب نخبا سياسية قادرة على الدفاع عن هذا المشروع وحاملة له ومبلورة للاستشرافات الممكنة أمام تحديات العولمة التي لا يمكن للبلاد أن تظل خارجها، وبأن تكريس الاختيار الديمقراطي لا يسمح بانتخاب نخب أخرى للتدبير العام والرؤى الاستراتيجية، نظرا لخاصية العقلية المغربية، ولكون هذا المسار جاء في إطار صراع مرير لعقود وأدت البلاد ضرائب فظيعة في بقائه في هذه الوضعية.

وأكد الحبيب بلكوش، أن النخب السياسية مدعوة إلى الانخراط في هذا المشروع بروحها وليس باستهلاك ما يقدم لها، لأن تكرار ما تم خلال النموذج السابق يؤكد أننا لن نخطو خطوات كبيرة إلى الأمام، مع ضرورة أن تكون النخب متمكنة من الأفق المنشود ومنتجة للأفكار والبرامج الاقتراحات العملية، ليجد المشروع ترجمته على أرض الواقع، داعيا إلى إعادة الثقة للمواطن، لكون العديد من الدراسات الصادرة عن مؤسسات الدولة تؤكد أن المغاربة لا يثقون في مؤسساتهم، معتبرا هذا أن التوجه غير سليم، لأن عدم انخراط المواطن في دينامية الإصلاح سيبقي المشروع معطوبا.

وخلص بلكوش إلى أن أي توجه نحو الدولة الاجتماعية يتطلب إرادة سياسية صريحة، تجد ترجمتها في السياسات العمومية للحكومات، وأن تكون قاعدة التعامل مع الموضوع هي قاعدة ربط المسؤولية بالمحاسبة، لتصحيح الاختلالات التي قد يعرفها هذا النموذج.

تتمة المقال تحت الإعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى