متابعات | عودة مناورات “الأسد الإفريقي” تقلق خصوم المغرب

عادت مناورات “الأسد الإفريقي” التي تنظم بين القوات المسلحة الملكية ونظيرتها الأمريكية، لتلفت أنظار وسائل الإعلام الدولية والعربية في دورتها 19، ولتؤكد متانة العلاقات والشراكة المغربية الأمريكية في مختلف المجالات، وخصوصا على الصعيد العسكري والأمني، ضمن مخطط استراتيجي للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب ومواجهة التحديات التي تواجهها المنطقة، خاصة على مستوى الساحل والصحراء.
إعداد: خالد الغازي
لقد أكدت دورات تمرين “الأسد الافريقي” على مدى سنوات، الثقة الكبيرة التي يحظى بها المغرب لدى الولايات المتحدة الأمريكية، على صعيد جميع المجالات الأمنية والشراكة الاستراتيجية التي تجمع البلدين منذ سنوات طويلة، والتي جعلت وزارة الدفاع الأمريكية تزود المملكة بالعديد من الأسلحة المتطورة في المجال العسكري، بالإضافة إلى تدريب جنود القوات المسلحة الملكية على العمليات الحربية من خلال التمارين على مختلف الأجهزة والطائرات المتطورة.
وتعد هذه المناورات العسكرية أهم تمرين عسكري بين المغرب وأمريكا، يعكس التعاون الكبير بينهما في المجال العسكري والدفاعي، خاصة منذ توقيع البلدين في أكتوبر 2020 على خارطة طريق تتعلق بمجال الدفاع العسكري، ولاسيما تحسين درجة الاستعداد العسكري وتعزيز الكفاءات وتطوير قابلية التشغيل البيني للقوات على امتداد السنوات العشر المقبلة، وكذلك مواجهة التحديات الطارئة في القارة الإفريقية، خصوصا في منطقة الساحل.

في هذا السياق، يرى محمد شقير، الخبير في الشؤون العسكرية والأمنية، أن التعاون العسكري بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية يدخل في إطار استراتيجية أمريكية في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، فالمغرب بحكم موقعه الجيو-استراتيجي، وبحكم قوته العسكرية في المنطقة باعتباره من بين الفرقاء الأساسيين لتنفيذ الاستراتيجية الأمريكية في منطقة شمال إفريقيا، خاصة وأن المنطقة توجد بمحاذاة أوروبا التي تعتبر ضمن الأولويات العسكرية الأمريكية، وفي نفس الوقت، بجوار الدول الساحل التي تعتبر البؤر الرئيسية للتنظيمات الإرهابية المتطرفة، وبالتالي، المغرب يشكل أحد مكونات الاستراتيجية الأمريكية، بدليل أن الولايات المتحدة عقدت شراكات عسكرية مع المملكة تمتد من 2020 إلى 2030.
وأضاف نفس المتحدث، أن هذا التعاون العسكري يظهر أن المغرب يعتبر فاعلا أساسيا ضمن هذه الاستراتيجية، بالإضافة إلى ذلك يشكل الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء المغربية، يدخل في هذا الإطار، زد على ذلك تنظيم مناورات “الأسد الإفريقي” برئاسة الولايات المتحدة في مناطق مغربية، نظرا لأن المغرب يتوفر على كل المقومات التي تسهل هاته المناورات والتي تعتبر فرصة للتدريب والتنسيق بين مختلف مكونات الجيوش التي تدخل ضمن حلفاء الولايات المتحدة، حيث أن أكثر من 20 دولة تشارك في هذه المناورات سواء كانت أوروبية أو إفريقية، مؤكدا أن التعاون العسكري الأمريكي يدخل ضمن استراتيجية بعيدة المدى، الشيء الذي يكرسه أن المغرب يعتبر من بين الدول القليلة التي تتوفر على تكنولوجيا عسكرية أمريكية متقدمة، بما فيها طائرات “إف 16″، و”الدرونات”، وصواريخ “هيماتس”، وهذه كلها عوامل تعكس أن الولايات المتحدة تعتبر المغرب دولة ضرورية في استراتيجيتها العسكرية، سواء في محاربة الإرهاب أو في التواجد المكثف ضمن المنطقة الإفريقية التي تعتبر مجال تنافس ما بين الولايات المتحدة وبعض القوى العظمى كالصين وروسيا.
وأوضح نفس المصدر، أن من أسباب التقارب الأمريكي المغربي، هي إيران، التي تعتبر من الخصوم الرئيسيين للولايات المتحدة، لأن التمدد الإيراني في منطقة شمال إفريقيا، وخاصة تحالف إيران والجزائر، دفع الولايات المتحدة من خلال اعتمادها على المغرب وإسرائيل بطبيعة الحال، إلى مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة على أساس أن إيران تعتبر قوة إقليمية تناوئ المصالح الأمريكية في المنطقة، وبالتالي، هذا العامل يعتبر عاملا أساسيا يدخل ضمن التعاون العسكري المغربي الأمريكي، لأن إيران تحاول أن تتمدد في شمال إفريقيا وعلى مستوى منطقة الساحل، وهذا يمس المصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، سواء الإفريقية أو العربية، مبرزا أن تراجع النفوذ الفرنسي في بعض مناطق القارة السمراء، مثل مالي وغيرها، أعطى الفرصة للتواجد الروسي في هذه المنطقة من خلال قوة “فاغنر” وغيرها، ما يجعل الولايات المتحدة تحاول استشعار هذا التهديد واحتوائه من خلال التعاون مع حلفائها، خاصة بعد تخلي فرنسا عن العديد من المناطق التي كانت تتواجد فيها، مما يشكل عاملا للتواجد الأمريكي والتحالف مع بعض القوى الإقليمية وعلى رأسها المغرب.

من جانبه، أكد إدريس الكريني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض، أن دورة “الأسد الإفريقي” 2023، تعد امتدادا للشراكة الأمنية للمغرب مع الولايات المتحدة، وهي تعزز من حضور العلاقات المغربية الأمريكية في مختلف المجالات، خصوصا وأن العلاقات بين الجانبين شهدت تطورات مهمة جدا خلال العقدين الأخيرين، لذلك، فهي تأتي في سياق تجسيد رغبة البلدين في إرساء تعاون عسكري منفتح على المستقبل، كما أن هذه التداريب تدعم مكانة المغرب في محيطيه الإقليمي والدولي، خصوصا وأنها تبرز الثقة التي بات يحظى بها المغرب على مستوى تعزيز السلم والأمن الدوليين، وكذا الانخراط الفعلي في ترتيبات التعاون الإقليمي والدولي، لمواجهة مختلف المخاطر العابرة للحدود، وأخذا بعين الاعتبار للموقع الاستراتيجي للمغرب وقربه من عدد من بؤر التوتر كما هو الشأن بالنسبة لمنطقة الساحل الإفريقي.
وقال الكريني: “لا يمكننا أن نعتبر أن الأمر ينم عن ردة فعل إزاء ما تسعى من خلاله الجزائر إلى العودة بالمنطقة إلى ظروف الحرب الباردة، التي كانت كلفتها على العالم كبيرة على عدة مستويات، على اعتبار هذه المناورات التي يستضيفها المغرب، انطلقت منذ عدة سنوات حتى عندما كانت العلاقات المغربية الجزائرية مفتوحة وغير منقطعة بين البلدين، لذلك لا يمكن اعتبار الأمر بأنه رد على الجزائر، بل العكس، الجزائر هي التي تريد أن تتصرف بمنطق رد الفعل، ولكن في اتجاهات تصعيدية تنم عن الرغبة في إعادة ظروف الحرب الباردة من جديد للمنطقة، رغم أن المنطقة ليست في حاجة إلى هذا الهروب الجزائري”.
واعتبر نفس المتحدث، أن سياق التعاون المغربي الأمريكي ليس جديدا ولا يعكس الرغبة في استهداف طرف من الأطراف، بل إنه يأتي في إطار تبادل الخبرات وفي إطار ترتيبات مرتبطة بدعم الشراكة الأمنية بين المغرب والولايات المتحدة، ويعكس كذلك انخراط المملكة في تعزيز السلم والأمن الدولي، وانخراطها في ترتيبات التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة مختلف المخاطر العابرة للحدود.
تعرف مناورات “الأسد الإفريقي” خلال هذه السنة، مشاركة نحو 6 آلاف جندي من 20 بلدا من القارة وخارجها، و27 بلدا ملاحظا، وتنظم في ظل التطورات الدولية، وخاصة ما تعرفه منطقة الساحل والصحراء جراء استمرار التهديدات الإرهابية والحركات المسلحة، إلى جانب استمرار التوتر السياسي بين المغرب والجزائر، وستشمل هذه التمرينات العسكرية العديد من الجهات، من أهمها منطقة المحبس التي توجد في الأقاليم الجنوبية عند الحدود مع الجزائر، وذلك بعد نحو 12 يوما من تنظيم الجيش الجزائري مناورات بالمنطقة العسكرية الثالثة والقطاع العملياتي الجنوبي، المعروفين بوجودهما ببشار وتندوف، المتاخمتين للحدود الشرقية للمغرب، في إشارة واضحة إلى استمرار التوتر بين البلدين الجارين، إذ اتخذ خلال السنتين الأخيرتين صبغة التنافس على إجراء المناورات والتدريبات العسكرية في المناطق الحدودية.
وأكد بلاغ القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية، أن المناورات العسكرية مع القوات الأمريكية، سوف تستمر إلى غاية 16 يونيو الجاري في سبع مناطق بالمغرب، وهي أكادير وطانطان والمحبس وتزنيت والقنيطرة وبن جرير وتفنيت، وتعتبر موعدا سنويا يساهم في توطيد التعاون العسكري المغربي الأمريكي، وتقوية التبادل بين القوات المسلحة لمختلف البلدان من أجل تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، ويتضمن برنامج هذه السنة، حسب نفس البلاغ، “تدريبات تكتيكية برية وبحرية وجوية مشتركة، ليلا ونهارا، وتمرينا مشتركا للقوات الخاصة، والعمليات المحمولة جوا، وإقامة مستشفى عسكري ميداني لتقديم خدمات جراحية طبية لفائدة السكان، بالإضافة إلى تمارين مكافحة أسلحة الدمار الشامل”.
وحسب قيادة “أفريكوم” الأمريكية، فإن مناورات “الأسد الإفريقي” 2023 توفر فرصة للقيام بتدريبات واقعية ودينامية وعمليات تعاون في بيئة قاسية، تتقاطع مع العديد من أوامر القتال الجغرافية والوظيفية، بما في ذلك تلك الصادرة عن قيادة “أفريكوم”، والقيادة الأمريكية الأوروبية، والقيادة المركزية الأمريكية، بالإضافة إلى النقاط البحرية الاستراتيجية وممرات الشحن العالمية، حيث تراهن قيادة الجيش الأمريكي، من وراء تنظيم هذه التدريبات في إفريقيا، على تعزيز الجاهزية المشتركة أثناء الأزمات والعمليات لتكريس الأمن والاستقرار في المنطقة، وتقوية أواصر التعاون لمواجهة التهديدات العابرة للحدود والمنظمات المتطرفة والعنيفة.
وأكد رئيس أركان القيادة الأمريكية في إفريقيا، الجنرال جويل تايلر، أن تمرين “الأسد الإفريقي” يعد ركيزة أساسية من ركائز استراتيجية تمرين “أفريكوم”، وأحد أعظم التدريبات الأمريكية في جميع أنحاء العالم، مضيفا أن هذه المناورات تشكل فرصة لإجراء اختبار جاهزية ديناميكي وتعاوني في بيئة قاسية تجمع بين العديد من الوحدات الجغرافية والوظيفية، إضافة إلى نقاط العبور البحرية الاستراتيجية وممرات الشحن العالمية.
وأضاف تايلر، أن مناورات الأسد الإفريقي” 2023 ستركز أساسا على تمارين رماية حية متعددة الذخائر والأسلحة، وتمارين بحرية وجوية، علاوة على تمرين الإنزال القسري المشترك مع المظليين في تدريب ميداني، وأيضا تمارين للاستجابة الكيمياوية والبيولوجية والإشعاعية والنووية.
ويتميز تمرين هذه السنة بإجراء تداريب متعددة بالذخيرة الحية، ومناورات برية وجوية مع جيش الولايات المتحدة الأمريكية، تستخدم فيه مجموعة من الأسلحة والآليات المتطورة، على غرار طائرات C-130J Super Hercules KC-و135 Stratotanker، وF-16 Fighting Falcon، كما تشمل مشاركة سلاح المظليين وتمارين الاستجابة للخطر الكيميائي والبيولوجي والإشعاعي والنووي، ومحاكاة 3 نماذج لبرامج المساعدة الإنسانية.
للتذكير، فقد انطلقت أول دورة من مناورات “الأسد الإفريقي” بين الولايات المتحدة والمغرب سنة 2004، واستمر تنظيمها منذ تلك الفترة، وتعد من أكبر العمليات متعددة الجنسيات ومتعددة المجالات وأكثرها تنوعا، بمشاركة دول إفريقية وأوروبية، وتشكل فرصة مهمة لتعزيز التعاون الدفاعي بين المغرب وأمريكا وبلدان أخرى، بينما تحرم الجزائر نفسها من المشاركة بسبب استمرارها في سياسة الاستفزاز والتشويش عند تنظيم المغرب لهذه المناورات ذات الأهداف الدفاعية.