الرباط | عندما كانت الدبلوماسية الشعبية في خدمة الدبلوماسية الوطنية

الرباط. الأسبوع
تقهقر واضح أصاب ما كانت تسمى بالدبلوماسية الشعبية، التي أنشئت كطوق استغاثة للدبلوماسية الوطنية، وفي بعض الأحيان، لتمهيد التقارب بين البلدان وتبليغ إشارات صامتة للإقدام على خطوات هي رسائل تنتظر أجوبة، فمنذ التسعينات، تخلت مجالس العاصمة السياسية عن هذا الدور الرائد، وركبت بدله ما تؤمن به في ذلك التاريخ حسب سياستها وبرامجها، بالتخلي عن تلك الدبلوماسية كأداة ذات قيمة مضافة بمقويات شعبية لتطعيم الدبلوماسية الوطنية، التي كثيرا ما لجأت إلى مجلس العاصمة آنذاك ليشيد لها قنطرة تعبر منها إلى غايتها.
وهذه القنطرة تحتاج إلى تصميم وأرضية ومواد البناء وكفاءة عالية لمهندسيها وسرعة فائقة في تنفيذها مثل سرعة بناء قناطر وأنفاق الرباط في المدة الأخيرة، وربما هذا الخصاص في المهندسين المحنكين هو الذي حال دون أي بناء لأي قنطرة، بل انزلاق إلى مجرد رحلات استجمامية وترضية ومحاباة لاستمالة أعضاء إلى “نبذ المعاكسة في الجلسات”، والدليل على ذلك، السجل الفارغ من أي إنجاز دبلوماسي شعبي للمجالس المتعاقبة بالرغم من الميزانيات التي تصرف على الوفود الزائرة والمسافرة والمؤتمرات الإقليمية التي يحضرها منتخبون ويعودون منها محملين بما تيسر من “الشوبينغ”، وبفيديوهات لأعمالها وصور تذكارية، لتنطلق بعد العودة معركة الحصول على تعويضات الرحلات، ورفع تقرير مفصل ليس على ركوب وهبوط من الطائرة وحضور المأدبات، وهذا هو السائد اليوم، ولكن على كواليس وخبايا واتصالات الوفود ببعضها البعض، وما وراء البيان الختامي، فأي مؤتمر إقليمي تنتهي أشغاله العلنية بافتتاحه، لأن أعماله وقراراته تحدد بعيدا عن الجلسة الرسمية ولا يحظى بها إلا الدبلوماسيون الشعبيون النافذون في عمق الدائرة الخاصة لتلك الدبلوماسية.. فهل منتخبونا اقتحموها؟ لا نعتقد ذلك، وبذلك لن يلووا على أي شيء، ويؤسفنا ذلك، ويؤلمنا هذا التقهقر والاكتفاء عند كل رحلة مريحة لبعض نوابنا، بإخبارنا بكرم الضيافة والاستقبال الرائع، الذي لا يهمنا بقدر ما يشغلنا بماذا أرخت عاصمة السياسة والثقافة حضورها ومشاركتها، ثم الأثر الذي أثارت به الانتباه إلى تواجدها. فالذي في علمنا هو “الصمت” على إثارة موضوع تقارير المكلفين بمهمات إلى خارج المملكة، تقارير إجبارية يرفعونها إلى الجهات المعنية، ومع الأسف، لا تناقش في جلسات الدورات ولا تحاط بها علما، وأكثر من هذا، غياب استراتيجية مدروسة تستمد روحها من الدبلوماسية الوطنية لاستباقها إلى تعبيد العلاقات بأسس شعبية أو لمباركتها وتعزيزها بالمواقف أو الإشارات من الرأي العام المحلي، صانع الحكومات والمجالس النيابية، والمؤثر الفعال في سياسات بلده.. فهل لمجالسنا هذه الاستراتيجية؟ ثم ما هذا التواري والتراجع إلى الخلف والاكتفاء بالتبعية والانخراط في مبادرات العواصم الأخرى الجادة في إسماع صوتها والتعريف بأوطانها، بخلق منظمات وتأسيس مؤسسات إقليمية وحيازة مقراتها الرئيسية لتكون محجا دائما لوفود ممثلي الشعوب هنا في العاصمة، وكما نعلم، تتحمل بعض مجالسنا نفقات أكرية عمارات وأجور مستخدميها ومصاريف التسيير والتجهيز وصيانة مرافقها، وعلى ماذا؟ على إحداث مناصب لبعض المحظوظين وتوفير امتيازات للذين لم ينالوا قسطهم من “كعكة” المجالس(..).