الرباط يا حسرة

حديث العاصمة | القضاء لردع المنتخبين المتخاذلين

بقلم: بوشعيب الإدريسي

 

    بدأت بوادر النضج السياسي للرباطيين تشع بأنوارها الساطعة في سماء عاصمة السياسة، بعدما تخطوا مرحلة انتقاد منتخبيهم، بالاحتجاج على ممارساتهم اللامسؤولة وضعف حضورهم الباهت في اجتماعات المجالس وبروزهم في لقطات مصورة غير مشرفة لهم وكأنهم في حلبة للمصارعة، مما دفع المواطنين الذين سئموا من الوعود إبان الحملات الانتخابية، إلى استعمال حقهم الدستوري باللجوء إلى القضاء كلما دعت الضرورة إلى ذلك، إذا ما نسي المتصرفون باسمهم النائبون عنهم الالتزامات الانتخابية التي تعاقدوا بها مع ناخبيهم، وقد سبقتهم إلى العدالة السلطة المحلية في الفصل بينها وبين المنتخبين عند أي تجاوز للقانون لم تنفع معه تنبيهاتها، فترفع بهم دعوى قضائية إلى المحكمة المختصة لتفصل بينهما، وهذا الامتياز الدستوري ممنوح أيضا للمواطنين المحكومين من مجالسهم الحاكمة، والممثلة والمدبرة لشؤونهم والحاضنة على ضرائبهم وممتلكاتهم.

ففي جماعة كبيرة قريبة منا، قرر مجلسها تحويل ممر تستعمله الساكنة المجاورة في تنقلاتها اليومية إلى مشروع عقاري، فقررت الساكنة من جهتها الاحتكام إلى القضاء للنظر ثم الحكم في الدعوى المعروضة عليها.

وفي الرباط، وعلى إثر أحداث سجلتها دورة ماي الماضية، تقدم منتخب بمقال إلى المحكمة يوجه فيه اتهاما إلى مقتحم لحرمة المجلس واستعمال أدواته لمواجهته بما أثبته بواسطة شريط سجل الواقعة التي لا يمكن الخوض في أسبابها ومسبباتها مادامت مطروحة على أنظار المحكمة.

وهذا هو الصواب.. أن يفعَّل ما تضمنه المقتضيات الدستورية لضمان حقوق الناس من حكامهم بالأحكام القضائية التي اقتصرت منذ عقود على حوادث تقنية عن إهمال صيانة أو وقوع خلل في تجهيزات جماعية حتى صارت هذه الحوادث روتينية تفرض نفسها في جميع الوثائق المالية وباعتمادات خيالية، وهذا ما أثرناه في تقارير سابقة حركت المراقبين ليأمروا بفتح تحقيق أسفر عن فرملة تلك الاعتمادات وربما اكتشفوا ما لم يعلن عنه بعد.

ومع انطلاق مسلسل رفع التظلمات من المجالس إلى القضاء من طرف المواطنين، تكون مرحلة جديدة من الديمقراطية قد دخلت على خط الناخبين والمنتخبين بعدما كانت محصورة بين السلطات والمجالس، ولن تتوقف عند استغلال النفوذ، ولكن نتوقع مع وعي الرباطيين بحقوقهم، بأنها ليست على بياض، ولكنها مشروطة بشروط قد يجتهد في تحديدها القضاء إذا ما التجأ إليه المتقاضون للإنصاف، وهذه قمة السمو بالمواطنة في عاصمة الإشعاع الثقافي والسياسي بتقويم اعوجاجات وخيانة واستغلال ثقة الرباطيين في ما أصبح واقعا مفروضا ومرفوضا وغير مقبول في ممارسة الوكالة على المواطنين للاغتناء بها واستغلالها في ما لا علاقة لها بالموكلين الذين يفاجئون بما لا يخطر على بال، وهنا يكون تنزيل التقويم باللجوء إلى العدالة، وعندما يصل الأمر إلى هذا المستوى، فإن القطيعة أخذت طريقها للانفصال بين الوكيل والموكل، والثقة عادت إلى مهدها لحمايتها بالقضاء.

النشرة الإخبارية

اشترك الآن للتوصل كل مساء بأهم مقالات اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى