في القاعة نفسها “قاعة الجلسات بمحكمة الاستئناف بمراكش” والتي تتميز بعبقرية المكان كما قال أحد الزملاء، وبشساعة القضاء الذي احتوى كل الوفود القادمة من أماكن متفرقة꞉ وفود تحمل كلها الهم الحقوقي والقانوني في بلد مازال يخطو بتوئدة من أجل تكريس دولة الحق، في نفس القاعة التي شهدت قبل أشهر قلائل تنصيب الوكيل العام الأستاذ أنيس، الذي انتقل إلى مدينة أكادير بشكل مفاجئ وترك علامات استفهام عالقة، في انتظار النبش عن الأجوبة الكافية والشافية، وفي ذلك الفضاء انتبه الحاضرون الكرام إلى الطريق المفتوحة التي قطعوا من أجلها المسالك والمسافات في ما يشبه فرحة الأطفال، انتبهوا إلى أن هناك ما يجمعهم دون أن يكون ما يفرق سوى خروج قلة قليلة عن الجماعة، وتظاهرها غير السليم بالرغبة في التطهير ومحاربة الفساد، وإعلانها الانتصار والميل للمساند والمؤيد والتابع، في تلك الأجواء وبعد انتشار الأنوار دخل الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الأستاذ وفيدي تشمله رعاية النزاهة والصدق، بجانبه قاضيتان وقضاة ذكور، وهي إشارة قوية إلى الحرص على تفعيل بنود الدستور خاصة ما يتعلق بالمساواة والمناصفة، وفي منصة النيابة العامة كان هناك الأستاذ التيزاري الذي ناب عن رئيسه في المناسبة، والتي ليست سوى تنصيب الوكيل العام الجديد الأستاذ أبو زيد الذي اشتغل من قبل في أكادير بنفس الصفة، قبل أن يلتحق بها الأستاذ أنيس الذي غادر مراكش وقبل أن يتملى الموظفون بطلعته، ويتعرفون على مؤسسة كبيرة جدا وبأعباء ثقيلة كان لحضور الأستاذ مصطفى فارس الرئيس الأول لمحكمة النقض نكهة خاصة، وطعم بحلاوة، استشعرهما الذين يقدرون الرجل ويعرفون قيمته المهنية وثقله الثقافي والبروتوكولي ويدركون البعد الحقيقي من حضوره شخصيا، ألا وهو الإصرار كما قال أحد الحقوقيين على ضرورة استقلال القضاء في اتخاذ القرارات، وإعداد المناسبات والتكفل بالتأديبات وعلى تكريس مبدإ فصل السلط الذي يحفظ بياض السلطة القضائية من سواد التبعية، ومن اختراق السلطات الأخرى التي تعيق العمل بحرية واقتناع، ولذلك قرأ البعض في الحضور خطوة هامة لإزالة آخر شوكة في خصر جهاز أضحى يأمل بكل قوة في الانفلات من قبضة الوزارة والاستقلال بموافقه، وجعلها لا تخضع إلا للمصلحة، مصلحة القضاء والقضاة.
الوكيل العام المنصب بعد تلاوة ظهير التعيين من قبل رئيس كتابة الضبط ألقى كلمة هادئة بسيطة، تعهد فيها بالسير قدما وبأسرع من أجل التغلب على المشاكل العويصة التي يعاني منها القضاء في مدينة كبيرة ومنفتحة ولها صيت عالمي شهير وشهرة دولية، وتوفير الأمن القضائي والسكينة النفسية، وذلك بتضافر جهود كل الفاعلين في المجال “دون استثناء”، الذين يحسبون العمل الجيد بالمواقف والنتائج، وليس بالأخطاء التي يمكن تداركها دون الوقوف عندها طويلا كما تقف الثكلى عند قبر زوجها، وللتذكير أو الإشارة فالوكيل العام الجديد الأستاذ أبو زيد اسم بعلامة قانونية وبوهج حقوقي كبير ومدى بعيد في الوطنية، لا يختصر أحلامه ذات الاخضرار كما قيل في لحظة أو لحظات بقدر ما يسحبها على ما سيأتي اسم يتمتع بثراء في الفكر وزخم في الاجتهاد خاصة في الميدان الزجري، ويتميز في العمق بربطه الدائم بين متلازمة العمل الجاد، ومتلازمة الدفاع عن قضيتنا الوطنية، إذ إن كل مواقفه النبيلة التي مدح فيها علانية في المحافل الدولية أو المجالس تحمله وبمقاس وطني عال إلى مصاف الوطنيين الغيورين على وحدة الوطن وسلامته، الشيء الذي مكنه من الاحتفال بميزة على امتداد الحياة.
مساء نفس اليوم سجلت الوجوه من جديد حضورها بقاعة أخرى بابتدائية مراكش، وفي المقدمة والي الجهة السيد بيكرات عبد السلام الذي حرس على المواكبة رغم ضيق الوقت واشتداد الحرارة، وذلك لتقديره للقضاء ورجال القانون، وكل الذين لا يتعبون من رفع الصوت واستعمال الكلمة، وذلك للمشاركة في تنصيب وكيل الملك الجديد الأستاذ نعام الذي خلف رجلا متواضعا حكيما، كان يمارس عمله في صمت ونكران ذات وحضور قوي ودائم، هو الأستاذ بوداليا الذي كانت له مواقف جريئة وصائبة أيضا، جلبت له الإساءة والعداوة كذلك، ولم يؤخذ عليه سوى ثقته العمياء في عنصر لم يتوقف عن التغول والعجرفة والكثير من الأنانية، وإغلاق الباب في وجه المواطنين.
رئيس المحكمة الابتدائية الأستاذ عبد المنعم لم يتأت له المجيء نظرا لأنه كان في حالة نقاهة بعد مغادرته للمستشفى (شافاه الله)، عوضه النائب الأول محمد بلكزولي الرجل الذي يشتغل بتفان وبلا هوادة إن صح التعبير، ويقوم بأعباء كثيرة داخل المحكمة بحيث ينوب عن الرئيس، ويترأس جلسة استعجالية وأخرى تخص حوادث السير، وفي نفس الوقت يستقبل الوافدين على مؤسسة الرئيس، ويتعامل مع رجال الدفاع باحترام، وييسر لهم كل الأمور المرتبطة بعلمهم النبيل، ويتواصل مع المفوضين القضائيين حتى تمر الأمور بسلام، وكيل الملك الأستاذ نعام (وهو وجه ومعروف ومألوف في محاكم مراكش)، في كلمته التي ألقاها أمام الهيأة، وممثل النيابة العامة الأستاذ حادوش إبراهيم تعهد بأن يواصل المسيرة على رصد تضاريس تحركات السلف، ويسهر على تفعيل مبادئ الحكامة القضائية وتنزيل كل المقتضيات التي جاء بها الدستور والمرتبطة بالمجال القضائي، كما التزم بالرفع من وتيرة العمل، وذلك حتى تعود للمحكمة الابتدائية بمراكش صولتها ومكانتها بين باقي محاكم المملكة.